27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : بركة "السيد البدوي" تحل على المزمار المصري الأصيل





"الله الله يا بدوى جاب الأسرى "
                                                 *****
"ان كنت ناسي .. افكرك ياما كان غرامي .. بيسهرك وكان بعادي .. بيحيرك .. بيحيرك .. بيحيرك وان كنت ناسي أفكرك"
                                                *****
رأى السيد أحمد البدوي رؤيا قيل له فيها : قم واطلب مطلع الشمس . فتوجه مع أخيه السيد حسن تلقاء المشرق ودخلا العراق وزارا من دفن فيه من الأولياء ، منهم السيد عبد القادر الجيلاني ببغداد والسيد أحمد الكبير الرفاعي بواسط .
فلما أشرف على قباب الرواق الأحمدي المبارك أُلهم فقال :
هذي الخيام فليت شعري ما الذي : يجري علينا من عطاء كرامها
 فلما نام رأي الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه فقال له : أنشدني البيت الذي أُلهمتَه فأنشده البيت فقال :
ته بالقبول وجرَّ ذيلك زاهياَ : ولك المراد بأرضنا وخيامها
                                               *****
طبيعة السيد أحمد البدوى الفريدة المتفردة فى أسلوبها جعلت من خيال العامة والجهلاء مسلكا سريعا لنسج الحكايات حيث وجدنا فى تنقيبنا عن حياة السيد الشريف أحمد البدوى أنه ذو صفات لم تكن لأحد غيره من قبله أو بعده فهو الوحيد الذى اتهم بمثل هذه الاتهامات وأنه وحده من العارفين بالله الذى جاء بالأسرى المصريين أثناء الحملة الصليبية على مصر بعد لجوء احدى الأمهات اليه .. وهو دون غيره الذى كان يستطيع الصوم عن الطعام والشراب أربعين يوما متصلة .. وهو فقط الذى كان يطيل النظر الى السماء لساعات عدة حتى قالت عنه أخته أن عيناه كانتا يتحول سوادهما الى احمرار كالجمر من طول شخص بصره فى السماء كما أنه كان ملثما بلثامين ظلا يغطيان وجهه طوال عمره مما أضفى عليه الغموض وبما أن الناس منذ خلقهم الله شغوفين ملهوفين لكشف الغموض أو اضفاء الغموض على شئ ما فقد كان سيدنا أحمد البدوى ذو حكايات ومواقف فريدة من نوعها فى تاريخ العارفين بالله وأهل التصوف فكانوا يغزلون من مواقفه حكايات للسمر فى مجالس الجهلاء على الرغم أن علمه بلغ درجة لم يصل لها أحد حتى شهد له كل علماء وأقطاب الصوفية بأنه عميد عمداء التصوف على مر التاريخ .
                                               *****
موهوبة هي منذ الصغر، تملك تميزاً في الصوت والصورة والأداء‏، تعودت اللعب أمام رحاب مسجد السيد البدوي في طنطا، وكان إنبهارها بأداء المنشدين في تلك الليالي الصوفية شديدة النقاء، التي تشهد ابتهالات وأدعية وحلقات ذكر ، إلي تلاوات قرآنية مجودة من كتاب الله تتلوها أحلي وأجمل الأصوات البشرية المعروف عنها جمال الصوت وحلاوة الأداء والقدرة علي النطق الصحيح والسليم، سبباً في تعلقها بالغناء، وهو ما تسبب في تزويجها مبكراً، فلقد حولها "خراط البنات" مبكراً إلى إمرأة جذابة، وصدح صوتها ليعلن الخوف في قلب الأب على إبنته من "نداهة" الفن، التي جذبت ولده الأكبر محمد فوزي.
                                               *****
وتظهر أشهر كرامات السيد البدوي عندما لجئت إليه احدى أمهات المصريين وقد وقع ابنها فى الأسر بالحملة الصليبية على مصر والمعروفة بأسر لويس السادس عشر فى دار ابن لقمان بالمنصورة وطلبت منه انقاذ ابنها فأخبرها بالانصراف وسوف يعيد لها بنها من الأسر بإذن الله فعادت تجد ابنه وبقية الأسرى قد عادوا وفى أيديهم قيود الحديد فهللت وهلل معها الأهالى وغنوا له " الله الله يا بدوى جاب الأسرى "
                                              *****
صوت هدي سلطان هو ذلك اللون من الأصوات التي تبهرك بالأداء المتين الذي يتصف إلي جانب ذلك بدقة الأداء القائمة على فهم صحي وقادر لقدرات الغناء العربي، وحيث ان الصوت في الغناء الشرقي العربي غيره في الغناء الغربي الأوروبي لأنه صوت يقوم بجانب الموهبة على نعمة النطق الصحيح الذي تختلف حركته في الأصوات العربية عنها في الأصوات الاوروبية ونعمة النطق الصحيح تقوم عند الانسان منذ سنوات الصغر ثم تضاف إليها بعد ذلك إضافات التدريب والصقل والخبرة وجودة الغناء واكتساب ملامح وتقاليد الغناء العربي الرصين.
وهذا الغناء الرصين هو علامة في صوت هدي سلطان وهو غناء لا يكاد ينفصل عن عطاء موهبتها ودرايتها بفنون الغناء وخبراتها معه وتمرسها بأساليبه إلي جانب صدقها في التعبير عن دلائل سحره وجماله.
وقد اكتشف الموسيقار الكبير رياض السنباطي مقومات هذا الغناء الرصين عند هدى سلطان فكانت المطربة الوحيدة التي شاركته بطولة فيلمه السينمائي الوحيد "حبيب قلبي" من اخراج حلمي رفلة انتاج عام 1952.
                                               *****
من كرامات السيد البدوي أيضا حكاية فاطمة بنت برى وهى التى ألقى بها بعض العلماء فى طريق السيد أبو العطاب اختبارا له، وأيضا كانت نوعا من المكيدة له حيث اشتهرت بنت برى بحسن قومها وبهاء جمالها وشدة بياضها حتى كانت تباهى فى جمالها حوريات الجنة وتهفوا بدلالها وكأنما النسيم يجرى بين همسات كلامها .. فدخلت عليه ولاطفته وغازلته وكلمته وألقت عليه من كل صنوف الإراءات أنواع وأصناف وكل هذا ولم ينظر إليها ولم يحدثها حتى تعرت أمامه كما ولدتها أمها فلم يتحرك له ساكن ولما يأست منه انصرفت عنه وأخبرت مرسليها أنها دخلت على حجر ولم تدخل على بشر .. وبعد أيام ذهب اليها البدوى ودعا فيها وفى أهلها فعادوا إلى رشدهم وتابوا جميعا عن أفعالهم ومن يومها أصبحت بنت برى وأهلها مريدين للبدوى ولم تأت رجلا من بعد توبتها .
                                                    *****
ولقد تنوع غناء هدي سلطان فغنت لأغلب من عاصرتهم من ملحنين بدءا من نجاحها مع رياض السنباطي في أغنية "ان كنت ناسي أفكرك" وإلي تعاونها مع محمد عبدالوهاب في ألحانه لأغانيها "رجع الهوي تاني " الامل" و"نام يا حبيبي" ثم يغرد صوتها مع الاسماء الكبيرة المعروفة وأيضا غير المعروفة فتغني العديد من الأغاني الجميلة في مختارات الاذاعة مثل أغنية "حبيبي" ألحان فؤاد حلمي وأغنية "سبع أيام" من ألحان ابراهيم حسين واغنية "ان كان هوايا" من ألحان رياض البندك واغنية "احكي للدنيا" من ألحان حسين جنيد وأغنية "يا مجد يا عالي" من ألحان رؤوف ذهني وأغنية " شوقي ليك"من ألحان سيد مكاوي وأغنية" جاني الطير" من ألحان محمد محسن وأغنية في "عيني دمع" من ألحان عبد العظيم محمد وأغنية زفوا العرايس" من ألحان عبد الرؤف عيسي وأغنية " أم الشعور" من ألحان أحمد صبره وأغنية "عشاق المحاسن " من ألحان أمين عبد الحميد وأغنية "طعم الحب" من ألحان محمد قاسم وأغنية "حبيبي" من ألحان أحمد عبد القادر وأغنية  " نورت البيت" من ألحان عبدالمنعم الحريري وأغنية "يا نسمة طيري" من ألحان فتحي حجازي وأغنية " يا صاحبي من ألحان درويش الطنطاوي وأغنية "يا عشنا" من ألحان فاروق سلامة وأغنية "حكاية حب" من ألحان أحمد صبره.
واتجهت الى السينما وكان أول فيلم شاركت فيه "ست الحسن" عام 1950 ثم التقت بالممثل الراحل فريد شوقي  وتزوجا وشكلا ثنائيا فنياً في الخمسينيات أثمر أفلاماً منها "الأسطى حسن" و"جعلوني مجرماً" و"رصيف نمرة خمسة" و"المحتال" و"لمين هواك".
واشهر افلامها "إمرأة في الطريق" و"شيء في صدري" و"الاختيار" و"وداعا يا بونابرت" و"عودة الإبن الضال" والأعمال الثلاثة الاخيرة للمخرج يوسف شاهين ، وكان آخر أدوارها السينمائية عام 2003 في فيلم "من نظرة عين" مع منى زكي وعمرو واكد.
                                                    *****
اتهم الكثيرون العارف بالله السيد البدوي، بالنزق والجنون، والتجسس، وبلغ بهم أن قالوا أنه لا يصلى، وذهب كلامهم، وبقى السيد البدوي، ومقاماً يأتيه ملايين المريدين كل عام، وذهبت هدى سلطان، ولم تنل حظها من الشهرة على قدر موهبتها، بل ويقيت لا تصنف كنجمة أولى على الرغم من قيمتها الفنية، لكنها رحلت وبقيت قمة لا تغيب ولاتنسى... وإن كنت ناسي في أفكرك.

ليست هناك تعليقات: