25‏/09‏/2012

أرشيفي السينمائي : الديلر كمثال حي لمدرسة "النقد بالزوايا"



تحدث الناقد الكبير سمير فريد فى احدى مقالاته المنشورة فى ثمانينيات القرن الماضى عن انتشار مدرسة نقدية جديدة فى الوطن العربى و تحديدا مصر ,و أطلق عليها أسم " النقد بالنوايا " و تحدث عن اصرار النقاد على تبرير اخطاء العاملين و اكثر العيوب فى الفيلم و نسبها الى نية حسنة بفعل كذا و كذا !!!
ثم تحدث عن ان النقد فى الاساس موجه الى الجمهور الذى سيشاهد العمل و ليس الى صانعيه , مما يسقط تلك المدرسة المشبوهة منذ لحظة ميلادها .
ولكن فى نهاية العقد الأول من القرن العشرين و مع استمرار مدرسة النقد بالنوايا ظهرت حديثا مدرسة للنقد "بالزوايا" , يعتمد فيها الناقد على زاوية اقترابه من المنتج و المخرج و المؤلف و بطل العمل , وعلى هذا الاساس يخرج نقد و تقييم الفيلم مسايرا لتلك الزواية و حدتها و انفراجها .
وهذه الايام تحديدا , و بعد عرض فيلم الديلر , خرج موقع السينما بأول نقد عن هذا الفيلم , و فوجىء كاتب المقال بردود افعال غير منطقية من قلة اتهمت نقده بالمبالغة بل و بالغت ايضا فى اتهامه بالاساءة لفيلم فى قيمة الديلر و بطل له مكانة احمد السقا و كاتب له خبرة مدحت العدل, و سارعت احدى ناقدات جريدة يومية لها موقع ضخم على الشبكة العنكبوتية بنشر مقال نقدى تحدثت فيه عن المليودراما و الملحمة الاغريقية التى صنعها كاتب الفيلم , و الابداع اللامتناهى لطاقم عمل الفيلم بأكمله , وابدت انبهارها الشديد بعمل كادت ترشحه لجائزة مهرجان " كان " ان كانت تستطيع .
و فى نفس اليوم خرج علينا ناقد اخر فى احدى الصحف ذات التاريخ العريق  ليتحدث عن نفس الفيلم و عن التماسك الرائع للسيناريو المهلل فيه , وعن الاداء العبقرى لابطاله و مخرجه وان عاب عليهم فقط بعض الهفوات التى لا تليق بعظمة الفيلم .
وبعدها بيوم واحد خرج الفنان الشجاع احمد السقا - الذى يخاف على اسمه وتاريخه الفنى الذى يصنعه بيده - ليتبرأ من الفيلم و يتحدث عنه ككيان مشوه , بتر مخرجه اثناء المونتاج روحه و سلسلته الفقرية فصار بلا معنى .
وعاد المخرج أحمد صالح ليصدر تصريحا هو الاغرب فى التاريخ عن مخرج لما يشاهد فيلمه - المعروض فى السينمات - حتى الان , فى محاولة اخرى للتبرأ من العمل , الذى اكد بعض صانعوه ان المخرج صنع نسخة ليشاهدها الابطال و المنتج ثم قدم نسخة اخرى مشوهه لدور العرض .
و تصمت بعدها تماما مدرسة النقد بالزوايا , و يصمت مداحى القمر عن الاشادة و التكريم , ويبقى فقط ضمير القارىء الذى شاهد الفيلم ولم يعجبه و قرأ نقدا - كتب له خصيصا - يجامل فيه الناقد فنانا أخطأ , فسقط الناقد من عينيه و سامح الفنان .
اعزائى اعضاء مدرسة النقد بالزوايا , امام مسرح السلام بشارع القصر العينى محل شهير لضبط الزوايا أرجوكم اذهبو اليه!!!

أرشيفي السينمائي : في ذكرى وفاة ''المواطن مصري'' الذي فشل في طلوع النخل

رأيته يوم 28 يناير عند مجموعة النخيل الموجودة في فناء أحد فنادق القاهرة الواقعة على النيل، يتسلق النخلة هاتفاً "الشعب يريد إسقاط النظام"، وعدت وتصفحت وجهه عشرات المرات وسط صور الشهداء، رأيته أيضاً جندياً من جنود الأمن المركزي البسطاء، الذين وقفوا في الإشتباكات بين الثوار والأمن لا يعرفون السبيل، رأيته يتذكر والده "أبو مصري" وهو يسأله في سره : ماذا أفعل.
فتى أسمر اللون يشبه لون بشرته لون تربة مصر السمراء، وجهه المثلث يشبه دلتا النيل، عيناه الواسعتان تحملان حزناً دفيناً وتغلفهما إبتسامة ساخرة كعادة هذا الشعب الطيب الذي يسخر حتى من أحزانه، أنف شامخة تنم عن عشق للحرية وفم يحمل إبتسامة آبت أن يغيبها حتى المرض، صوت يحمل بحة خاصة وموهبة رائعة في التمثيل كل هذا كان الفنان عبدالله محمود الذي رحل منذ 7 سنوات بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
******
يبقى "طلوع النخل" أسطورة ريفية تتطلب مواصفات خاصة، وفي فيلم عرق البلح لرضوان الكاشف كانت وصية الجد هي طلوع الشجرة بحثا عن الخير ، ولكن عبدالله محمود أو البطل المسمى محمد السيد أحمد أقعده المرض عن صعود النخلة في فيلم طالع النخل، كما أبعده المرض عن المشاركة في ثورة يناير، إختطفه بعيداً ، على الرغم أنه ككل جيله محسن محيي الدين ووائل نور شاركوا في بداية ثورة سينمائية لم تنجح أيضاً في منتصف الثمانينيات.
كان البطل في طالع النخل يكشف تلك المعاناة في رحلة مع مرض البلهارسيا، والدخول في دوامة يصبح فيها المرض تجارة والإنسان مجرد سلعة خالية من المشاعر والاحاسيس وخاضعة لتجارب الباحثين عن الدرجات العلمية، كان يكشف ما يستحق الثورة خلال عمل تلفزيوني لم يلتفت إليه الكثيرون.
******
أما "مصري" في المواطن مصري فكان يكشف فساد السلطة، وكيف أجبر العمدة فلاح بسيط على أن يرسل ولده إلى الجيش بدلاً من نجله المدلل، حتى عاد إليه ميتاً، ويشبه هذا كثيراً حرص الموت على إختيار الفقراء، والشرفاء ليموتوا ويبقى "ولاد ...."، ويعري الفيلم قهر الفقر في المجتمع المصري بمصاحبة الجهل الطاغية الآخر .
مات "مصري" أو عبدالله محمود في الفيلم بريئاً دون ذنب جناه، ككل شهداء الشعب والشرطة، وبقى الطاغية حياً دون أن يمسه ضرر، في أذان آخر خرج للناس كي يثوروا.
******
وداعاً عبدالله محمود .

16‏/09‏/2012

أرشيفي السينمائي : فؤاد المهندس موسيقار البهجة الذي يخشاه الحزن





"ياحتة مارون جلاسيه والحشو شيكولاته"



والصيف يودع القاهرة في سبتمبر عام 24 استقبل بيت زكى المهندس العالم اللغوى طفله الذكر الأول بعد فتاتين، وفي شوارع العباسية وداخل منزل كانت العملة المتداولة فيه هي "خفة الدم" نشأ الطفل فؤاد المهندس، وكبر حتى التحق بكلية التجارة، قبل أن ينضم لفريق التمثيل فيها مبهوراً بالفنان نجيب الريحاني الذي قال له عندما شاهده يقلده بعدما انضم إلى فرقته المسرحية لمدة عامين

"كن رجلاً ولا تتبعني.. جوتة" .... وساعتها اكتفى الشاب النحيل ذو الوجه البيضاوي والذي انحسر الشعر عن مقدمة رأسه لتبدو جبهته العريضة واضحة بجانب شاربه الرفيع بتلك الكلمات ليبدأ مشواره العظيم.



**********************

" أنا واد خطير، أيو خطير، والكل يشهد بالكفاءة من الصغير للكبير"



10 سنوات قضاها الشاب الذي تخطى الثلاثينيات من عمره في أدوار صغيرة، ابرزها في أفلام "موعد في البرج"، "الشموع السوداء"، "عائلة زيزي"، قبل أن تطرق قدماه بشدة خشبة المسرح مع إفتتاح مسرح التليفزيون، ليقدم "أنا وهو وهي" بعد أن عانق عامه الاربعين، ليتعرف المسرح المصري وجمهوره على نجم ساطع، حمل راية الكوميديا من إسماعيل ياسين، وزغزغ شعباً بأكمله من خلال "السكرتير الفني"، "سيدتي الجميلة"، و"حواء الساعة 12".



********************



"قلبي ياغاوي 5 قارات زي القرع تمد لبره"



لم يعشق فؤاد المهندس السينما كما عشق المسرح على الرغم من أنه قد نحو 70 فيلما، ولكنها قدم فيها عدداً من الافلام التي بقيت في ذاكرتنا جميعاً مثل "شنبو في المصيدة"، "أخطر رجل في العالم"، و"أرض النفاق" أفضل أفلامه، إلا أن عشقه الأكبر كان لرفيقة الرحلة ، ونصف الضحكة المجلجلة شويكار، حيث تزوج الثنائي الشهير عام 1963 بعد أن طلب يدها شويكار على خشبة المسرح، بينما كان يتشاركا بطولة مسرحية "أنا وهو وهي"، بعد أن كان قد صرح لها بحبه في خلال كواليس مسرحية "أنا فين وإنت فين"، إلا أن القلب "اللي زي القرع يمد لبره" لم يعشق غيرها رغم طلاقهما عام 83، والتي قال عنها الأستاذ " شويكار هي أول وآخر حب في حياتي. كنا نفهم بعضنا البعض من خلال نظرات العين وكنا نشعر ببعضنا ونحن يفصل بيننا مسافات طويلة. وكان هذا سبب نجاحنا في تقديم دويتو فني استمر على مدى 20 عاما قدمنا فيها أنجح الافلام والمسرحيات"



*******************

"ممنون ممنون يا اخوان أنا ممنون، باسم الفن اقول ممنون ياحضرات المكتشفون"



كان للطريق رفيق أخر هو عبدالمنعم مدبولي الذي قال عنه المهندس "كنت بصحبته شيئا مختلفا عما قبله، كان الناظر والاستاذ بالنسبة لي ولغيري من أبناء جيلي، وبفضل النصوص التي اختارها لي في برنامج ساعة لقلبك أصبحت خليطا من الريحاني وفؤاد المهندس فعثرت على شخصيتي الفنية التي أبحث عنها".

التقيا في فرقة "ساعة لقلبك" في مطلع الخمسينات وصنعا سوياً إنقلاباً في المسرح الكوميدي المصري، عندما تخلصا من اللزمات الكوميدية المميزة لكل نجم في الساحة وقدما كوميديا اعتمدت على موهبة الفنان، واعتماد طريقة أداء خاصة تكون هي اللزمة المميزة للفنان.



*****************

"رايح أجيب الديب من ديله، وان معرفتش أجيبه حاسيبه، وارجع أقول ملقتلوش ديل"



"عمو فؤاد" هو اللقب الذي يعرف به الأستاذ جيل كامل ولد في سبعينيات القرن الماضي، وعشق فوازيره للأطفال، التي كانت بصحبة مسلسلات قليلة مثل "عيون" و"سعيكم مشكور" هي أعماله للتليفزيونن ومع تقدم السن وطبيعة الوضع التجاري للسينما، عاد الاستاذ للأدوار الثانية ليقدم للسينما "أيوب"، و"البيه البواب"، إلا أنه بقى على خشبة المسرح يزداد بريقاً ليقدم "سك على بناتك"،"علشان خاطر عيونك"، و"هالة حبيبتي".

قبل أن يجبره السن وإنعدام الوفاء على التوقف عن إستنشاق ضحكات جمهوره في المسرح، لتنزوي الأضواء ويصمت الاستاذ، ويكتشف فعلياً أن الذئب بلا ذيل ولا يستطيع العودة، يكرمه مهرجان القاهرة ولكنه يزوي كـ نبتة اقتلعوها من جذورها بعيداً عن العمل، يفقد مدبولي رفيق الطريق، فينتهز الإكتئاب فرصته ويهاجم صانع البهجة ليرحل عن عالمنا عن عمر يناهز 82 عاما في 16 سبتمبر 2006، وهو يغني أغنيته التي لا يعرف الكثيرون أنها بصوته "يللا حالاً بالاً هنوا ابو الفصاد، حيكون عيد ميلاده الليلة اجمل الأعياد".

أرشيفي السينمائي :الأطفال في السينما..من فيروز إلى جنا..ياقلبي لا تحزن

وجود الأطفال في الأفلام السينمائية طبيعي، لانها إنعكاس حقيقي للمجتمع، ولذلك كان وجود الأطفال في السينما المصرية منذ بدايتها أمر طبيعي، ولا نستطيع أن ننسى الفنانة الكبيرة فاتن حمامة وهي طفلة امام الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم يوم سعيد.
ثم انتقلت السينما المصرية نقلة نوعية بالنسبة للأطفال بعدما اكتشف الفنان اللبناني إلياس مؤدب فيروز وقدمها إلى المنتج الفنان أنور وجدي، لنرى الطفل بطلاً للمرة الأولى من خلال أفلام ياسمين وفيروز هانم ودهب، وكلها أفلام تم صناعتها ليكون الطفل هو المحرك الرئيس للأحداث، ولكن الطفل بقى طفلاً بكل ملامح الطفولة وبراءتها وشقاوتها، إستغلالاً لشقاوة فيروز الصغيرة.


وخلال العديد من الأعمال التي شارك فيها الأطفال بعد ذلك مثل لبلبة ونيللي، وإيناس عبدالله، ودينا عبدالله، بقى الأطفال أطفالاً يصنعون الضحكة من خلال شقاوتهم، وتقليدهم للكبار أحياناً دون إبتذال أو إنتقاص من تلك الطفولة،ومن منا ينسى فيلم الحفيد.
ويبقى الوضع على ماهو عليه، وإن اختفى دور الأطفال في الثمانينيات والتسعينيات، إلا من خلال أفلام قليلة مثل فيلم العفاريت الذي قدمه المطرب عمرو دياب، أمام الفنانة الراحلة مديحة كامل، حيث عاد الأطفال ليكونوا المحرك الرئيسي للأحداث من خلال الطفلة هديل بمشاركة الطفل أحمد عقل، ولكن على إستحياء لضعف الفيلم فنياً.
حتى بداية الألفية الجديدة وعادت السينما لتقدم لنا الطفولة بمنظور جديد يختلف تماماً عن ذي قبل، حيث لجأت السينما إلى تقديم الطفل الكبير - بعد إخراج فيلم بحب السيما من المعادلة -، أو بمعنى أدق شخصية الطفل التي لا تنتمي إلى عالم الطفولة ولكنه كل تفاصيلها تفاصيل شخص بالغ، وهو ما حدث مع الطفلة مها عمار في أفلام خالتي فرنسا وسيب وأنا سيب، ثم عادت السينما لتقدمه بشكل أكثر فجاجة وإبتذال مع الطفلة جنا نصرت في سامي أوكسيد الكربون وحصل خير.


والمدهش في كلا الطفلتين حرص صناع العمل على إهدار الطفولة من خلال تقليد حركات الكبار وإستخدام ألفاظهم وتفاصيلهم لتسول الضحكة من المشاهد، الذي يخشى في كل الأحوال على أطفاله من أن تكون مثل تلك النماذج الشائهة.
وبذلك تكون السينما المصرية قد عادت للخلف فيما يخص الطفولة، التي كانت يوماً ما رهاناً فائزاً للمنتجين، ومازالت افلام الأطفال عالمياً تحقق نجاحات جيدة، بينما قررنا نحن دون اي سبب معلوم أن نشوه أطفالنا من أجل لا شيء.

12‏/09‏/2012

أرشيفي السينمائي : محمد شرف"نسيم" السعادة الـ"صابر" على الحزن

هل تتذكرون شخصية "نسيم" في فيلم "أسف على الإزعاج" تلك الشخصية المحبطة الحزينة معدومة الأمل صاحبة الأحلام البسيطة، القادرة على تفجير الضحك من أقصى المواقف ألماً، تلك هي شخصية محمد شرف تماماً في الحقيقة، على الرغم من الصخب الذي يصنعه حوله اينما حل وكأنه في قتال مع "التكشيرة" التي يرغب دائماً في هزيمتها.

ظهر للمرة الأولى في مسلسل "ارابيسك" أحد روائع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، في دور "سامبو" الشرير، بحكم ملامحه، تلك الجبهة الضيقة التي يحفها زوج ضيق من العيون، وأنف أفطس وفم عريض ذو شفاه رفيعة، ولكن حتى ملامحه تلك انتصر عليها بموهبته العفوية التي صنعت منه نجماً محبوباً لدى الجماهير.

يعتبره الكثيرون من نجوم الظل، ولكن منذ متى والظل يحتمل نجوم مضيئة، ذلك الظل نفسه الذي حوى يوماً نجوماً في قيمة عبدالفتاح القصري وعبدالمنعم إبراهيم، وماري منيب وغيرهم من أساطير الضحك التي لا تتوقف ابداً عن قهر الحزن.

نجوم حقيقية تصنع في دقائق قليلة على الشاشة في صنع ما يعجز عنه نجوم كبار في أفلام ومسلسلات، لكن "القسمة والنصيب" تصر على أن يبقى ترساً صغيراً يدور بدوران التروس الأكبر، بينما ينكسر هذا الترس الصغير إذا حاول إتخاذ دور الأكبر.

نعم لا يصلح شرف لأداء دور البطولة...نعم قد تسأل عن اسمه في الطريق فيجيبك 4 من اصل 10، بينما يتذكر الـ10 بالكامل أدواره، لكنه يظل نجماً موهوباً لا يختلف على موهبته اثنان.

سوف يظل رحالاً طيلة رحلته الفنية مثل شخصية "صابر" التي اداها في فيلم "كباريه" محاولاً توصيل الأمانة حتى يسقط، في الفيلم لم تصل الأمانة، وفي الواقع سقط شرف لفترة صريع المرض، لم يجد بجانبه أحد، ولكنه عاد بإرادة حديدة ليكمل توصيل الأمانة التي لن تضيع هذه المرة.

محمد شرف الفنان السكندري الموهوب صاحب الأداء الهاديء غير المفتعل والإبتسامة المبتسرة التي تنم عن حمل داخلي يظهر في العيون التي تشكر ربها على ضيقها حتى لا يلاحظ، لن يصبح نجماً من الصف الأول، لكن ولأن لكل امروء نصيب من اسمه، سيحمل شرف السطوع وحب الجماهير في زمن تقاس مواهبه مادياً، بينما موهبة صاحبنا لا يمكن تقديرها.

تبقى الخلاصة في تجربة شرف الفنية هي : ليس مهماً أن تصل إلى نهاية السلم، ولكن تأكد دائماً من أهمية الدرجة التي وصلت إليها واستمر في ملئها كما يجب.

11‏/09‏/2012

نجيب محفوظ.. نبي هذا العصر الذي لم يُبعث

"رأيتني سائرا في الطريق في الهزيع الأخير من الليل فترامى إلى سمعي صوت جميل وهو يغني.. زوروني كل سنة مرة.. التفت فرأيت شخصا ملتفا في ملاءة تغطيه من الرأس إلى القدمين فنظرت إليه باستطلاع شديد. رفع الملاءة عن نصفه الأعلى فإذا هو هيكل عظمي فتراجعت مذعورا. ورجعت وأنا أتلفت والصوت الجميل يطارني وهو يغني.. زوروني كل سنة مرة."

أخر ما كتبه الراحل نجيب محفوظ في كتابه الأخير "أحلام فترة النقاهة"، وها نحن نزورك يا مولانا في ذكرى وداعك، واعذرنا على التقصير الذي اعتدته منا يا نبي العصر الذي لم يبعث.
حاربوك كثيراً، كما يحارب أنبياء التغيير في كل زمان ومكان، اتهمك الأزهر عام 59 بإهانة الدين الإسلامي والأنبياء في رواية "أولاد حارتنا"، واتهمتك كل التيارات السياسية المعارضة عام 78 بالزندقة الوطنية لأنك باركت رحلة السادات إلى القدس، وحتى عندما أعطالك العالم بعض ما تستحق ومنحك جائزة "نوبل" رماك شيوخ التطرف بالكفر وأخرجوك من الملة ليحاول بعض صبيتهم اغتيالك دون أن ينير رأسه حرفاً من حروفك.
                            *******
يتداول تابعوك بانبهار أحاديث شيخك العالم عبد ربه التائه في "أصداء السيرة الذاتية"، يدهشهم قدرتك المعجزة في كشف المستقبل ووصفه، دون أن يلحظوا أن لا مستقبل لأمة تحيا بعقل الماضي، وأن ثورتك في الأساس جاءت من أجل التغيير، يشير إليهم حامل أفكارك عبد ربه التائه ويقول " حب الدنيا آية من آيات الشكر , و دليل ولع بكل جميل , و علامة من علامات الصبر ".
ويتمتم خاتماً ليصف إياك  رجل نبيل و ما أندر الرجال النبلاء . أبى رغم طعونه في العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك."
هلكت يا عمنا عاشقاً للوطن الذي يكفرك حكامه الآن ويتهمونك بالزندقة والتحريض على الفجور، وكأنك هذه المرة وقفت معتصماً بالجبل، تاركاً أسوأ ما فينا ليركبون السفينة ويبحرون، فما لنا في هذا الزمان إلا الغرق.
                           *******
لم يفهم الكثيرون السبب في إصرار نجيب محفوظ على عدم كتابة سيناريو لأي من رواياته، على الرغم من كتابته السيناريو والحوار للعديد من روايات الأديب إحسان عبد القدوس وأشهرها فيلم أنا حرة، وكذلك اعتبر البعض تصريحه الشهير بأنه غير مسئول عن الأفلام المأخوذة من رواياته، على أنه مجرد تنصل من الأفلام التي لا تقدم نفس الرؤية التي في نص الرواية، وهو خلاف قديم ما بين المكتوب والمرئي، والذي ينتصر فيه عادة النص المكتوب كرواية لأنه بلا حدود للإبداع، ولم ينتصر النص المرئي إلا في حالات قليلة جدا مثل فيلم الأرض المأخوذ عن رواية لعبد الرحمن الشرقاوي، وفيلم شيء من الخوف المأخوذ عن رواية لثروت أباظة، لكن الحقيقة أن محفوظ كان يكتب نصاً متعدد الرؤى والأبعاد، اختار صانعو الأفلام رؤية ومستوى واحد منها ليقدموه في أفلامهم المأخوذة من رواياته مما أفقدها الكثير من قيمتها.
وهو ما اضطر عباقرة هذا العصر لأن يحكموا على أعمال محفوظ من أفلام حسن الإمام، وهو الأمر المقزز الذي يشير إلى كم الجهل المخيف الذي يعتلي موجة الدين هذه الأيام.
سيدي نجيب محفوظ يا نبي العصر الذي لم يبعث رحلت ولم تصل رسالتك، وحتى تصل يكفينا منها الآن قول عبد ربه التائه ""اللهم منّ عليه بحسن الختام , و هو العشق ."


10‏/09‏/2012

أرشيفي السينمائي : من المعتقل إلى "الغيط"...الحلم لا يمكن سجنه

ربما كانت تلك الليلة أشد ليالي المعتقل برودة، حيث كان صرير الرياح كفيلاً بإصطكاك الأطراف من البرد، حيث لجأت أجساد المعتقلين إلى دفأ بعضها البعض وانضمت الصفوف فيما يشبه سرب النمل الذي يحاول الهروب من الماء، وارتفعت قبضات الأيدي إلى الافواه النافخة طلباً لقليل من القدرة على تحريك الأصابع، إلا أن تلك الكفوف مالبثت أن تناست البرودة ونالت دفئها من التصفيق الحاد له وحده، هذا المعتقل الذي هزم البرد بصوته وأداءه لدور عطيل في أحد المشاهد المسرحية الخالدة التي كتبها وليام شكسبير.
وبين التصفيق وإرتعاشة الأجساد "البردانة" بفعل البرد أو الإندماج مع المشهد، نال المعتقل على الشريف تحيته من زملاء العنبر بأحضان دافئة وبعض السجائر محلية الصنع.
وحده ذهب إلى "فرشة" نومه في العنبر، يحلم لأنه يدرك أن الحلم قادر على تخطي الأسوار، والسجان غير قادر على حبسه، ولم يكن يدري أنه في ظرف سنوات قليلة سيتخطى كل الأسوار ويحقق حلمه بالتمثيل.

*****
لم ينم يوسف شاهين في تلك الليلة التي أنهى فيها قراءة سيناريو فيلم الأرض، كان يرى أبطاله يروحون ويجيئون أمامه، رأي محمود المليجي في شخصية محمد أبو سويلم من اللحظة الأولى، كان يعرف قبل أن يقرأ أن عزت العلايلي سيؤدي دور عبدالهادي، اقتحم يحيى شاهين رأسه عندما سمع في خياله الشيخ حسونة يتكلم، لكنه نهائياً لم يصل إلى دياب، بات ليلتين يفكر إلى أن يأس ولكنه قرر أن يسند الدور لوجه جديد، بشرط أن تتطابق ملامحه مع الفلاح المصري الذي لم يتلق تعليمه ولم يغادر قريته، يشبه طين تلك الأرض، ويشبهه طينها.
ذلك الفلاح الذي عندما ذاق "الطعمية" اعتبرها ترفاً يحوذ عليه ابناء "البندر"، ذلك الفلاح المخلص لأرضه أكثر من حياته، ذلك الفلاح المضلل الذي وإن صارت الطعمية لا تبهره الآن، وصار إخلاصه للأرض مدفوناً في ضواحيها، إلا أنه ما زال مضللاً يستمع إلى رأي محمد افندي حتى الآن.

******
عاد على الشريف إلى منزله ذلك اليوم في حالة ذهول، تاركاً باب الشقة مفتوحاً وسلسلة مفاتيحه التي تحمل مفتاحاً واحداً تتدلى من "كالونه"، واسرع تجاه المرآة ليتأمل ملامحه مرة أخرى... 36 عاما رأى فيها تلك الملامح كل يوم، تلك الرأس "المدورة" التي تحتل مقدمتها جبها عريضة يحرسها بلا كلل زوج من الحواجب الغليظة، تحتهما زوج من الأعين الضيقة التي كثيراً ما عايره بها صديقه خالد محيي الدين وانها دليلاً على الغباء، ,انف عريضة تناسب غلاظة تلك الشفاه التي تساندها، بينما حرص على أن يكون شاربه وسيطاً بينهما...أدرك ساعتها وللمرة الأولى لماذا صرخ يوسف شاهين "أهلاً يادياب" عندما رأه اليوم.
نظر إلى أصابع يده ثم ابتسم للمرآة ، فهو اليوم قد وقع عقد فيلمه الأول، ونجح الحلم في تخطي كل الأسوار حتى سور المستحيل.

******

ربما رحل على الشريف عن عالمنا، ولكن دياب باق... والصول عبدالجبار باق...ولكن لنا مع الصول عبد الجبار جولة أخرى.

04‏/09‏/2012

أعزائي شيوخ الفضائيات....أنتم في النار!!!




قال العرباض  - وهو ممن نزل فيهم قول الله ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) - : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فما تعهد إلينا ؟ فقال : "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" .
ويخص مقالنا في من هذا الحديث ذلك الجزء "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار"، وأنتم يا شيوخ الفضائيات أحدثتم بعملكم كرجال دين، ولم يكن في الإسلام على عهد رسول الله والصحابة التابعين والأئمة الأربعة الكبار ما يسمى برجل الدين، رسل الله كانوا يعملون، نوح كان نجارا، إدريس كان خياطاً، داوود كان حداداً، ومحمد كان يرعى الغنم، وكان أبو بكر الصديق تاجر أقمشة، وعثمان بن عفان كان تاجرا، وعبد الرحمن بن عوف كان تاجراً، والزبير بن العوام كان خيّاطاً، وسعد ابن ابي وقاص كام نبالاً يصنع نبل الحرب، وكان الامام ابو حنيفة تاجراً، وكان الإسلام حريصاً على أن لا يكون هناك صلة بين العبد وربه، لذلك لا رجال دين في الإسلام، تركوا العمل وتفرغوا للمتاجرة بالدين والتكسب منه، والله لقد استحدثتم بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ولا يدعي أحدكم أنهم رجال علم لا دين، لأن كل من سبقت أسمائهم كانوا رجال علم ولكن لا يتكسبون منه، وأنتم تتكسبون من علمكم، فيما ليس له سابقة في الأثر لا في السنة ولا من الصحابة ولا الأئمة ولا التابعين، أنتم بدعة، أنتم في النار.
عفواً عزيزي القاريء عما سبق، فأنا أخاطب القوم بمثل خطابهم، يرفضون هذا فيجدون مبرراً لتكفيره، يرهقهم هذا بعلمه الذي يفضح جهلهم، فيستخرجون حديثاً يطوعونه كما يشائون لتكفيره، وللعجب قد يستخدمون الحديث ذاته – أو الآية القرأنية – لتجميل نفس الشخص إن اضطرتهم الظروف لذلك.
ويقول  بن تيمية - رحمه الله - : ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة؛ فإن الله تعالى قال : الخوارج المارقون  قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين من بعدهم ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم .
ولم يقاتلهم الإمام علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يَسْبِ حريمهم ولم يغنم أموالهم .
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ؟، وأنتم تستهلون التكفير ورمي المحصنات والتحريم كما تشائون، أولا تعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار )، هل تعلمون أن من يتصدى للفتوى، يجب أن يكون قد درس 113 علماً، فكم درستم.
والله لا أملك أن أكفركم، ولم يعط الله سبحانه وتعالى هذا الحق لبشري، أو أدعي أنكم في النار، لأن هذا بعلم رب العالمين، تحرمون ما لا يوافق هواكم، وتمنعون وتمنحون، وأنتم علة هذه الأمة، وأسوأ ما فيها، ولا أعمم هنا ولكني أخاطب شيوخ السلفية الوهابية الذي يبتدعون ما لم ينزل الله به من سلطان، وما أتاه نبيهم محمد بن عبدالوهاب، ومولته المملكة العربية السعودية، ووحي "البترودولار"..... ألا تعرفون أن الامام الشافعي عدل فقهه عندما وصل إلى مصر، لأن ما يناسب أهل العراق، لا ينبغي لأهل مصر....قبحكم الله من شيوخ.


03‏/09‏/2012

He Loves Me. He Loves Me Not..من الحب ما ..آه ياني


أنت لا ترى الحياة سوى من زاوية واحدة، ابذل مجهوداً أكبر لتعدل من نفسك، أو وضعك لتراها من زاوية أخرى، لأنك ستكتشف مدى خطأ حكمك من زاوية واحدة، هذا هو الإنطباع الأول الذي تخرج به عند مشاهدة فيلم "À la folie... pas du tout"، مع زوج من العيون اللامعة المبهورة، وإبتسامة عريضة يضيق بها الفك.
يستعرض الفيلم خلال نصفه الأول علاقة عاطفية غاية في النمطية، عن الطبيب المتزوج الذي يحب طالبة الفنون الموهوبة، والذي يعدها بتطليق زوجته الحامل، ثم يهجرها بعد أن تفقد الزوجة جنينها، تجبرك الألوان في النصف الأول على متابعة كل مشهد وكأنه لوحة فنية، تكتشف مدى تناسق الألوان فيها، مع التساؤل عن ماذا بعد في الأحداث.
تتوقف في النصف التاني تقريباً عن التنفس من فرط الخجل من كراهيتك الطبيعية للطبيب الخائن، عندما ترى الحقيقة من زاةي أخرى، تكتشف أن التفاصيل لم تختلف نهائياً، فقط زاوية الرؤية تغيرت، فاتضح لك ما لم تعلمه في النصف الأول.
تكتشف براءة الطبيب العاشق، ومرض الطالبة الفنانة النفسي، والذي يتطور لجريمة قتل.
تجبرك زوايا الكاميرا طيلة الفيلم على الإشادة بإحساس مخرج الفيلم، الذي وفر لمشاهده كل الإمكانيات المتاحة للإنبهار بأداء الفنانة أودري تاتو، التي قدمت دوراً شديد العمق بمنتهى البساطة، لتزيده عمقاً، بينما يؤدي غيرها الأدوار العميقة والمركبة بعمق فيخرجون "كاركترات" كاريكاتيرية.
عد عزيزي المشاهد مرة أخرى للفيلم شاهده مرة من أجل أن تتعلم نظرية الزوايا، ومرة من أجل أن تنبهر بأداء بطلته، ومرة لتتعلم عشق الالوان وتناسقها.
وصدق من قال....السينما صفاء الروح.
ملحوظة : لا تكن مغفلاً مثل كاتب هذه السطور وتتمنى حبيبة لها نفس أداء بطلة الفيلم في نصفه الأول، لأنك ستندم على ذلك.