27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : ''هوجو'' .... درس بليغ عن العودة للحياة!

 عندما تشاهد فيلماً يبهجك، يغير من حالتك النفسية من السيء للأفضل، لا تخجل من الصراخ بصوت عال قائلاً : هذا فيلم عظيم.... ينطبق ما سبق تماماً على فيلم هوجو للمخرج الرائع  مارتن سكورسيزى الذي قدم من قبل أفلاماً شديدة التميز عن أبطال عصابات وعن مافيات عنيفة يتسم أفرادها بأخلاقيات وصداقات وغراميات من نوع خاص . ورغم البشاعة التي تحيط بهم وحالات العنف التي تتلبسهم ، كان يقدمهم بصورة واقعية للغاية، جعلت منه أحد رواد الواقعية السينمائية في العالم، لكنه هذه المرة يجوب بمشاهديه عالم جديد من الخيال عبر "حدوتة" شديدة الجمال والإنسانية، أضاف إليها بمهارة شديدة إحتفاءً خاصاً بالسينما عبر تقديم سيرة ذاتية لأحد أهم صناع السينما في بدايتها جورج ميليس الذي قدم 503 فيلماً في الفترة ما بين 1895 و 1913 حتى توقف عن العمل نتيجة الحرب العالمية الأولى .
وكما عودنا سكورسيزي دائماً بأنه مخرج المكان الواحد مثل المدن الموحشة والمنازل الكئيبة والشوارع الخلفية والكازينوهات المليئة بالهمجية في أفلام كازينو ، سائق التاكسي ، الجزيرة المحطمة ، يخوض بنا تجربته السحرية هذه المرة داخل محطة قطار يسكنها بطله الطفل الذي يعمل على ضبط ساعات المحطة، حالماً بإصلاح رجل آلي هو كل ما تبقى له من والده، حتى يلتقي المخرج العظيم المعتزل الذي ييدير محلاً لبيع الألعاب، ليكشف كلاً منهما للآخر عالما سحرياً للسينما التي ظن الرجل الكبير بأنها ضاعت وأكلها النسيان.
وكعادته يقدم سكورسيزي عالمه الجمالي الغني بالمعايير والقيم والعواطف الإنسانية ولكن هذه المرة دون فوضى وعنف، بل ويقدم أيضاً كعادته رسائل هامة تدعو لحب الحياة وإعادة إكتشافها بعيداً عن حبكة الفيلم مثل حديث الطفل هوجو مع صديقته إيزابيل حين يقول لها "الآلات لا تحتمل قطعاً زائدة، والدنيا تماماً كالآلة ليس فيها قطعاً فائضة عن الحاجة، ونحن البشر قطعها، فليس منا من ليس له دور"، كذلك الخطوط الفرعية المبهرة لمفتش البوليس القاسي نتيجة إصابته في الحرب والعاشق البسيط لبائعة الورد، وأيضاً بائع الجرايد وصاحبة المقهى.
فيلم هوجو هو إعادة ميلاد للمخرج العظيم الذي قال يوماً عن نفسه في حوار صحفي "" إنني اشعر بالخوف . وقد تكون التكنولوجيا هي السبب ، وهذا يعود بنا إلى الوراء للثورة الصناعية . نحن نفقد ذواتنا بطريقة ما ، نفقد الإحساس بمن نحن . لقد فقدت الاتصال مع العالم الجديد واشعر إنني مغترب عنه ، فأنا لا أستطيع أن أقوم بتشغيل كومبيوتر ! وكل فيلم اصنعه هو عن عالم لا وجود له الآن "، فيقدم فيلماً ثلاثي الابعاد بـ"تكنيك" شديد الجمال، لم ينسى خلاله أن يؤدي التحية لبدايات السينما.
"هوجو" فيلم خيالي ارتمت الواقعية بين أحضانه، ليقدم لنا عالماً شديد الروعة مليئاً بالبهجة يستحق أن تشاهده عدة مرات، لتعلم أن الحياة مازالت تستحق المزيد من الجهد والمثابرة، يعود خلال أحداثه جورج ميليس للحياة، ويعود سكورسيزي ليقدم حياة إخراجية جديدة، شكراً سكورسيزي على تعليمنا فن الحياة.

ليست هناك تعليقات: