30‏/08‏/2010

السيد تركي يكتب :"قهوة الحرية" أبطال هاربون من مرّ الواقع إلى مرارة الخمر


علي العكس من أبطال" قهوة الحرية", اختار الروائي الشاب أسامة الشاذلي لروايته مصيراً متمرداً.. هو نوع من الإحتجاج العملي علي أحوال النشر المتردية في مصر.. قرر طباعة روايته الثانية على نفقته الخاصة وتوزيعها على المكتبات بسيارته الصغيرة.. قاطعاً الطريق بين الأسكندرية والمنصورة وطنطا والقاهرة مطمئناً علي مكانها بين أيدي قرائه. قد يكون التمرد علي المصير الاغريقي لأبطال الرواية المستسلمون لمصائرهم هو ما دفعه لذلك.
الرواية هنا هي المكان.. هذا المقهي العتيد الذي يعرفه مرتادو وسط المدينة جيدا.. نظرة خاطفة عليه من وراء الحواجز بعد منتصف الليل تكشف ان هذا هو الصخب المسرحي بعينه.. هكذا أبطال الرواية التي تتماس مع الواقع في شخوصها لدرجة تصل مع بعض الشخصيات إلي حالة التطابق. اختيار الروائي للمكان يكشف عن رغبته في كشف شخوصه وفضح أسرارهم, وهل هناك أفضل من لحظات السكر.." ناس من الخمرة تصبح وحوش, وناس من الخمرة ترجع بشر". هذه الرغبة العميقة في الكشف عن الاسرار تجلت في اختيار الشاذلي لطريقة الراوي العليم, رغم انها رواية متعددة الاصوات, يستخدم فيها الروائيون ضمير المتكلم, إلا ان هذا الاختيار, علي ندرته, يكشف عن رغبة الروائي في الوصول إلي أكثر النقاط إظلاما في وعي شخوصه. يتحدث الراوي عن رشاد, ماسح الاحذية: ".. منهمكا في ذكري بدت معالمها سحيقة, بهتت معالمها في ذاكرته حين ادرك ولاول مرة انه غير قادر علي الانفاق علي ابنة عمه التي تزوجها, وكل هذه الافواه التي خرجت من هذا الزواج".
الرواية تلعب علي حكايات ثمانية اشخاص بشكل افقي يتنوعون بين ماسح احذية وسقاة ومناضلون سابقون وصحفيون وريجيسير, تنتقل الرواية بين الشخوص ساردة أحداث يوم واحد ينتهي بموت الرئيس وفرض حظر التجول.. هؤلاء الأشخاص علي تنوعهم لا تجمعهم سوي"الحرية" التي تحتفظ بهم في أخر مشاهد الرواية قابعين بين جدرانها, في مفارقة ظاهرة قصد بها الروائي/ الرواي العليم أن يظل الابطال حبيسي هذا المكان حتي نهايتهم او نهاية القهوة أيهما اقرب.
ابطال الشاذلي جاءوا الي قهوة الحرية مهزومين وهاربين, يداوون جراحهم بالشراب, ويتقاسمون حكاويهم مع الندماء, سلوي الابطال تتجلي في استسلامهم للراوي الذي يعرف تفاصيل ماضيهم, المرة الوحيدة التي افلت فيها أحد الابطال من قبضة الراوي الثقيلة جاءت مع شهدي, اليساري والسجين السياسي السابق, الذي اخذ زمام الحكي وانطلق في واحد من أطول منولوجات الرواية, 14 صفحة من القطع الصغير. وهذا سعد, الساقي, مهزوم في بيته بعد ان أنكره ابناؤه خجلا من مهنته في قهوة الحرية, وهذه لينا, المناضلة الفلسطينية السابقة, والباحثة عن ظل رجل تستعيض به عن الوجود الطاغي لحبيبها الراحل مريضا بالسرطان: "حاولت التماسك ولكنه أبي وتركها راحلا بغير عودة منتحلا لنفسه موتا قبل الموت.. علمها فنون الحياة التي كان شغوفا بها, وشاء ان يعلمها طقوس الموت التي يكرهها". وهناك يقبع توفيق, الساقي الثاني, في أحد الحمامات, فاشل حتي في ممارسة العادة السرية, ويتستر علي ما اعتبره "فضيحة" سعد وماسح الاحذية رشاد, الهارب من فقر الصعيد الي مذلة القاهرة. وتامر وصفي الهارب من عار امه وابيه الي مهنة لا تحتاج الا لـ "بورمجي مودرن" لا يجد متعته إلا في الإستماع لحكايات شهدي المناضل السابق المتوحد مع فكرة يعلم انها لن تتحقق, ورغم سخرية تامر المريرة من هؤلاء الاشخاص, الا انه يجد في شهدي صورة الاب الذي كان يتمناه بعد ان اكتشف في مراهقته ان امه ليست سوي عاهرة وان اباه, علي الورق, مجرد قواد.
مع ابطال الشاذلي لا يوجد شر مطلق او خير مطلق, رغم مأساوية الاحداث التي دفعت بهم الي الحرية, هناك خالد المرصفاوي.. صحفي شاطر إلا ان التميز وحده في هذه المدينة القاسية ليس كافيا, بعضا من جسده يفيض به علي زوجة رئيس التحرير التي تعاني الحرمان, لا يضر بل يفيد. كذا ندي بركات الصحفية الموهوبة هي الاخري, لا مانع من عدة تنقلات بين المحبين حتي تصل في النهاية الي مرفأ المرصفاوي كأي فتاة عادية ترغب في زوج وبيت واسرة.
هذه هي القاهرة/ قهوة الحرية حسبما يراها الشاذلي بشر مخمورون دون خمر, يتظاهرون بالعمل علي شئ ما غير مرئي, محدثين جلبة دون انجاز اي شئ. هذه هي القاهرة التي يسكنها الشاذلي مع اطفاله الثلاثة داعيا اياهم, في صفحة الاهداء, إلي مشاهدتها من اعلي بشرط الا يفكروا للنزول والسكني بها ابدا.

تم نشر المقالة فى موقع العرب اليوم يوم 23 أغسطس 2010
http://www.arabs2day.net/fQGLYI-dJH/chiI-GeMQkI-CHWGe-hGQHig-fg-fQr-GeiGcY-Eej-fQGQI-GeNfQ.html

14‏/08‏/2010

مبارك و حذلئوم وجهان لعملة واحدة


نجح الفنان أحمد مكى فى ذكاء يحسد عليه و دون ضجة فى صناعة فيلم عن سيرة الرئيس البطل صاحب الضربة الجوية الأولى محمد حسنى مبارك - أول مجرم سلم فى التاريخ - و تم عرضه تجارياً تحت إسم "لاتراجع ولا استسلام" .
وتدور أحداثه حول "حذلئوم " ذلك الإنسان معدوم المواهب و الذكاء - مبارك بالمللي - الذى يطمح فى السفر للحياة فى لندن - وقد كان مبارك يحلم بالعمل كسفير لمصر فى لندن بعد خروجه من الخدمة - و الذى تضعه المصادفة فى مكان حساس لخدمة الوطن .
من المدهش ايضا ان حوار الفيلم أعتمد على بعض الصفات الشخصية والقرارات السياسية التى اتخذها الرئيس البطل فى مشواره الرئاسى الذى يدور فى دائرة لا نهائية مثل المشهد الذى كان "حذلئو" يتحدث فى التليفون قائلا : الفلوس معايا و البضاعة كمان معايا
وكلنا يعلم ان كل الفلوس مع سيادة الرئيس وأنه قابض على البضاعة تماما كأمن الدولة على كل المعارضين .
هذا بغض النظر عن "السيناريو المهروس " من قبل بدءً من "سى عمر" حتى "كتكوت" - تماماً كسيناريو العملاء الأمريكان منذ شاه إيران وحتى صدام حسين -
ولكن الفيلم - و كعادة كل الافلام المصرية - يقع فى خطا الإستسهال و يدع البطل "حذلئوم " ينجح فى مهمته فى نهاية الفيلم - على عكس الواقع - فى مجاملة مفضوحة للرئيس البطل الذى فشل تماما فى مهمته وأغرق البلاد - ربما لأنه فى الاصل طيار لايجيد قيادة السفن - .
ولكن يبقى لزاما علينا فى النهاية كلمة شكر لكل صناع العمل أحمد مكى و أحمد الجندى وشريف نجيب ، بل ونزيد عليها مطالبتنا بتكريمهم فى أعياد النصر فى أكتوبر المقبل ومنح كل منهم وسام نجمة سيناء .
ملحوظة : فى انتظار الكبير قوى ربما يكون سيناريو عن البطل الابن .

08‏/08‏/2010

علاء القمحاوي


تماما كالأرض البرية ، غنية ، بريئة ، مليئة بالخير
مخيفة أحيانا ، هوجاء اذ تستجيب لكل عناصر الطبيعة ، على سجيتها ، لا تضع الحسابات البشرية ضمن حساباتها
هذا هو علاء القمحاوى
ذلك الفتى القصير صاحب ال23 ربيعاً ، الذى تحبه بمجرد رؤيته ، ثم تكرهه أحيانا من فرط اندفاعه
قليلون يدركون ذلك الخير الوافر بداخله ، الأقل يدرك أنه جوهرة علاها الصدأ و التراب
ينبذ كل غريب فيكرهه كل مصطنع
يبرز السؤال الحائر فى عينيه دوما ، ليثبت لك أنه مازال على الفطرة
يقابل الدنيا بصدره فتقابله الدنيا أحيانا بظهرها ، لا ييأس ولا يحزن فقط يقاتل كمحارب من العصور الوسطى ضل طريقه ولكنه يدرك فى النهاية سمو مهمته .
صديق لم تهب الدنيا مثله إلا قليلا ، أخ تبخل الدنيا أمامه ، عاشق على حرف
علاء القمحاوى رجلا أنجبته الدنيا لتثبت أنها ما زالت قادرة على فعل الخير
علاء وان اكتسب من اسمه بعض " العلوقية " يبقى أخى الذى لم تنجبه أمى .

07‏/08‏/2010

نظرة


نظرة تلد داخل النفس إشتياق....رغبة يعقبها تدفق للعاب، ليعطي مذاقاً غريباً داخل الفم، فتمتد يد الطفل لا إرادياً فلا تصل إلى شىء .
فتبلل خديه الدموع الغزيرة ، فيصبح المذاق مالحاً بطعم الدموع.
وتعود اليدان الى مكانهما في استسلام مرير، والحزن يجتاح النفس كقبضة يد تعصر قلباً حياً.
والطفل الاخر يعبر الطريق ممسكاً بقطعة شيكولاته في ورقها الزاهى يلتهمها في ضجر.