19‏/06‏/2012

الصوت "عورة"


تأملت في صمت سقف غرفتها الأبيض، وسرحت في أفكارها، دون أن تتحرك، حاولت إستدعاء النوم عدة مرات ولكنها فشلت، نامت على جانبها الأيمن إستعطافاً لغفوة قصيرة أبت أن تأتي، درات على جانبها الأيسر دون جدوى، تعرف أن الخوف والنوم عدوين لا يجتمعان، وهي خائفة، تنتظر الغد والرعب يملأها .
تستلم عملها غداً في مرسة للصم والبكم، أنهت دراستها في الخارج وعادت إلى مصر من أجل أن تعمل فيها كما وعدت والدها على فراش مرضه، تعلمت مبادي ءلغة الصم والبكم بعد أن أنهت دراستها كمحلل نفسية في الولايات المتحدة، لكنها فضلت العودة للعمل معهم، تنفيذاً لوصية غال جاءها يوماً في المنام، تساعدهم في تجاوز أزمة إعاقتهم.
تعلم أنها خجولة ويخجلها للغاية أن تكون قادرة على الحديث بين العشرات الذين لم يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم، ظلت لمدة يومين مضيا ترفض إستعمال الهاتف خجلاً، ابتسمت عندما تذكرت ذلك الشيخ الغاضب الذي صرخ في التلفاز منذ أيام "صوت المرأة عورة"، ثم غابت الإبتسامة هي فعلاً تشعر أن صوتها سيكون عورة وسط هؤلاء المحرومين من الصوت.
*****
في الصباح وداخل الغرفة المعدة لتواجدها مع أول مجموعة، والتي تكونت من 12 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر، وقفت "نور" مذهولة عاجزة عن التعبير، هم يتقافزون ويكلمون بعضهم البعض بلغة الإشارة وهمس العيون، يبتسمون ويمارسون شقاوتهم الطفولية بمرح زائد، يشيرون إلى بعضهم البعض بسرعة تعجز عن تتبعها، وهي عاجزة عن فهمهم بشكل كامل....أدركت "نور" للمرة الأولى أن صوتها عاجز وأنها بينهم ذات إحتياج خاص.