27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : شريهان .... زهرة اللوتس المصرية





 تجبرك على الالتفات لها في أي مكان، تجبر ثغرك على أن يبتسم وأنت تشير إلى صاحبك قائلاً "حلوة قوي ، تشبه شريهان كتير"، قبل أن يؤمن هو على رأيك وتشبيهك متسائلاً "وفين شريهان بس دلوقتي".
تلك الطفلة الساحرة التي ظهرت على الشاشة الفضية بصحبة نور الشريف وفريد شوقي في فيلم "قطة على نار"، قبل أن تتفجر موهبتها على خشبة المسرح أمام العملاق فؤاد المهندس في "سك على بناتك"، والتي أعادت مع نيللي احياء فن الاستعراض في الثقافة العربية دون اسفاف أو ابتذال.
تلك الشابة الجميلة التي تنطق ملامحها بمصريتها من النظرة الأولى، بشعر اسود "غطيس" يشبه سواد تربة الدلتا الخصبة، وعينيان سارحة حالمة، تشبه عيون موسى، فيهما شفاء للناس، يقعان جغرافيا أسفل جبهة ناصعة، تشبه أرض سيناء الفيروزية المقدسة.
وأنف نبت في خجل، صغير يبحث عن السماء، وفم لا يسكنه الا الابتسام، قبل أن تقع صاحبته فتاة أحلام شباب الثمانينيات في أزمتها الصحية العارمة، والتي أجبرتها على الانسحاب من الحياة، ومواصلة مشوارها بمعركة ضارية مع مرض خبيث، اجتث من جسدها ما اجتث، ولكن الروح ظلت مضيئة مثابرة، تماما كمصر التي جثم على صدرها مرض خبيث طيلة 30 عاماً، ولم تخمد روحها يوما أو تستكين.
وعادت شريهان، عادت لتظهر تلك المرة على أرض التحرير، ذلك المكان الذي صار مقدساً، في خضم الاحداث، دون أن تنتظر كما انتظر الكثيرون لمن تحسم النتيجة".
شريهان التي رفضت عروضاً بالملايين لتظهر على شاشات الفضائيات، ظهرت على استحياء في ميدان التحرير في خضم الثورة لتذرف دموعاً سخينة ، لعدم قدرتها على التبرع بالدم لمصابي موقعة الجمل، لتبكي صاحبة الدم الطاهر تلوث دمها نتيجة العلاج، ويبقى اصحاب الدم الملوث يسخرون منها ومن أهل "يوتوبيا" في ميدان التحرير.
وكمن تعود مصاحبة الصبر، حتى تلون به واكتسب لونه، رفضت شريهان التراجع عن قرارها بعدم المتاجرة بمحنتها، ورفضت الكلام، حتى عندما تحرش بها بعض الجهلاء عند مداخل التحرير في "جمعة الغضب الثانية" وتعرضها لخلع في الكتف، استعادت زهرة اللوتس ابتسامتها القديمة متحاملة على الألم ونفت ما حدث لها، حتى ترحم الميدان وأهله مما قد يلصق به.
زهرة اللوتس المصرية شريهان، الطفلة الشقية، وفتاة الأحلام فيما بعد، صارت رمزاً للنور، في زمن صارت الاضواء فيه مترادفا للشجاعة والوطنية دون أي "بهارات".

ليست هناك تعليقات: