27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : داليدا..... التي قهرت صراع الحضارات




داليدا" في الإسكندرية.

"داليدا" في باريس: "...وذكريات كلّ اللي فات، فاكرة يا بلدي. قلبي مليان بحكايات، فاكرة يا بلدي، أول حبّ كان في بلدي، مش ممكن أنساه يا بلدي، فين أيام زمان قبل الوداع..."

"داليدا" متعبة. ستقتل عشاقها بحبوبٍ منوّمة، وأنا سأسترجع حبي الأول في صورة.

صورةٌ، بالأبيض والأسود. أضمها إلى صدري. أخفيها، في كلّ مكان.

تدخل الكوبرا ذيل الحصان؛

و ليس ذيل الحصان،

إلا شعر "داليدا".

الصورةُ، في جيب معطفٍ، شتوي.

أُخرِجها. أقبّلها. ألملم أنفاسي. أعيدها، وأماطلُ ارتباكي، إذ هو يخفي صورةً.

لا بدّ أنّه قبّلها، لحظة، امتدت يدي إلى باب الخزانة.

لم أكن أنا، التي أخفاها.

ولم تكن قبلته لي.


أمورٌ عديدةٌ، تحتّمها اللّحظةُ: مهمّاتٌ صغيرةٌ. معجزاتٌ أصغر، وعليّ أن أكون أمّاً.

صراعاً، عاودني الحب. لن يكون حبيس جيبٍ، في خزانة...

أنظّم فوضاي جيداً. هذا كلُّ ما أتقنهُ، لأكون جديرةً، بحبّ "ميتان".

لم تكن "داليدا" أمّاً.

تلك التي أغرِمتُ بها، فخطفت قلب "فرانسوا ميتيران"، ورهطٌ كبير أُغرِم بها، من الرجال والنساء.

سيصبح "فرانسوا" رئيساً، و"داليد" معبودة الرجال.

"داليدا" ترتجف. تكسّرت عظامها الرقيقة. أكلَ البردُ قلبها. استسلمت للنوم.

سأُغرم بأحدهم ريثما تفيق.

لن تفيق "داليدا" وليس الحب، إلا سقطةٌ ثالثة.

عليُّ انتظار قطارٍ، فاتني اللحاقُ به، في محطّةٍ استعصى اسمها عليّ.

"سامحوني، لم تعد الحياةُ تُطاق"*.

.

الحساءُ باردٌ، وجمرةٌ في فم صديقي. سيشربه ليُطفئ النّارَ في شعر "داليدا".

العازفُ، بعينين مغمضتين على نارٍ هادئة جدّاً؛ يحرّك الصهيل:

موجٌ، والبحرُ أسودٌ، أسود.

هامش:

*"سامحوني، لم تعد الحياةُ تُطاق": جملة كتبتها "داليدا" قبل أن تنطفئ.

لست أدري إن كانت كتبتها، بالعربية أم الإيطالية أم الفرنسية.

.كل ما سبق هو قصيدة شعر كتبتها آخين وَلات وهي شاعرة كردستانية سورية ، بعد إنتحار داليدا، تحت عنوان "شعر داليدا على حافة السرير"، لتعبر خلال أبياتها عن تلك المرأة الغامضة، تلك الإيطالية التي ولدت في حارات شبرا الضيقة، لتكتسب تلك الروح الرومانية التي تشبه "جونو"، أو من نعرفها نحن بإسم "هيرا"، ملكة الالهة، تلك الظل الآخر لكل النساء، بعد إختلاطها بـ"بهية" عبقاً متوسطياً، لتتحول الفنانة إلى سوق أورومتوسطية فنية خاصة، يسمعها المصريون وهي تغني "حلوة يابلدي" فيذوبون عشقاً في الوطن، يسمعها الفرنسيون وهي تغني بلغتهم أغانيها العاطفية فترتجف قلوبهم، أما الإيطاليون فيفخرون بإبنتهم المصرية، لتنتهي في إمرأة واحدة أسطورة صراع الحضارات.
حالة خاصة جدا كانت داليدا، تلك الفتاة التي فازت في مسابقة لملكات الجمال على أحد الشواطيء، ليلتقطها الفنان الراحل نيازي مصطفى، ليقدمها في فيلم سيجارة وكاس، قبل أن تهاجر إلى فرنسا، لتتحول خلال سنوات، إلى مطربة ذات ثقل، أعادها يوسف شاهين إلى مصر لتقدم فيلم اليوم السادس.
انتحرت داليدا لأنها لم تحتمل العالم، كانت روحها الرقيقة المرهفة أضعف من أن تكون إنساناً، كان يكفيها أن تكون كماناً يعزف عليه عازف ماهر أرق الالحان، أو قيثارة تنبض بالنغم، فمثل تلك الروح لا تحتمل ما يعانيه بني البشر.
يتخيل البعض أن فيلم شاهين هو ما قتلها، خاصة بعدما قدمها كصعيدية قحة بلا مكياج تهرب من الطاعون، وكرهت هي ما رأت في النهاية، صدمها غدر الزمان، وأسلحته القاهرة من تجاعيد وملامح عجوزة، صدمها كذلك ذلك الأداء الباهت الذي لا ينتمي لمصر، الوطن الذي عشقته وإن مل تعش فيه، عاش بداخلها كما اعتادت دائماً أن تحبس الاشياء في داخلها.
ذابت داليدا وعشقت العديد من الرجال، لكن قلبها المرهق أبى أن يستقر، لم يجد ذلك المرفأ الذي ترتاح فيه القلوب، فقرر أن يغادر الدنيا.
داليدا أول جيتار  بأوتار عود رحلت لتتركنا ونحن نغني "سالمة يا سلامة".

ليست هناك تعليقات: