31‏/03‏/2013

أرشيفي السينمائي : الخواجة بيجو..... الاستسلام للـ"تكشيرة"

"يا اخواتي... يا النافوخ بتاع الأنا"
يدرك البعض عند أول مفترق يقابلهم في "مشوار" حياتهم، أنه أمام إختيارين، إما أن يسعد الناس، ويبقى أسيراً للحزن، وإما أن يترك الناس تسعده، مستطعماً أحزانهم، وأن الطريق ليس فيه سلم صاعد، وأن النجومية بعيدة كما السماء.
الكثيرون يفضلون الدوران للخلف، والبحث عن طرق أخرى، أقل عناءً، القليلون فقط يكملون، متزودون خلال الطربق بزاد من ضحكات الناس وسعادتهم، التي يرسمونها على مهل كفيضان جارف من "خفة الدم"، وبطلنا اليوم والتي تحل ذكرى وفاته السادسة والعشرين ، أحد أهم هؤلاء المضحكين، الذين صنعوا تاريخاً للسعادة في السينما والمسرح المصريين.
الخواجة بيجو، ذلك الضلع الاخر للثنائي المدهش، بيجو وأبو لمعة، واللذين قدما خلال فرقة "ساعة لقلبك" عشرات الاسكتشات الممتعة، التي تعتمد على المبالغة و"الفشر" اللا نهائي لأبو لمعة ( محمد أحمد المصري) ورد فعل الخواجة بيجو المندهش دائماً والصارخ أبداً.
المدهش والعجيب في مسيرة فؤاد راتب، الشهير بالخواجة بيجو، أنه توقف في منتصف الطريق، بعد أن بلغ من العمر 40 عاماً، ليسأل نفسه ماذا بعد، نظر خلفه فرأي آلاف الضاحكين، ومشوار فني تجاوز الخمسة عشر عاماً تحفه ابتسامات وضحكات المشاهدين، ونظر امامه ليجد مستقبلاً غامضاً مخيفاً، رأي إسماعيل ياسين كبير عائلة الكوميديا، يعاني الفقر والديون، عبدالفتاح القصري معلم "الإفيه" يموت معدماً، وغيرهم وغيرهم من محترفي الضحك، الذين يتسرب المال والجاه من بين يديهم وتبقى الحاجة تعتصرهم حتى الموت.
قرر الخواجة أن يرتدي ثوبه الأصلي، كمعلم تلقى تعليمه في كلية المعلمين، ويغادر بحر الفن الهائج الغدار، ويسافر إلى الكويت للعمل كمدرس، منهياً حياة الخواجة بيجو بيده لا بيد الفقر، يشد قبعته ليقذف بها على الأرض قائلاً "يا اخواتي، يا النافوخ بتاع الأنا"، يدفنه على خشبة المسرح، ويمضي، ليحيا بعدها لمدة 20 عاماً كـ"فؤاد راتب" المدرس الذي تحتل وجهه تكشيرة عندما يأخد "ساعة... لقلبه".

أرشيفي السينمائي : عبدالحليم حافظ ..... تامر حسني القرن الـ20

مقال كتبته منذ عام :)

"التاريخ يعيد نفسه"، عبارة شديدة الملل، نرددها كثيراً في حياتنا، ونرددها أكثر في الآونة الأخيرة بعد ثورة يناير، ولأن التاريخ كائن غير مبدع على الإطلاق، لا يمل تكرار نفسه سياسياً، ولا عسكرياً، فإنه يكرر نفسه هذه المرة فنياً، ولكن مع وضع بعض الرتوش اللازمة لإختلاف العصر.
سيعتبر الكثيرون هذا المقال إبتذالاً من الكاتب وتقليل لقيمة حليم، وأغلبهم سيكون من عشاق عمرو دياب، أو مدمني عبدالحليم حافظ، وسيعتبر البعض  -غير القليل بالمناسبة - كاتب المقال عبقرياً وهم عشاق تامر حسني.
ولكن سينسى الجميع أن التاريخ هو من يكتب وليس أنا، مر عبدالحليم حتفظ بظروف شديدة الصعوبة في بداياته منذ طفولته وحتى صعوده لسلم النجاح، وعانى إجتماعياً ومادياً، ذاق الفقر ومرارته، وعرف معناه، وهو ما مر به تماماً تامر حسني - سيلوي أحد القراء شفته السفلى الآن ليقول :الكثيرون مروا بنفس الظروف -، ليخرج له التاريخ لسانه هذه المرة ويعيد تكرار إعتبار تامر حسني ظاهرة شبابية عابرة، كما تم إعتبار حليم، بل وهاجمه القدامى وأعتبروه صاحب نصف موهبة، ومجرد فقاعة ستذهب سريعاً، وهو ما حدث مع تامر تماماً.
استقبلوه بفتور، وقذفوه بالطماطم، وكذلك تم إستقبال تامر بفتور، وهوجم ويهاجم حتى الأن، وشكك الكثيرون في موهبتيهما معاً، ثم قلد الكثيرون طريقته في الأداء وقصة شعره، وطريقة لبسه.
قفزت السينما بحليم إلى مصاف نجوم الصف الأول، وصار أنجح المطربين تمثيلا، وهو ما فعله تامر حسني بعده بنصف قرن، ليعيد تقديم نفسه لجمهوره كأنجح مطربي عصره سينمائياً.
يدور بين حليم ومحمد عبدالوهاب صراع ينتهي بأن يحتضن عبدالوهاب بذكائه عبدالحليم، ويعيد تقديمه بألحانه، وصراع آخر بين حليم وأم كلثوم، وآخر مع فريد الأطرش، في دائرة لم تنتهي من صراعات العندليب، ونرى ذلك الصراع الفريد بين تامر وعمرو دياب، والذي لا تنقطع أخباره وجولاته - إن كنت أشك أن يحتضن دياب، تامر حسني يوما -، وصراع آخر مع عمرو مصطفى، وأيمن بهجت قمر.
على الصعيد العاطفي، مر حليم بالعديد من التجارب، وعشرات الإشاعات، وهو ما يمر به تامر حسني تماماً، ويظل أعزباً حتى النهاية، فهل سيبقى حسني؟
إمرأة واحدة في حياة كلاً منهما ساهمت في صنع شخصيته ونجاحه... علية أخت حليم، ووالدة تامر حسني.
كلاهما طور شكل الموسيقى حسب عصره، حليم جعل الإحساس عنصراً اساسياً في الأغنية، وتامر اضاف "الإفيه" اللفظي لكلمات الأغاني لتتشابه مع الكلام الذي نتداوله يومياً، بعدما كانت الأغنية منفصلة تتحدث عن الشهاب ولهاليبوا وسلاني بعدما هجوته.
كلاهما يبلغ الذكاء نصف موهبته، ولكن يبقى لتامر أن يستعين بعدد من الموهوبين أكثر، خارج دائرته المحدودة، كما فعل حليم بعد تعامله مع الموجي والطويل لفترة كبيرة، وكذلك عليه أن يتوقف عن التأليف والتلحين لفترة.
ولكن ما فشل التاريخ في إعادته بالفعل، هو أن كلاً من المطربين، عاصر ثورة، حليم صار ابن ثورة 52، وصار صوته الصارخ، بينما لم ينضم تامر لثورة يناير، وفشل في أن يعود إليها.
أعزائي القراء قد يعجبكم المقال، وقد تكرهون كاتبه، لكنها الحقيقة، كلاهما فنان مختلف، له عشاق ومريدين، وكارهين، وكلاهما ترك وسيترك بصمة تاريخية لن يمحوها تجاهلها.

29‏/03‏/2013

أرشيفي السينمائي : عن أحمد زكي في ذكراه: تعيش وحدك.. وَتَمُوتُ وَحْدَكَ.. وتبقى معنا

مقدمة لا داعي لقراءتها :

تقول الأسطورة : لو عاش أحمد زكي لوقف ضد الثورة، وخسر شعبيته وجماهيريته
ويقول الواقع : أن من وقفوا ضد الثورة لم يخسروا شعبيتهم، فقط تعرضوا للعزل بعض الوقت ثم عادوا مرة أخرى.
ويقول المنطق : عليك أن تحاسب الفنان على فنه، لا توجهه السياسي ولا سلوكه الشخصي.
وأقول أنا : كل ما سبق سببه نية زكي تقديم فيلم عن مبارك تحت عنوان "الضربة الجوية"، بعد تقديمه "ناصر 56"، و"أيام السادات"...ملحوظة مبارك لم يحب ناصر ولا السادات.

المحطة الأولى ..تَمْشِي وَحْدَكَ ، وَتَمُوتُ وَحْدَكَ :

طفل فقد أباه قبل أن يعرفه، تزوجت والدته فرباه جده، لا بيت دائم ينسج فيه الطفل الأسمر شخصيته على "نول" أب وأم، فقط ضيف مستمر على مكان لا يرتاح فيه الضيوف، البيت هو المكان الأكثر راحة في الوجود، وهو ما يضطر زكي للبحث عن عالم آخر لا وحدة فيه، عالم يتوحد هو به، ومع نمو وعي الطفل الوحيد، الذي لم يكون أصدقاء في الحي ولا المدرسة، كان العالم الخيالي، التقمص هو الحل، انتحال عشرات الشخصيات، بدأ بالتقليد وانتهى بالتقمص الكامل.
وبقبوله في معهد الفنون المسرحية لدراسة التمثيل والإخراج، كانت الوحدة قد ترسخت لتكون بيتاً، وصار التقمص رسالة يؤديها المغترب دائماً بحثاً عن وطن.
*******
المحطة الثانية ... من الفشل الأول.. تتشكل ملامح النجاح:
الممثل النحيل الأسمر الصامت يخطو بقوة على المسرح، الذي يوفر له حالة يومية من التقمص، لكن السينما ذلك العالم الفضي المقدس مازال صعب المنال، أدواراً متناثرة في أفلاما رخيصة عن حرب أكتوبر، أو استنساخ لنجاح مسرحي، ولكن المخرج على بدرخان يهبه الفرصة الأولى، بطلاً لـ فيلم "الكرنك"، رواية نجيب محفوظ، التي تقوم ببطولتها سعاد حسني عام 1975.
ربما ابتسم أحمد زكي وشعر بالسعادة كما لم يشعر من قبل، ربما تخلى للمرة الأولى عن كآبة أحمد الشاعر في مسرحية "مدرسة المشاغبون"، وبعد ثلاثة ايام من بدء التصوير يرفض جمال الليثي المنتج أن يستكمل دوره بحجة أنه لا يصلح لتقديم دور الحبيب أمام سعاد.
تخلى "إسماعيل الشيخ" عن أحمد زكي، تركه وحيداً بعد عشرة ثلاثة أيام لا غير، بيت لم يكد يسعه حتى لفظه، ولفظه معه العديد من الأدوار التي تراجع منتجوها خوفاً وجبناً.
********
المحطة الثالثة ...من الساعة دي ليالي النوح مولية:
مَن يقدم عبقرياً وحيد مثل طه حسين سوى أحمد زكي، قدم يحيى العلمي بيتاً جديداً للنجم الأسمر، بيتاً يدخل به كل بيت في مصر، حين كان التليفزيون الرسمي وحيداً هو الأخر، بقناتين ومسلسل واحد في الثامنة مساء كل يوم.
ومع السيرة الذاتية لعميد الأدب العربي يبدأ أحمد زكي في وضع لبنات مدرسته الخاصة المتفردة في فن الأداء التمثيلي والتشخيص، لم يكن ساعتها النجاح عسيراً بل كان طبيعياً، لم تعد الثقة لأنها لم تذهب، فقط وضع قدماً حقيقية على طريق ينتظره.
هذا الفنان الموهوب الذي قلد محمود المليجي - أعظم ممثل مصري في رأيي - على خشبة المسرح في بداياته في مسرحية "هاللو شلبي"، يستعد ليكون الأعظم.
ينطلق زكي ليقدم بعدها "الباطنية"، "أنا لا أكذب ولكني أتجمل"، "طائر على الطريق"، "الليلة الموعودة"، "الراقصة والطبال".
المدرسة تستعد لناظرها الأول بعد انتهاء التجهيزات.
********
المحطة الرابعة...ربما يكون الطريق مجهولا..لكن الدليل معروف:
يقول تشي جيفارا : انني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني، وهكذا كان عاطف الطيب الذي أينما وجد الظلم كانت أفلامه، مخرج مصري حلم صغيراً أن يكون ممثلاً، قبل أن يكتشف أن السر في الصنعة يعود للمخرج، فقرر أن يصبح مخرجاً وعندما التقى بأحمد زكي أظنه هتف :وجدتها.
ربما تشكلت الرؤية الثورية عن أحمد زكي من أفلام الطيب "البريء"،"الحب فوق هضبة الهرم"، "ضد الحكومة"، وهو خطأ دارج يقع فيه متابعو السينما نتيجة سيطرة النجم حاليا على العمل الذي ينسب عالميا للمخرج.
الناظر عاطف الطيب هو من أضفى روحه على مدرسة أحمد زكي التمثيلية، المنهج الإنساني العاطفي الثوري لعاطف وجد أرضاً خصبة في موهبة زكي، وسيطر عليها ووجها.
ربما لم ينسى النجم الأسمر حتى موته، مشهد دخوله المستشفى في فيلم "ضد الحكومة" الذي أعاد الطيب تصويره للمرة الثانية ثم صرخ بصوته المجهد cut، أطبع، فأسرع إليه طالباً إعادة المشهد للمرة الثالثة، وبعد اعادته، سأله عاطف : مبسوط بالتالت يا أحمد، فهز رأسه موافقاً، فأشار الطيب لمساعديه اطبع 2 وأرمي الباقي.
المدرسة صاحبة الإمكانيات انتقلت بعدها لنظار مثل محمد خان ، وداود عبدالسيد وشريف عرفة - حين كان شريف عرفة -، وظلت ذات تربة خصبة للتشكيل والغبداع الذي لا يتوقف.
*******
المحطة الخامسة .... أكل العيش مُر:
الناقد والمهتم بالسينما يستطيع الجلوس في سريره أمام شاشة التليفزيون أو اللاب توب حالياً، أو الخروج في نزهة للذهاب إلى السينما وغبداء رأيه بمنتهى الأمانة في ضعف المستوى الفني لفيلم ما، لكن أحمد زكي لم يكن مهتماً لهذه الاراء، كان يعرف جيداً أنه لا يجيد أي شيء في الدنيا سوى التمثيل، حتى الحب والزواج فشل فيهما، حتى ذلك الحلم البسيط لدى أي رجل بتكوين منزل وأسرة، فشل الوحيد دائماً في تحقيقه، وحده التقمص يحقق النجاح، ربما يقولون أحب سعاد حسني وأختلفا، لكنهم لا يعلمون أن كلاهما تقمص الحب في حضرة استاذها سويا صلاح جاهين، وعندما انتهى التقمص ذهب كلاً منهما في طريقه، تقمص بعدها دور الزوج، لكنه لم ينجح، فغادره مسرعاً.
اضطررته لقمة العيش أن يقدم أفلاما دون المستوى، حرص بذكاء فطري على أن يكون أغلبها كوميدياً، أو تمتزج فيه الحركة بالكوميديا، حتى فيما كان دون المستوى كانت الاختيارات محددة.
لم ينكر هذا ابداً ، بل كان فخوراً به، يقدم هذا ليستطيع تقديم ما يحب، لم يقلل هذا من مكانته، بل زادت قاعدته الجماهيرية ووصلت لمستويات أخرى من الجمهور، شاهد افلامه بمستويات أخرى من التلقي.
ومن كان منا بلا خطيئة فليرمه بحجر، الفنان يخطئ ويصيب، ولكن لا خلاف على أكل العيش، حتى لو صدقناه يوماً حين قال في مرافعته في فيلم "ضد الحكومة" : كلنا فاسدون.
********
المحطة الأخيرة ...لو لم يتبق من ممثل إلا مشهد لكفاه:

نختلف كثيراً حول قيمة هذا الفنان أو ذاك، نحاول توحيد القياسات لكننا نفشل أمام الإبداع، لم يخترعوا بعد وحدة لقياسه، يبقى فقط وحدة القياس الجماهيري التي تشير في حالة أحمد زكي إلى أنه فناناً مختلفاً، جيل وحده، ومدرسة فنية متفردة، لم تتكرر على الرغم من العديد من المواهب الاسفنجية الحالمة بشكل النجم الأسمر، ربما تنكره القلة، لكن أمام فيلم كـ"الهروب" لن يستطيع أحداً أن يخفي تعاطفه مع "منتصر"، وأمام "البريء" مع أحمد سبع الليل، أيضاً "عبد السميع" في "البيه البواب"، وغيرها وغيرها.
في النهاية لم يكن ساكن الفنادق الأول في مصر، الوحيد دائماً، صاحب الجلسة الشاردة على مقهى "الجريون" في شارع قصر النيل ينتظر لحظة تقييمه، أو يفكر فيها، فقط كان الباحث عن دار تأويه، يرغب حتى لحظته الأخيرة في التقمص من أجل القضاء على الوحدة.
وربما لا يدرك الموت حتى الآن أن أحمد زكي ربما كان متقمصاً حالته، لأنه مازال معنا، وسيبقى.
عزيزي أحمد زكي : وحدتك انتهت لتبدأ وحدتنا.

أرشيفي السينمائي : الشتا اللي فات....مات

يقول سيد فيلد: الشيء المهم في كتابة السيناريو هو أنه عندما تكتبه، تحدد لنفسك هدفاً، مهمة تنجزها، هذا كل ما في الأمر، وأن السيناريو بدون بناء لا يملك خطاً درامياً، إنه تائه يبحث عن نفسه، بليد وممل، وبالنتيجة لا ينفع لأنه لا يملك اتجاهاً أو خطاً متصاعداً، وأصل كلمة بناء (أن تجمع أجزاء مع بعضها البعض)، البناء هو العلاقة بين الأجزاء والكل.

وهو ما نجح صناع فيلم “الشتا اللي فات” في اثبات عدم صحته تماماً، حيث كتبوا سيناريو لا هدف، وبلا بناء، تائه وممل وبليد، ولكنهم صنعوا فيلماً ولم يتوقفوا عند تلك الملاحظات.

فيلم “الشتا اللي فات” الذي اصابته ضمن ما أصابت لعنة افلام الثورة، حاول صناعه تقديم ثورة يناير من جانب إنساني، وليس سياسي، فاستعرض قصص : عمرو الذي اعتقل عام 2009 في أمن الدولة وأصابه الخوف من الأمن وذكريات تعذيبه فلم يشارك في بدايات أحداث ثورة يناير، وفرح المذيعة التي ساهمت في تضليل الجمهور ثم أفاقت وانضمت لصفوف الثوار، وضابط أمن الدولة الذي يمارس التعذيب ويحاول قهر الثورة، وعندما يفشل لا يصيبه مكروه بل يعود لزوجته.

لكن المدهش أن تتناول جانبا إنسانيا لعمل سياسي ومشحون بالأحداث مثل الثورة، عبر شخصيات مسطحة تماماً، حيث حرص السيناريو على عدم اعطاء أي عمق للشخصيات، خاصة بطلي الفيلم عمرو وفرح…بلا أي تاريخ، بلا دليل إنساني واحد، أو حتى مشهد، فقط إنسان خائف ومذيعة فاسدة.

ويواصل السيناريو “توهانه” عبر مجموعة من الأحداث الجانبية التي لا تؤصل لشيء ما، ولا تؤدي لهدف، فلم نصل إلى شيء، وبقى سؤال “يعني هو كان عايز يقول إيه؟” داخل المشاهد دون إجابة.

ثم ارتكب ابراهيم البطوط خطيئة أخرى حين قرر في نهاية الفيلم أن يستخرج صكاً لبرائته من صناعة فيلم عن الثورة قبل أن تنتهي أو يستطيع أحد استيعابها كحدث تاريخي للكتابة عنها أو تقديمها في فيلم، فقدم بعض المشاهد العجيبة في النهاية التي تشبه تحية الجمهور في نهاية كل مسرحية، ثم اضاف بيانات رقمية لشهداء ومصابي الثورة ومعتقليها…ويا قلبي لا تحزن.

على المستوى الإخراجي لم يقدم صاحب أفلام “عين شمس” و”حاوي” أداء مختلفاً بل بدا أقل بكثير من افلامه السابقة، وربما كان هذا التأثير المباشر لضعف السيناريو الذي شارك في كتابته مع أحمد عامر، ياسر نعيم، وحابي محمد، فقط أضفى مدير التصوير فيكتور كريدي على الفيلم بمجهود واضح صورة رائعة، رغم محاولة البطوط افسادها عبر شاشة حرص على أن تكون مظلمة، وهو ما نجح في انقاذه متخصصو التلوين.

أما عن التمثيل فلم يقدم عمرو واكد ولا فرح يوسف جديداً على المستوى المهني، وأصاب صلاح الحنفي الجمهور بالضجر من النمطية الشديدة في أداء ضابط الشرطة – الشخصية الوحيدة شبه المرسومة بعمق في الفيلم – .

فيلم “الشتا اللي فات” فيلم غير ممتع، ينضم إلى قائمة لن تنتهي قريباً من أفلام الثورة، صنعه من شاركوا فيها يوماً بيوم، ولكنهم هذه المرة أساءوا إلى السينما لا الثورة عبر فيلم بدا وكأنه نتاج لنظرية التطور “البانج بانج” السينمائي وتطور الفيلم ولكن في مرحلة “أرديبيتيكوس”.

27‏/03‏/2013

هلاوس على مشارف الأربعين

يعني إيه كلمة عدو...يعني كاره ولا إيه
ولا واحد شكله قافش وابن إيـــــــــــه
ولا متربص وحالف يكرهك
أكتر ما يكره العمي ييجي ف عينيــــه
وعجبي

عندما تكتشف وأنت تخطو خطواتك الأخيرة نحو سن الأربعين، أنك لم تصنع عدواً في حياتك...عفواً أنت لم تعرف أصلا ً المعنى الحقيقي لكلمة "عدو"، تبتسم..تبدو سعيداً...تعتبرها منحة إلهية، لكنك تعجز عن كبت القلق بداخلك من انعدام خبراتك الحياتية تجاه عدو مستقبلي قد يقابلك.
أنت المخطيء لأنك لم تصنع أعداء منذ بداياتك....هكذا تعملنا الدنيا.
******
ياللي خجلان من شهوتك اتنيل و اتلهي
مخلقهاش فيك ربك عشان منها تستحي
الإنسان في أكمل تقويم
تيجي أنت ياعدمان الحس من روحك تشتكي
وعجبي
حتى الأديان حذرت من الاتباع الكلي للشهوات لكنها لم تحرضنا على الخجل منها، حرروا شهواتكم، كونوا آدميين لا مكبوتين، كفوا عن ارتداء الأقنعة.
*******
الندم كائن خيالي عايش على مص الروح
يهاجمك في ثواني تتولد حواليه جــــروح
تبقى عاجز..بس جايز لو قدرت تمنعه
تمنع الروح من إنها للموت تـــــــــروح
وعجبي
بعد ثلاثة عقود، وعشرات العلاقات الشخصية ما بين صداقة وحب وعمل وقرابة أيضاً، وبعد عشرات القرارات المصيرية والهامشية، تكتشف أن الندم شعور طفولي، فشل في سكنى الأطفال، ولاذ بالكبار ليسكنهم.
من يندم طفل لا يعرف أنه لا شيء يستحق، أو لا شيء أصلا طالما ما زال حياً.
********
وعرفت إيه معنى السعادة
لما قلبي يتنطط زيـــــادة
لما نظرة في عيونك
تبقى ميت مليون عبـــادة
وعجبي
الحق أقول لكم...تلك الكائنات الأسطورية - الحب والسعادة - لها نفس تأثير حواديت الأطفال، لحظية ممتعة، تنتهي بالنوم...أو بموتها هي، لها عمر ذكور النحل، وطعم عسله.
*********
من حقك تحلم لكن انسى التفسيـــــــر
مش جايز تحلم مرة في يوم زي الطير
أو مرة تموت و العمر يفوت
ومانتش عارف إنك في الحلم أسيـــر
وعجبي
الحلم إدمان، من تعاطاه منذ الصغر فشل في الإقلاع عنه، يعتبره البعض دافع، ويعتبره البعض الأخر شافع لمواصلة الحياة القبيحة، المهم أن لا تتمنى تحقيق كل أحلامك، أو تبحث حتى عن تفاسيرها، بعض الأحلام في الواقع كوابيس.
*********
عايز تنجح وتقول ايه يسوى تحقيق الذات
دي أصنامك أنت زي منـــــــــاة واللات
ودواير انت بتعبدها وتسكنها
قضبان سجنك وانت اخترتهــــــا بالذات
وعجبي
النجاح على كل مستوياته الشخصية، وتحقيق الذات، قضبان حديدة تصنعها لقطار حياتك، صك رقك الذي تقتنيه سعيداً، سرابك الأبدي الذي لن تصل إليه وستواصل البحث عنه طيلة عمرك على الرغم من إنك قادر على تحقيقه في إبتسامة طفل، أو رضا شيخ كبير.

11‏/03‏/2013

أرشيفي السينمائي : "فبراير الإسود".....خيبة أمل جديدة للسينما المصرية

لا حدود في السينما لتوظيف الفانتازيا الى أبعد حد ممكن من أجل تقديم فكرة ما في باطن هذه الطريقة بصورة ساخرة دون أي مباشرة  كما فعلها المخرج الكبير رأفت الميهي كثيرا، ولكن الفانتازيا بقدر سهولتها لها حرفية توجب قدرا من الذكاء والتمكن عند الكاتب ليستطيع إنجازها فانتازيته بشكل حرفي جيد.
المدهش في فيلم "فبراير الإسود" لكاتبه ومخرجه محمد أمين، أن يلجأ صاحب "فيلم ثقافي" و"ليلة سقوط بغداد" إلى الفانتازيا ليقدم لنا فيلما مباشراً للغاية، يلقى خلاله بطل الفيلم خالد صالح حواره المكتوب بفجاجة شديدة بطريقة مسرحية مباشرة وتعليمية على  الرغم من فكرة الفيلم الخيالية، بل وكأن الفانتازيا لا تحتاج إلى سيناريو محبوك لجأ أمين إلى التغاضي عن تماسك السيناريو ليبدو أشبه بحلقات سيت كوم متصل منفصل خلال عمر الشريط السينمائي.
قدم الفيلم عائلة الدكتور حسن التي تضم زوجته وأبنائه وأخوه وزوجته، دون أن يرسم أي شخصية فيهم، أو يصنع أي عمق للشخصية ليتفاعل معها المشاهد، بل وحتى السبب الرئيسي للتحول في مسار الشخصيات - الغرق في الرمال وإهمال احكومة - سبب واهي للغاية لم يتم الاستفادة به كوميدياً على الأقل.
ومن خلال مجموعة من الاسكتشات أضعفها الاخراج للغاية وزاد من تسطيحها فشل الفيلم في رسم الضحكات المقصودة عبر مجموعة من الافيهات السمجة، زاد من سماجتها التوظيف السيء للممثلين، والكثير من الاختيارات الخاطئة غير المناسبة لتاريخ محمد أمين السينمائي.
خالد صالح قدم أحد أسوأ أدواره على الإطلاق وكأنه يقدم "تاجر السعادة" في رمضان، طارق عبدالعزيز يضيف الكثير من ثقل الدم على كل شخصية يقدمها على الشاشة بمهارة يحسد عليها، الأدوار النسائية أمل رزق وألف امام قدمتا مثالا حي على "الأفورة" في الأداء...ضيوف الشرف أحمد زاهر وادوارد...حدث ولا حرج.
ربما انتقد البعض أفلام أمين السابقة، وربما رأى البعض أن "بنتين من مصر" فيلماً كئيباً يحمل اكليشيهات سينمائية مكررة، لكن سيبقى "فبراير الاسود" أسوأ أفلامه على الاطلاق، لا يحمل تلك الفكرة المبهرة لفيلم ثقافي وسرعة الإيقاع ورشاقة السيناريو، ولا تلك الفانتازيا الساخرة ليلة سقوط بغداد وأداء الممثلين، وعمق السيناريو وتماسكه، ولا حتى رسالة بيتين من مصر ولا أداء أبطاله ، فقط يميز "فبراير الاسود" ديكوراته المناسبة لقصة الفيلم، وبعض الكادرات الكارتونية التي حاول بها المخرج صناعة فانتازيا إخراجية للمسرح المدرسي.
*****
فيلم "فبراير الإسود" خيبة أمل جديدة تصيبنا كلما شاهدنا فيلما يشير إلى الثورة، وكأنها لعنة تصيب كل من يتناولها، قدم فيه أمين أحد أسوأ مشاهد السينما على الاطلاق في "فينالة" الفيلم، ليتحول المشاهد خلال ساعة ونصف من مشاهدة "سيت كوم" إلى "فيلم رسوم متحركة"، إلى "مسرح المدرسة" وينصرف الجمهور حزيناً.
فلا قضية الانتماء تستحق معالجة بهذه السذاجة والسوء، ولا السينما تحتمل في عصر الانهيار فيلما لمخرج محترم بهذه الخفة.