22‏/01‏/2013

أرشيفي السينمائي : عزيزتي كاثرين بيجلو أنت مخرجة فاشلة

عندما تريد ان تصنع فيلما عن الإرهاب، فعليك أن تعطيني مساحة لأتعاطف مع من يتعرضون له، اعطني حياة شخصية وأعماق للشخصيات، لا تضعني أما شخصيات مسطحة لا أستطيع التعاطف معها إنسانياً، خاصة وأغلبهم يعمل في وكالة تقوم بتعذيب البشر لمجرد الشك، هذا ما فعلته كاثرين بيجلو تماماً في فيلمها Zero Dark Thirty.
بالإضافة إلى أن الأفلام التي تقوم قصتها على أحداث مخابراتية حقيقية تعتمد حبكتها على عمل تلك الأجهزة، لامجرد وصول المعلومات في النهاية على المكاتب للمختصين -ويبدو أنها انتبهت لهذا في الجزء الأخير من الفيلم -، لكن يبدو أن المخرجة المغرمة بالقوة الأمريكية، والتي قدمتها من قبل في صورة المحتل الطيب في فيلم "خزانة الألم" والتي حصلت به على جائزة الأوسكار أمام منافسها الأفضل "أفاتار"، عادت لتخرج فيلما عن جهاز المخابرات الأمريكي الذي يرغب في الثأر لـ3000 من ضحايا أحداث 11 سبتمبر، معتمدة على بعض الأحداث الإرهابية التي تمت خلال 10 سنوات قبل إغتيال بن لادن، لم يمت فيها 10% من من قتلتهم أمريكا من الأبرياء في حربيها على أفغانستان والعراق، ففشلت مرة ثانية في اجتذاب تعاطف المشاهدين.
وعذرا للتعليق سياسياً على فيلم سينمائي، وهو تعليق وجدتني مضطراً له، لأن المخرجة الهوليوودية أظهرت كراهية الشارع الإسلامي عامة والباكستاني خاصة لكل ماهو أمريكي دون أن تقدم مبرراً لهذا حتى يتخيل المشاهد الأمريكي ما تريد توجيهه فقط إليه.
*****
اعتمدت بيجلو كعادتها على ممثلين متوسطي المستوى، أعمالهم السابقى ومستواهم الفني متواضع للغاية، واستخدمت نفس التكنيك الإخراجي لفيلم "خزانة الألم"، لتشعر وكأنك تشاهد جزء ثانياً لنفس الفيلم، كما اعتمدت على فواصل سوداء معنونة لتقسيم الفيلم إلى ما يشبه فصول الروايات، لتحوله تدريجا لفيلم تسجيلي يوثق ويمجد عمل المخابرات.
لكن يبدو أن المخرجة لم تدرك أن صناعة فيلم تمتد مرحلته الزمنية إلى 10 سنوات يحتاج إلى بعض التغيير في زي وشكل الشخصيات الرئيسية على الاقل، لنرى أبطالها بنفس الهيئة والزي ، ثم قدمت مشهداً مبتذلا للغاية لمسئول مسلم في المخابرات المريكية يؤدي صلاته، فقط كان يحتاج إلى الراحل فريد شوقي حتى يخبره قائلاً "لاااا عملتها قبلك"، بالغضافة إلى صوت الاذان الذي لا ينقطع في باكستان وكأن الصلوات المفروضة على المسلمين هناك 48 صلاة بمعدل صلاة كل نصف ساعة، أما عن الحديث باللغة العربية في كل باكستان فحدث ولا حرج.
******
لقد نجحت كاثرين بيجلو في أصعب الإختيارات المتاحة لديها لصناعة فيلم عن عملية اغتيال بن لادن،وهو أن تجبر المشاهد على عدم التعاطف مع قاتليه، وعدم الاندماج في عملية التعقب الطويلة لكثرة ما تحتويه على مغالطات ومعلومات غير منطقية، وتصدر الشك في مصداقيتها.
فيلم Zero Dark Thirty فيلم متوسط المستوى لم يصل حتى لأفلام الحركة الأمريكية الجيدة، ويطرح سؤالاً هاماً حول ماهية فيلم بيجالو القادم، وأين سيكون هذه المرة، وهو ما لا نعرفه، لكن المؤكد أنه سيتم ترشيحه للأوسكار.

أرشيفي السينمائي : عندما تشاهد فيلماً وتصرخ "السينما مستمرة"

- أباء الجميع يموتون....

- ليس أبي

الأب مريض بسرطان الدم، وعلى وشك الموت، يرغب في أن يتولى غيره حياة أفضل لابنته على أرضه وهي ترفض أن تتركه وحيدا....الابنة عمرها 5 سنوات.

عاصفة ضارية تهاجم الأكواخ الخشبية التي يسكنها أهل (حوض الاستحمام) ، الصغيرة تخاف، فيخرج الاب ليطلق الرصاص على السحب، ليثبت لابنته أن الإنسان أكثر قوة حتى من الطبيعة.

الكل مجتمعون يحتفلون بصيد جديد من أسراب الكابوريا، يطالب الأب صغيرته أن تكسر الكابوريا بيدها العارية، تكسرها وتصرخ مستنفرة عضلاتها، الكل يرقص في سعادة وعيون الأب لامعة في فخر.

تخوض الصغيرة بصحبة رفيقاتها غمار البحر، لينقلهم قارب إلى سفينة، تقابل فيها من تشبه والدتها، تحلم بالبقاء ترفض المرأة في ظل المدنية الحديثة تحمل مسئوليتها، تعود الإبنة لوالدها بعد أن تكسر حاجز الخوف وتواجه حيوانات مخاوفها الوحشية التي تطيعها وتنسحب، ليموت الأب فخوراً.

هذا ليس فيلماً تقليدياً، بل هو واقع شديد السحرية والجمال، يستعرض فيه المخرج بين زيلتين الحياة في لويزيانا بايو التي أوشكت على أن تكون مغمورة تحت الماء بالكامل بسبب ذوبان القمم الجليدية والسد المقلم بمعرفة الحكومة، حيث يعتبر الفيلم هؤلاء البشر المتمسكين بديارهم وعاداتهم وتقاليدهم البدائية التي لم تلوثها الحضارة المدنية مثل تلك الوحوش البرية التي انقرضت منذ ألاف السنين، حيث تعاملهم الحكومة بنفس الطريقة وتحاول تهجيرهم وتسكينهم في معسكرات يرفضونها ويهربون.

الخط الدرامي في الفيلم جديد للغاية لا يعتمد على السرد التقليدي، بل أسرف المخرج أيضاً في اللقطات المتحركة والغائمة غير الواضحة ليزيد ارتباك المتفرج أمام بكارة الحياة التي تنتهكها المدينة.

نجح المخرج في صناعة فيلم عظيم بميزانية لم تتجاوز 2 مليون دولار، فقط لأنه لم يصنع سينما بل دون الحياة على الشاشة.

الافلام التي تجبرك على تشغيل عقلك، والبحث داخل كل مشاهدها عن جديد يشكل وعيك بالفيلم ككل، قليلة، كذلك تماماً تلك الأفلام التي تصلح لأكثر من نوع من التلقي، تستطيع أن تخرج من الفيلم بغير ما خرج به جارك على المقعد المجاور، ستتفقان فقط ان الفيلم مدهش، وأن الطفلة ( Quvenzhané Wallis ) ذات السنوات الخمس ممثلة موهوبة للغاية، لذلك لن تندهش من ترشيحها لأوسكار أحسن ممثلة لأنها تستحق.

الفيلم ككل عبارة عن مجموعة من المشاعر والخيالات التي تعبر عن براءة الإنسانية وعدوان المدنية عليها، الذي يؤدي إلى خروج الإنسان من الجنة من اجل لاشيء، كذلك تلك العلاقة الحميمة شديدة الدفء بين الأب وابنته، التي يتمناها ملكة متوجة على المدينة الغارقة، ويحلم بأن تعمر لـ100 عام، بينما تغضب منه هي أحيانا وتكرهه، لكنها تهرع لإحضار دوائه بمجرد انحسار الماء.

فيلم ( Beasts Of The Southern Wild ) ثورة في عالم السينما العالمية، تكسر العديد من القواعد، وكأننا نشاهد واقعاً حقيقياً في برامج الواقع، بأداء يرقى للحقيقة دون بريق التمثيل، فيلم يجعلنا نحتفظ بالأمل أن (السينما مستمرة)، لن تهزمها سطوة رأس المال، ولا فقر الخيال.

أرشيفي السينمائي : المعالجة بالإيجابية فيلم من إخراج وتأليف قيس بن الملوح

يقول قيس بن الملوح الشهير بمجنون ليلى:


وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقلتُ لهمْ فانِّي لا أشَاء


وكيف وحبُّها عَلِقٌ بقلْبي كما عَلِقَتْ بِأرْشِيَة ٍ دِلاءُ


لها حب تنشأ في فؤادي فليس له-وإنْ زُجِرَ- انتِهاءُ


وعاذلة تقطعني ملاماً وفي زجر العواذل لي بلاء


برادلي كوبر بطل فيلم (المعالجة بالإيجابية) Silver Linings Playbook ، عاشق مهووس، يحب امرأة لا نعرف عنها غير أنها خانته، يتلقى علاجاً نفسيا مكثفا، يبدو غير مقنع بالنسبة له، فقط تماما هو كابن الملوح يفكر في إرضاء حبيبته، هكذا العاشقين في كل زمان ومكان، كواكب تدور في فلك شمس المحبوب، منهم من يقترب حتى يحترق، وبطلنا جرب الاحتراق ولكنه نجا ويبحث عن العودة.


تظهر مشاهد الثلث الأول من الفيلم حاجة البطل إلى العودة للمستشفى النفسي من أجل إكمال علاج لم يتم، حيث يبدو الهوس في كل تفاصيل حياته، حتى مع محاولات والديه أعادته للحياة الطبيعية - ملحوظة لا أهمية لها والده هو روبرت دي نيرو -.


ويكمل مجنون ليلى قائلاً :


سأبكي على ما فات مني صبابة وأندب أيام السرور الذواهب


وأمنع عيني أن تلذ بغيركم وإنِّي وإنْ جَانَبْتُ غَيْرُ مُجانِبِ


وخير زمان كنت أرجو دنوه رَمَتْنِي عُيُونُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ


فأصبحت مرحوما ًوكنت محسداً فصبراً على مكروهها والعواقب


يلتقي البطل في الثلث الثاني بصاحبة مأساة أخري، زوجة توفى زوجها ومصابة بحالة نفسية، يعلو أداء برادلي كوبر أمام أداء البطلة جنيفر لورانس، يحاول استغلالها لتوصيل رسالة لمحبوبته المبعد عنها بحكم قضائي وتحاول ابتزازه بمشاركتها مسابقة للرقص، يأخذ هنا جنون العاشق منحى جديد حيث يحاول إظهار بعض العقل والمرونة والتضحية من أجل العودة - ملحوظة لا أهمية لها روبرت دي نيرو مازال يقوم بدور الأب -.


ثم يخبرنا بن الملوح قائلاً :


إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ


لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له حر الصبابة والأوجاع والوصب


العاشق المريض بالهوس يستفيق، فيشارك اسرته تحقيق رهانها وحلمها المجنون، ويتخلى عن حبيبته ليعود إلى معالجته التي تراقصه وهي على وشك فقدانه، يرتفع إيقاع الفيلم خاصة في مشاهد الرقصة، ويتوقع المشاهد ما سيحدث، ليفقد الفيلم نقاطاً جديدة تضاف غلى أن روربت دي نيرو والد البطل في الفيلم، وينتهي الفيلم نهاية سعيدة متوقعة.


فيلم Silver Linings Playbook ينتمي لمدرسة الكوميديا الرومانسية، اشتهر مخرجه ديفيد روسيل بإعادة اختراع الكلاسيكيات تماما كما فعل مع فيلم الملوك الثلاثة، يقدم هذه المرة فيلما متوسطاً عن تحويل مصير إنسان بإرادة ورغبة غير صحيحة تصل به للطريق الصحيح في مفارقة عادة ما تكون لطيفة، فشل الفيلم في تقديم جرعة الكوميديا المتوقعة، واقترب من تقديم جرعة الرومانسية، وتم ترشيح أبطاله للأوسكار دون سبب معروف.


ملحوظة : قام روبرت دي نيرو بدور والد البطل خلال الفيلم.


وأخيراً يقول قيس بن الملوح :


إن الغواني قتلت عشاقها ياليت من جهل الصبابة ذاقها


في صدغهن عقارب يلسعننا ما من لسعن بواجد ترياقها


والغواني هنا هي الأفلام المتوسطة.

17‏/01‏/2013

نظرية الحب

هذا زمان لا أنتمي له
أدين بدين الحب، والكراهية الديانة العالمية الأوسع انتشاراً
في مراهقتي..ظننت أن الله خلق الشجر من أجل أن يستظل به العشاق، ويحفرون هذا القلب الساذج بسهميه وحروف أساميهم الأولى على جذوعه.
وحين كبرت أيقنت أن الله أحب البشر فوهبهم الشجر.
منذ طفولتي عشقت المرأة، تلك الأم الخارقة، التي تلبي أحلامي قبل أن ابوح بها، وفي مراهقتي عشقت كل تفاصيل النساء، ذلك النصف البشري المؤمن بالقلب بوصلة ودليلا.
وحين كبرت أدركت أن الله قد أصلح في الجيل الثاني من البشرية - النساء - كل عيوب الجيل الأول، النساء ارقى واكثر قدرة على تحمل الألم، والأكثر إخلاصا ...إلخ إلخ إلخ.
****
الحب قدر الرجل وحياة المرأة، هو تلك الواحة التي نعود لها أحياناً كرجال لنتزود بالطاقة، أما المرأة فتحيا في تلك الواحة، وتمدها هي بالطاقة.
يقولون في الأثر أن الله نفخ الروح في أدم، بينما تعيد المرأة نفخ الروح في ملايين الرجال لتهبهم الروح من جديد في اعادة للخلق، ثم تلد الأخرين.
في البدء كان الرب امرأة، فكان الحب دينا، وفي النهاية كان الرب ذكرا فكانت الكراهية حياة، وما كان ربي ذكرا ولا إمرأة.
****
الكراهية تحتاج إلى مجهود، سواد القلوب ليس منحة إلهية بل صار طبيعة بشرية استلزمت الكثير من الطاقة السلبية، من الظلام الإنساني، بينما الحب نور، كائن ملائكي، أصل نفخة الروح الإلهية في الجسد البشري الفاني.
نبذل المجهود لنكره، ولا نحاول نهائياً أن نفسح مجالا للحب كي نحيا.
الكراهية قبح وقد أدمنتم القبح وصرتم ترونه جميلاً.
أحبوا تصحوا.
*****
أدين بدين الحب، وربي  عاشق
وأنا عاشق
طوبى للعشاق الذين أمنوا وتمسكوا بالعهد.
طوبي لرسل الحب وأنبيائه الذين لن يقطع عنهم الوحي إلى يوم الدين.
طوبي لرسالة سماوية من أربعة حروف ...."أحبك".

16‏/01‏/2013

أرشيفي السينمائي :لينكولن .. فيلم يستحق عن جدارة جائزة أوسكار للملل

إذا أردت أن تصنع فيلماً مملاً، إليك هذه الوصفة التي لا تخيب، صور أكثر من 90% من مشاهد الفيلم داخليا مع إضاءة قاتمة، لا تهتم بالسيناريو فقط املأ المشاهد بالحوار مع مراعاة جلوس الممثلين دون أي حركة، أجعل مدة الفيلم طويلة لأكثر من ساعتين، استغني عن كل المشاهد التي يتصاعد فيها الصراع بمشاهد أخرى تعطي المعلومة للمشاهد.. أو بدلاً من كل ما سبق، شاهد فيلم لينكولن للمخرج ستيفان سبيلبرج واصنع مثله.
ولأن ترشيحات جائزة الأوسكار باتت مرتبطة بشكل واضح بالسياسة الأمريكية، فما عليك إلا أن تقدم عملاً تاريخياً يمجد رمز أمريكي، أو عملاً يمجد غزواً أمريكياً حالياً، أو أن يكون اسمك سبيلبرج أو كاثرين بيجلو.
*****
يبدأ الفيلم بمشاهد قاتمة لمعركة في الحرب الأهلية الأمريكية، ثم ينتقل مباشرة لمحاولة الرئيس ابراهام لينكولن تمرير تعديل دستوري للمادة الثالثة عشر بمنح الحرية للأمريكان الأفارقة من خلال مجلس النواب الذي يمتلك حزبه أغلبيته بنسبة 56%، مما يجعله يبحث عن 20 صوت إضافي من الحزب الديمقراطي المعارض، وخلال تلك المفاوضات التي ينتقل بينها السيناريو الرديء من مكتب لأخر، يعجز مخرج الفيلم الكبير والشهير عن إضافة أي رونق للسياق الدرامي مكتفيا بملل القصص التي يرويها الممثل الكبير داني دي لويس، ومفاوضات مساعديه للموافقة، وحتى مشهد التصويت على القرار داخل الكونجرس والذي من المفترض أن يشهد مناقشات حامية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والذي يعد الذروة الدرامية للفيلم، تم القضاء عليه عبر عدة مشاهد مضافة للرئيس يلعب مع ولده، ولجنود يحسبون الأرقام على الجبهة، مع خفوت موسيقي غريب لمشهد يحتاج لـ تقطيعات أقصر وإيقاع اسرع متصاعد وليس ثابت الوتيرة كما قدمها الفيلم.
المدهش أيضاً أن يتم ترشيح دانييل دي لويس لأحسن ممثل عن فيلم لم يختلف أداءه فيه بفضل توجيه سبيلبرج عن أداء الممثلين الراحلين إبراهيم الشامي، أو عبدالحفيظ التطاوي نهائياً وربما كان صوت الشامي أكثر تأثيراً، أما عن هزلية ترشيح توم لي جونز عن نفس الفيلم كأحسن ممثل دور ثاني، فيبدو أن الجائزة يتم الترشح لها عن أفضل "تكشيرة"، حيث قدم الممثل الكبير دوراً ضعيفاً للغابة مقارنة بما قدمه من قبل.
إيقاع الفيلم الكارثي، وأداء الممثلين الهابط يتحملهما مخرج العمل ستيفان سبيلبرج، ويتحمل ترشيحهما هذا الهوس الأمريكي برموز الدولة، وكأنهم يسعون إلى منح الجائزة إلى إبراهام لينكولن شخصياً.
*******
يذكر التاريخ أن ابراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية بالفترة من 1861 إلى 1865، شخصية عظيمة حررت العبيد وتم اغتيالها في العام الأول لفترة حكمها الثانية، لكن يذكر الفيلم أن صانعيه رفضوا حتى تعاطف المتفرجين بعرض مشهد الاغتيال، واكتفوا بصارخ على مسرح هزلي يشير إلى أن الرئيس قد تعرض لإطلاق النار، حفاظاً على الغرور الأمريكي والعنجهية التي لا يصح معها عرض مشهد اغتيال رمز تاريخي.
فربما يدخل لينكولن التاريخ أيضاً كأحد أسوأ الأفلام التي تم ترشيحها للأوسكار عبر تاريخ تلك المسابقة المحلية الأمريكية، الحريصة على تأكيد محليتها المفرطة كل عام بعد عام.
عفواً عزيزي القارئ تحدثت كثيرا عن الترشيحات، ولكن أن تستعد لمشاهدة فيلم تم ترشيحه لأثنى عشر جائزة، وتفكر أكثر من 6 مرات في عدم إكماله، ولا تنهيه إلا بدافع ضميرك المهني للكتابة عنه، فأنت أمام تحدي شخصي حتى لا يتطور نقدك إلى سباب.

14‏/01‏/2013

أرشيفي السينمائي : فيلم Cloud Atlas ... السينما المعلم والأستاذ

الأفلام العظيمة - عبارة تضايق بعض صناع السينما - عبارة عن نوعين، نوع يطرح الأسئلة دون أن يعطي إجابات، والأخر يطرح الأسئلة ويضع اجابات متعددة لها خلال السياق بمستويات تلقي مختلفة.
وينتمي فيلم Cloud Atlas، لهذه النوعية الثانية، ذلك الفيلم المأخوذ عن رواية بريطانية صدرت عام 2004، مكونة من 6 قصص مختلفة في أزمان متعددة يربطها رابط ما، مما يوحي ببذل جهد كبير لتوضيح هذا الرابط وشرحه للمتفرج من خلال إجابات على الأسئلة الوجودية التي يطرحها الفيلم حول استقلالية حياة الإنسان عما سبقه أو تلاه، وارتباطه بها، مما يوحي للمشاهد أننا أمام فيلم معقد، يصعب فهمه، وهو ما أوحت به المشاهد الأولى بتقطيعاتها المونتاجية السريعة قبل تتر الفيلم.
لكن وما أن تبدأ القصص في التشابك خلال العرض، حتى تتسرب الإجابات بسهولة مدهشة، فيختفي ارتباك عدم الفهم، وتتفرغ لمشاهدة قصة تلك السفينة التي تبحر في الأطلنطي وعلى متنها الطبيب الشرير والعبد الطيب خلال القرن الـ19،وكذلك قصة الحب الشاذ بين موسيقار وعالم في بداية القرن العشرين، ثم قصة الصحفية التي تحارب الفساد في سبعينيات القرن الماضي، والناشر العجوز عام 2012، وجيش التحرير قي كوريا خلال القرن القادم، وقصة ما بعد انتهاء الحضارة.
ملحوظة : عفوا عزيزي القاريء إن كنت لا تحب افلام الخيال العلمي، أثق أنك ستحب هذا الفيلم، ثق في، لا بل ثق فيه، في الفيلم ذاته.
*****
قام بإخراج الفيلم كلاً من الأخوين ويتشاوسكي وتوم تايكوير، وأشهر أفلامهم هو سلسلة "ماتريكس" وفيلم "في فور فانديتا"، والحديث عن الإخراج هنا يشدنا إلى نقطة في منتهى العبقرية تميز بها الفيلم ذو القصص الست المتشابكة، وهي حرص المخرجين على اختلال سرعة إيقاع الفيلم حسب المرحلة الزمنية للحدث حيث تميزت قصة القرن التاسع عشر ببطء شديد، تماما كقصة انهيار الحضارة، بينما كانت قصة القرن الثاني والعشرين هي الأسرع إيقاعاً، مما يخلف إحساس هائل بالزمن لدى المشاهد.
كذلك التنوع الأدائي المدهش للممثلين بين القصص المختلفة، يظهر جهد مبذول لأخصائي "الكاستنج" وعمل طويل للمخرجين، حيث عمل أغلب الممثلين في أكثر من قصة بتغير الشكل والشخصية حسب المرحلة الزمنية فأبدع توم هانكس في شخصية زاكري بعد انهيار الحضارة، وتألقت هالي بيري في دورالصحفية في حقبة السبعينات، بينما قدم جيم برودبينت دورًا كوميديًا بديعا في شخصية الناشر العجوز، وكذلك أداء جيم ستورجيس و دونا باي في شخصيتي هاي جو تشانج و سونامي في القرن الثاني والعشرين.
******
المدهش في هذا الفيلم الرائع هو اختلاف نوعية القصص دون أن يحدث هذا خللاً في بنية الفيلم الدرامية ككل، ما بين دراما القرن التاسع عشر، ورومانسية بداية العشرين، وتويق السبعينيات، وكوميدية هذا العام، وحركة وعنف القرن القادم، وملحمية نهاية الحضارة، لكن الأكثر ابهاراً هي تلك الرابطة البسيطة بين كل قصص الفيلم عبر مذكرات شاب وحتى سيمفونية "سحاب أطلس" مروراً بفناء الحضارة.
قدم الفيلم فكرته الفلسفية في إطار شديد التشويق، لتجعل منه أحد أعظم افلام 2012 التي لا يتوقع لها أن تفوز بأي جوائز - كما حدث بالفعل - وتم استبعاد الفيلم من كل الترشيحات، على الرغم من أن أضعف الإيمان يعطي الفيلم جائزة أوسكار أحسن مونتاج، لكن كما اتفقنا من قبل، المجد للسينما والعار لكل مانحي الجوائز.

نظرية القُبـــــلة

أخر عهد الرب في خلق الإنسان هو نفخ الروح، لذلك أخر ما لمسه الله في ادم هو شفاهه، فصارت الشفاه اثر الرب الذي لا يمحى.
لهذا عندما تجتمع الشفاة الاربعة، تكتمل دائرة الخلود، ويستعيد الإنسان إلوهيته المفقودة للحظات، تقصر أو تطول بعمر القبلة.
ريق من تحب هو ماء الخلود، ولسانه صراطك المستقيم، به تعبر إلى جنة الخلد.
القبلة هي أن تملك الكون إلها لبعض الوقت، ثم تحياها إنساناً سعيداً بعد مرور الوقت بعد أن ذقت طعم الجنة!

13‏/01‏/2013

أرشيفي السينمائي : فيلم هيتشكوك.. لعنة المخرج القدير تصيب الفيلم الذي يتناول حياته

عفواً عزيزي المخرج ساشا جيرفاسي، عفوا سيدي السير أنطوني هوبكنز، عفوا سيدتي هيلين ميرين، عذرا كل صناع الفيلم الرائع "هتشكوك" لعدم ترشيح فيلمك لأي جوائز، إنها لعنة صاحب الفيلم المخرج الكبير ألفريد هتشكوك، الذي خاصمته الجوائز، فاشتكى لطبيبه النفسي بمرار بالغ من تجاهل تكريمه المستمر، والذي مازال باقياً بعد وفاته كلعنة مقترنة باسمه.
هتشكوك ذلك المخرج الذي اتفق النقاد والسينمائيون للمرة الأولى على أنه معلم التكنيك السينمائي الأول، والذي يفعل ذلك في كل لقطة و كل مشهد، ويتحكم بكل عناصر أي فيلم من افلامه، و يمتلك أسلوبه الخاص الذي نتعرف عليه منذ المشاهد الأولى.
المخرج الذي يحتل فيلمه "فيرتجو" المركز الأول في استطلاع لآراء النقاد والخبراء السينمائيين أجرته مجلة "صوت وصورة"، التى يصدرها معهد الفيلم البريطانى، فى استفتاء تجريه المجلة مرة كل عشر سنوات، بعد أن ظل "المواطن كين" يحتلها لسنوات طويلة.
لكن فيما يبدو لم تنس أمريكا للمخرج الإنجليزي تعلمه السينما في ألمانيا حيث تعلم الأساليب التعبيرية التي ظل مخلصا لها طيلة حياته، متجاهلة كل التطوير الذي قدمه في السينما مستغلة مضمون أفلامه البوليسية.
أوسكار تواصل انتقامها من مخرج عظيم بلا سبب واحد مقنع
*****
عفواً عزيزي القارئ على تلك المقدمة الخاصة بالمخرج نفسه، والبعيدة عن الفيلم الذي يتناول مرحلة قصيرة من حياته بعد انتهائه عام 1959 من عرض فيلمه "الشمال من الشمال الغربي"، وحتى عرض فيلمه "سايكو" عام 1960، وفيه يتناول العمل طريقة هتشكوك في التحضير لأفلامه ومواجهة المنتجين والرقابة واختيار وتوجيه طاقم عمله، بالإضافة إلى علاقته الخاصة جدا بزوجته "ألما".
ويلعب الممثل القدير أنطوني هوبكنز دور المخرج الكبير باقتدار، منفذاً مقولة هتشكوك حين قال عن الممثلين "لم أقل أبدا أن كل الممثلين أغنام، بل قلت أنه يجب معاملة كل الممثلين وكأنهم أغنام"، فتعامل هوبكنز مع أبطال الفيلم بنفس الطريقة والأداء، مظهرا بوضوح الثقة العالية لهتشكوك في نفسه، ولجوئه الدائم للمزاح للخروج من المواقف الصعبة، وسيطرته التامة على كل ماحوله دون النظر إلى اي شيء سوى ذاته، تألق هوبكنز وأبدع كعادته.
أما مخرج الفيلم ساشا جيرفاسي فاستعان بعبارة هتشكوك الشهيرة "الدراما هي الحياة بعد إزالة الأحداث المملة"، فقدم تجربة صناعة فيلم "سايكو" محافظاً على التفاصيل الأهم، حريصاً على تقديم شخصية المخرج في مزج جيد بين الإنسان والفنان.
وقدم فيلما يشبه بورتريه مرسوم بدقة لألفريد هتشكوك ذلك المخرج العظيم، يستمتع المشاهد فيه بالتفاصيل الدقيقة في حياة المخرج عاشق الشقراوات، الغيور، المغرور، الذي ضحى بكل ما يملك من أجل تنفيذ فيلم رفضه الجميع، بل واقدم على قتل بطلة الفيلم خلال ثلثه الأول في سابقة لما تعرفها السينما العالمية من قبل، حريصاً على دعواه لكل المخرجين : "حاول دائما جعل المشاهدين يعانون قدر ما تستطيع".
******
اعتذر للمرة الأخيرة على طغيان شخصية المخرج العبقري الفريد هتشكوك على المقال النقدي المكتوب عن الفيلم الذي تناول جزء من حياته، ولما لا فالمشاهد لن ينسى ابداً أمام الشاشة افلاما مثل النافذة الخلفية والطيور وسيء السمعة.....هيتشكوك خلق ليطغى، ولتذهب كل الجوائز إلى الجحيم.

12‏/01‏/2013

بيت من طين

تغيب شمس النهار عن تلك المنطقة من أراضي مدينة خان يونس الفلسطينية في قطاع غزة، تاركة خلفها صورة انتحلت ألوانها شخصية اللون الأصفر بفعل الزمان وتعاقب الفصول، لشهيد غادر الحياة في عملية استشهادية منذ عدة سنوات، يتأملها رجل عجوز نحتت السنون تجاعيد وجهه، وتركت خلفها أخاديد عميقة بعددها. تنهد العجوز ملقية النظرة الأخيرة على صورة ولده الشهيد التي تختفي ملامحها شيئاً فشيء لكنها باقية في ذاكرته، قبل أن يعود في اتجاه بيته الصغير داخل مزرعة الزيتون التي يملكها في المنطقة العازلة على الحدود بين مدينته والكيان الصهيوني.
انتهى من اشعال النيران في بعض الحطب أمام بعض الحطام الأسمنتي لأطلال تنم عن وجود منزل في نفس المكان، هدمه القصف الصهيوني منذ عدة ليال مضت فيما سمي بعملية "الرصاص المصبوب"، قبل أن يعود الهدوء للمنطقة ويتفق الساسة بعض الاتفاقيات التي يعقبها العديد من الابتسامات العريضة أمام الشاشات، وكل جانب يعلن انتصاره في المعركة.
قطع صوت غليان الماء المخلوط بورق الشاي حبل افكاره، فاعتدل ليصبه، مستمتعا بمذاقه وحرارته للتغلب على برودة الجو، ثم انهمك في حوار خاص مع الحطام، الذي ظل يتحسسه بيده حتى راح في النوم متدثراً ببطانية صوفية قديمة، ليكمل أحلامه بجوار ذلك الحائط الذي صار تراباً بعد أن كان جزء من غرفة بناته، ولدن فيها وكبرن بداخلها، ثم تزوجت منهن من تزوجت ورحلت الباقيات إلى بيت أخيه حتى ينتهي من اعادة بناء منزله.
وفي الصباح، مع عودة الشمس لتشرق على صورة الشهيد لتزيدها اصفراراً، استيقظ العجوز ليبدأ مبكرا صب الطين الطري في القوالب الخشبية المستطيلة التي صنعها بيده من بعض أخشاب المنزل، ثم تركها في الشمس لتجف وذهب لزيارة عائلته في غرب المدينة.
ومع الغروب الثاني عاد الرجل مع صغيريه الذكور، ليبدأ في بناء منزل من الطوب النيئ في نفس مكان البيت القديم، بعد إزالة الركام الأسمنتي.
انشغل الشاب الأكبر بالبناء مع والده بينما تأفف الصغير ناظراً إلى المباني الحديثة التي بنتها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لجيرانهم بعد أن طالتهم يد الكيان، تساءل في داخله، لماذا رفض والدي أن يستفيد بوضعه وتبني الوكالة المنزل.
وقبل أن تغادر عيناه منزل الجار، وضع والده كف يده على كتفه قائلاً : الدار ما هي حيطان، الدار زي المقاومة لازم تفضل باقية مهما انكسرت، وبايدينا مش بايد غريب.

أرشيفي السينمائي : عن فيلم تارانتينو الجديد.. للدهشة رب يحميها

ربما استطاع مسلسل "الجذور" الشهير مصرياً بـ"كونتا كنتي" أن أن ينشر الوعي بمدى بمعاناة المستعبدين، الذين كانوا ضحايا الرجل الأبيض في القارة الجديدة، وكذلك حاولت السينما الأمريكية تصوير حياة العبودية منذ بداياتها حيث قدمت فيلم "ميلاد أمة" الذي عرض عام 1915 ، وهو من أوائل الأفلام التي صورت حياة العبودية، ولكن بصورة عنصرية اعتبرت العبيد مجرد مجموعة من المتخلفين، ثم جاء الفيلم الأشهر "ذهب مع الريح" ليصور العبيد بصورة اقل سلبية ولكنها عنصرية أيضاً تعتبرهم طبقات أدنى، لكن مع التطور الزمني والفني، وتخلص المجتمع الهوليوودي من نعرته العنصرية تطور تقديم هذه الصورة بوجود نجوم في حجم سيدني بواتييه، حتى وصلت إلى سبيلبرج حين قدم فيلمه " أميستاد" كتجربة صادقة وثرية عن تاريخ العبودية في أمريكا، لكن عندما يقرر كوينتن تارانتينو تقديم فيلم عن العبودية، عليك أن تنسى جميع ما سبق لأنك ستشاهد وجهة نظر مختلفة تماماً.
*****
كما عودنا تارانتينو دائما قدم فيلم Django Unchained، جانجو غير المقيد بطريقته المعتادة بداية من العنف وطريقة التصوير والحوارات، وسير الأحداث المبعثر للفيلم، فهذا المخرج العبقري الذي قال أنه يصنع الشخصية ثم يصنع الفيلم والحوار والخاتمة، قد صنع شخصية جانجو ذلك الافريقي الموهوب الذي يرغب في التحرر واستعادة زوجته، بكل ما يحمله من غضب تجاه الرجل الأبيض، وبكل ما أصبغته سينما الويسترن على راعي البقر الأبيض عبر عقود طويلة من مواهب، في مفارقة لا يصنعها سوى تارانتينو، ثم فيما يبدو صنع شخصية صائد الجوائز الأمريكي الألماني ليقدمها كريستوفر والتز تحديداً، وأخيرا صنع "الفيلين" العبقري الثري كالفين كاندي ليعيد تقديم ليوناردو دي كابريو بطريقة تارانتينوية - صعبة النطق - .
كعادته يركز تارانتينو بشكل كبير على الحوارات بين الشخصيات، حيث شكّل وخلق وصنع ملامح كل شخصية بجمل مرتبطة بهم، موفراً كل الملابسات لبناء علاقة وطيدة بين الأفريقي والألماني ثم صراعهما مع الشخصية الكريهة في نهاية الفيلم لتحرير زوجة العبد المحرر.
وهنا يمارس صانع الفيلم هوايته في تقديم الفيلم على صورة رواية مقسمة إلى أربعة أجزاء، في الجزء الأول يلتقي صائد الجوائز بالعبد ويحرره نظير عملية صيد، ثم يقرر العمل معه في الجزء الثاني، قبل أن ينتقلا لتحرير الزوجة في الجزء الثالث والذي يموت في نهايته صائد الجوائز، لينتقم العبد المحرر في الجزء الرابع ويمارس كل طقوس الويسترن الأمريكية من سرعة إطلاق النار والنفخ في مقدمة المسدس، وحتى تفجير تارنتينو نفسه بطلقة رصاص خلال مشهد قدمه في الفيلم.
******
ينتمي الفيلم لنوعية افلام "الويسترن سباجيتي"، تلك النوعية التي قدمها الإيطاليون منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى منتصف السبعينات منه، ومثّل منها فيلم "جانجو" الذي أخرجه سيرجيو كوربوتشي من بطولة فرانكو نيرو، الذي جيء به عن قصد لكي يؤدي أحد الأدوار الثانوية في جانجو الحر فيلم تارنتينو الجديد.
وهو ما أعترف به المخرج نفسه حيث قال "عندما بدأت أكتب النص كنت أفكر ما الذي سيدفع الشخصيات لإعطاء أقصى ما تملك؟ ظننت بأن أفضل طريقة لمعادلة طريقة كوربيتشي الوحشية في أفلامه هي بالكتابة عن الجنوب ما قبل الحرب".
وهكذا يفكر تارنتينو دائماً، دفع شخصياته التي يخلقها لإعطاء أقصى ما تملك، فتغضب للغاية، تدمر جدا، تحب جدا، تموت بضمير، فالمخرج الذي لم يقم بدراسة الاخراج السينمائي أو حتى أساليب الكتابة، يقود ثورته الخاصة في تقديم ايقونات حية للسينما طوال الطريق، وهو ما قدمه هذه المرة خلال شخصية العبد المحرر جانجو التي قدمها جيمي فوكس باقتدار.
******
في النهاية الكتابة عن فيلم من إخراج وتأليف تارانتينو يظلم كل من أبدعوا معه لتقديم هذا الفيلم، لهذا يجب أن اشير في النهاية إلى الأداء المدهش لكل أبطال الفيلم، في مسار مختلف تماماً عن كل ما قدموه من قبل - الفضل يرجع أيضا للمخرج -، وأنصحك عزيزي القارئ بمشاهدته على ثقة أنك ستبتسم وتتعاطف وتندهش بشرط المشاهدة على مقعد متين يتحمل القفز فوقه تأثراً بأحداث الفيلم.

أرشيفي السينمائي : حياة باي.. قصيدة سينمائية رائعة

أسعد اللحظات في حياة أي إنسان هي تلك اللحظات التي يباغتك فيها شيئاً ما فتحتل وجهك ابتسامة عريضة، وتلمع عيناك ببريق الدهشة، لتهتف في إيقاع بطيء :الله.
ينطبق هذا تماماً على مشاهدي فيلم (- Life of Pi - ) الذي تدور أحداثه حول الصبي الهندي بي، نجل مدير حديقة الحيوان، والذي تقرر أسرته الانتقال إلى كندا، وأثناء السفر عبر المحيط الهادي، تغرق السفينة فيجد نفسه وحيدا مع نمر بنغالي، ليبدأ صراع ملحمي من أجل البقاء.
الفيلم عبارة عن قصيدة شعرية بالغة العذوبة والرقة في فن الصورة، حيث حرص المخرج الكبير آنج لي على أن تكون كل لقطاته عبارة عن لوح فنية متكاملة، مستفيداً بالتقنيات العالية التي استخدمت لتصوير الجزء الأطول من الفيلم خلال رحلة البحر، وحتى تلك المشاهد التي صورت على الطبيعة في الهند الفرنسية التي أختارها لتفرد مبانيها وشوارعها، وكأن المخرج شاعر حريص على وزن قصيدته وقافيتها منذ البداية وحتى النهاية.
كذلك أختصر الفيلم قضيتين وجوديتين ببساطة مدهشة، حيث كانت القضية الأولى هي قضية الإيمان بالله الخالق، التي تشغل بال الإنسان منذ تشكل وعيه وحتى رسوه على بر ما، حيث استعرض السيناريو هذا الطفل المؤمن بالهندوسية والمسيحية والإسلام، الباحث عن الرب، والمؤمن بوجوده، الحريص على أداء فروض الديانات الثلاث، السعيد برؤية الله في قلب العاصفة، الغاضب من الله لإخافة النمر رفيق الرحلة، وينهي السيناريو الرائع كل تلك المعضلة بعرض قصتين مختلفتين تؤديان إلى نفس النتيجة، تماما مثل الكفر والإيمان، كلاهما ينتهيان بنهاية العمر، وللإنسان مطلق الحرية في اختيار ما يراه أقرب لقلبه ورؤيته.
أما الصراع من أجل البقاء، وحب الحياة تلك القضية الأخرى التي عالجها الفيلم، حين بقى البطل حياً بفضل خوفه من النمر، الخوف الذي يهدم حياة البشر صار أداة للبقاء، لليقظة للحياة...أنت تستطيع مواصلة تلك الحياة أياً كانت المعطيات.
فيلم Life of Pi المأخوذ عن رواية حققت نجاحاً عالميا مبهراً، والتي ترجمت إلى 42 لغة، ترجم سينمائياً إلى لغة جديدة ترسم تلك الابتسامة وتعطي هذا البريق، بمساعدة كاتب السيناريو ديفيد ماجي، والممثل الشاب الذي يؤدي أول أدواره سوراج شارما، وكذلك كل التقنيين الذي ساعدوا على دمج هذا الخيال بالواقع.
في الحقيقة غادرت قاعة العرض وعلى لساني عبارة واحدة....."الحمد لله على نعمة السينما

11‏/01‏/2013

لست مكتئباً

تسألينني : هل أنت مكتئب ؟....
أعترض بشدة، بل وتحتل وجهي إبتسامة مستعارة من فتيات الإعلانات السعيدات دائما أبدا
أزيل غطاء الفراش للمرة الأولى منذ 72 ساعة، يلفحني هواء الغرفة محاولاً الإيحاء بالبرودة، متأمراً معي حتى لا تعرفي أنني لم أغادر ذلك الفراش ولا تلك الغرفة التي لم يتجدد هوائها منذ 3 ايام.
تمدين يدك محاولة إزالة الغطاء الصوفي على رأسي، أتمسك به متبرماً في ود مصطنع
أعرف أنك تملكين القدرة على تحديد حالتي النفسي من نسبة اهتمامي بشعري.
تداعبين الشعيرات البيضاء في ذقني النابتة المتنافرة المتناثرة وعلى وجهك ابتسامة عنوانها "أنت تعرف أني أحب ذقنك الخفيفة"
أفكر للحظات في حلاقتها قبل أن تنسيني أسألتك هذا الخاطر الساذج.
-  لست مكتئباً ...نعم أنام طيلة النهار واصحو طيلة الليل
... مفلس لعلك لاحظتي هذا من بقايا علبة السجائر الرديئة المكورة بجوار السرير
يعلو صوتي أكثر  -  لست مكتئبا....حتى عندما اصحو أظل في فراشي....لا أعمل الأن....متوقف عن الكتابة.
....لا اقابل احدا، ولا افتح هاتفي المحمول.....العزلة صومعة اخترتها بكامل رغبتي.
يعلو صوت أغنية قديمة لعبدالوهاب لا اتذكر اسمها من ذلك المذياع الملقى على الوسادة، أبحث بجنون عن سيجارة منسية هنا أو هناك، ويكلل بحثي بالفشل، أكتفي بعض شفاهي المتقرحة، ويشغلني سؤال عابر عن تاريخ طلاء الغرفة بذلك اللون الاصفر اللعين.
أعود للفراش من جديد، أصب الكأس الأخير من زجاجة خمر مصرية الصنع، رديئة الطعم، أشربه على مرة واحدة، وأسحب الغطاء مرة أخرى، صارخاً...لست مكتئباً...أنت تعلمين تماماً أني لا أكتب وأنا مكتئب.
ولكن هل هذه كتابة.......غير مهم....فأنت غير موجودة اصلا لتقرأين.

08‏/01‏/2013

القصر الملعون



انتهز الشاب انشغال والده بسماع خطاب الرئيس المنتخب في مستهل دورته الثانية  في التلفاز، وغادر المنزل على أطراف اصابعه حاملاً كل ما وجده من "عنب" في مطبخ المنزل، متجهاً إلى ذلك القصر القديم على حافة البلدة وشمس النهار تودع اليوم في خجل شتوي مبكر.
ومع نهاية الطريق الأسفلتي الذي احتلت جانبيه قصور وفيلات أعيان تلك البلدة الريفية التي أشتهرت بسيطرة الجماعة الحاكمة عليها، انتقل الشاب إلى الممر الترابي المفضي إلى القصر القديم.
تلفت حوله في خجل وقلق، ليتأكد أن أحداً لا يراه، ثم اسرع الخطى سعيداً بانشغال الجميع بمتابعة خطاب ابن الجماعة ذاتها، استعدادا للإحتفال بنصر الصناديق الدائم.
عبر حطام ذلك السور الأسمنتي القبيح الذي حاول كبار البلدة إقامته حول القصر القديم المهجور للقضاء على ما أسموه لعنته، لكنه انهار بعد الانتهاء منه بليلة واحدة، وبعد أن أعادوا بنائه انهار في ذات الليلة، فيأسوا وانصرفوا محذرين أهل البلدة من الاقتراب من هذا القصر الملعون، حتى لا يسخطهم الله قردة وخنازير.
وصل إلى بوابته الحديدة المفتوحة في إهمال إبتسامة كسولة، عبرها وعبر حديقة القصر المهملة في قفزات سريعة بفعل ضجيج دقات قلبه التي ارتفعت بفعل الخوف، ليضع العنب على الدرجة الأولى من سلم المدخل، ويولي الأدبار مسرعا.
وعلى إحدى القطع الأسمنتية المتبقية في السور المتهدم جلس الشاب ليخرج سيجارته الأولى هذا اليوم من داخل تلك العلبة التي أخفاها بعناية في أسفل شرابه داخل الحذاء، أعاد تعديل شكل السيجارة التي ضغطت بفعل السير عليها، ثم أدار وجهه عن بيوت البلدة وأشعل سيجارته متلذذا بذلك النفس الأول الذي يملأ صدره.
يعرف أن الاسطورة بدأت منذ أعوام قليلة، عندما نسى أحد فلاحي القرية بعض البلح على مدخل القصر فتحول إلى عرق من نوع فاخر، وأن الكثيرين من أهل القرية جربوا في البداية ذلك الموضوع، ليكتشفوا تحول ما يضعونه من ثمار إلى أجود أنواع الخمور.ط
تذكر وهو يسحب نفساً جديداً من سيجارته كيف انتشر الخبر واستبد الغضب بشيوخ البلدة، وسادتها، وكيف هاجمت الشرطة القصر لكشف تفاصيل تلك المؤامرة على الدين كما قال الشيخ في أحد خطب الجمعة بالمسجد الجامع، وكيف لم يجدوا بداخل القصر إلا خراباً.
وكيف حرص الجميع على كتم الخبر عن الصحف والإعلام وكذلك البلدات المجاورة، بل وحاولوا إقامة هذا السور الأسمنتي البائس.
أنهى الشاب سيجارته مبتسماً وممتنا لتلك المنحة الخاصة بقريته التي اعتبرها كبار القرية لعنة خاصة بالقصر لا البلدة، وأعتبرها بعض شباب القرية فرصة ومنحة بعد منع صناعة وتجارة الخمور في البلاد، بينما أكتفى البسطاء بتداول اسطورة أن القصر مسكون كما سمعوها من شيوخهم دون محاولة التجربة أو الاقتراب منه.
عاد الشاب إلى المكان الذي وضع فيه العنب ليجد زجاجة من النبيذ الأبيض في نفس المكان، رفع يده بالتحية للمجهول، وحمل الزجاجة وجرى مغادراً القصر، والليل يحاول فرض حصاره الأعمى على البلدة مستعينا بالظلام الحالك.
وداخل منزل صديقه أحتسى الشابان زجاجة النبيذ ودخنا سجائرهما محاولين البحث عبر كل محركات البحث على الإنترنت على الاصل التاريخي لذلك القصر العجيب.
وانتهى البحث بكلمات مبهمة غير موثقة مثل ..جبهة..إئتلاف...