29‏/08‏/2012

أحمد حربية..."العاشقون" أنت إمامهم





هو الأخير في أصدقائي كتابة...الأول قرباً
هو ذلك الشاب الطويل النحيل ذو الإنحناء البسيط في القامة بفعل نحافة يشك الناظر أحياناً إنه يقصدها، ورأس بيضاوية الشكل تحمل زوجين من العيون التي اقتنصها صاحبها من مناظير "ناسا" تخوض غمار نفوس الآخرين بنظرة، يزينها عيونات تكاد بحكم "العشرة"لا تشعر بها، وأنف مستقيم نبيل ينم عن عزة صاحبه وأصله الطيب، بينما يقع في أسفل الوجه زوج من الشفاة خلقت خصيصاً لتثبت كذب حكمة  "أن الكلام من فضة والسكوت من ذهب"، لا تجعل اللحية الخفيفة تخدعك، هي فقط بضع سنوات من العمر الظاهري يضفيه صاحبنا على نفسه.
يملك صاحبي صوتاً مميزاً، يشبه رنين المعول الأول الذي يصل في رحلة البحث عن الذهب، لا تنساه الأذن أبداً، لدرجة أني أتخيل أحيانا أن بن برد كتب "الأذن تعشق قبل العين أحياناً" وصفاً لصوته.
صاحبي ليس ملاكاً، أو على الأحرى لا يدعي هذا، لهذا صار الكسل صفته الأحب بين الخطايا السبع، "أحمد "كسول لدرجة لم تحتملها الدببة، وإن نجح الزواج في إرضاء الدببة بعد أن فقد قليلاً من الكسل، ثم نجح "حمزة" هدية السماء في أن يذهب بالباقي.
موهوب بشدة، ومن لم يقرأ منكم "هوامش على دفتر الفتنة" لم يعرف ما هو الحب حتى الأن، خط الهوامش بمداده الخاص المدهش المبهر، وكأنها رسالة نبي أوصلها وتوقف بعد الزواج، يملك في جعبته الكثير، ولكنه لا يبوح.
هناك على تلك الأرجوحة في بيت العائلة في ريف "سمنود" ترى الجانب الأخر من وجه الصديق، تلك النبتة أصيلة الجذور، التي تستعد بدورها للنمو لتمد ظلالها الوارفة على الجميع، وترى ذلك الطفل الحي في روح صاحبي حين يمسك بمجدافه ليحاور النيل.
أحمد حربية هو صدى الروح حين تبغى الصحبة، هو ذلك الصديق الذي أتمنى رؤيته فوراً حين أرغب في البكاء، وكأن دموعي تحن إليه من عجائب الزمان...ببساطة هو الكثير من الأمان.

عيد ميلاد الدكتاتور


كتبت في عيد ميلاد الأستاذ في 1 ديسمبر 2011

حد شاف روحه قبل كده على رجلين تانيين... صغيرين، مدقرمين

بيقولوا بابا .. أنا بس عايز ، ترد أنت تقول أمين

حد شاف ضحكته على وش غيره، حد حلم بغيره يلقى قبله خيره

حد تتمنى يكون أفضل مصيره.... عارف انت يبقى مين؟

حد قلبه يوم جري عالارض جري..... حد داخ م اللعب واتهرى م الحكي هري

حد يتعب لحد يفرح...... حتى لو تعب السنين

حد عنده ديكتاتور طوله شبر، يؤمره  ينفذ قوام الأمر

حد مش عايز يثور طول العمر..... حد عاشق حاكمه وكأنه دين

كل ده يا سي علي يوم ميلادك.... كل ده علشان يا ولدي الكون بلادك

كل ده علشانك انت ... ومعاك كمان فرح وريم

28‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : يا أهل السينما توبوا .....يرحمكم الله!!!





أكتب مقالاً أعرف أنني سأهاجم عليه بعنف، ولن يستحي المدافعون عن راية الدين إستخدام كل لفظ خارج نهى عنه الدين ذاته في الدفاع عنه، ولكنني أكتبه بضمير عاشق السينما، يراها فناً راقياً يساهم في زيادة الوعي والتثقيف عند الشعوب مما يرتفع بالمستوى الحضاري للأمم، لا حراماً يعاقب الله عليه ولا منة يمنها علينا حاكم بالسماح بحريتها أو تقييدها، بل هي حق للمبدع دون رقيب أو وازع، وعلى الجمهور أن يتقبل أو يرفض، ومرة بعد مرة سينزوي المبدع الذي سقط بإبداعه، ويبقى المبدع الحقيقي، أما تلك الرقابة التي لا تليق سوى بطلبة المدارس الإبتدائية فمجرد وجودها إهانة لحضارة مصر.
دعوني أعترف أننا كشعب لم نصل بعد لمرحلة التصالح مع النفس، فكلاً منا يهاجم السينما والمشاهد التي يراها خارجة، وعلى الرغم من هذا، يحقق فيلم شارع الهرم أعلى الإيرادات، بل وتحقق مقاطع الفيديو المرفوعة على "يوتيوب" لتلك المشاهد الخارجة أكبر نسب مشاهدة، لكن على المبدعين ألا ييأسوا ويواصلوا عملهم، يوماً ما ستعود السينما لتسطع على مصر، لأنه لم يخلق الله بعد من يقدر على حبس النور.
ولكن أكثر ما يثير حفيظتي هذه الايام هو تداول البعض لصور بعض الفنانات "المعتزلات"، تحت مسمى "التائبات" في إعتراف ضمني منهم بأنهن كن يرتكبن فاحشة والعياذ بالله أو منكراً إسمه السينما، وأخر ماورد علينا من هذه النوعية صورة للفنانة الراحلة مديحة كامل ويصاحبها قصة على لسان ابنة الفنانة الراحلة تروي على لسانها ما لم يسمعه غيرها بعنوان "قصة توبة الفنانة مديحه كامل رحمها الله ....
تحكيها ابنتها، قصة تستحق القراة ربنا يرزقنا حسن الخاتمة" - تركت الجملة بأخطائها الإملائية - ادعت فيها تلك الابنة انها لم تكن تشعر بأمها أثناء ممارستها لفن التمثيل بل كانت تشعر بالغربة في أحضانها بينما كانت تحب خالته وزوجها حافظ القرآن - في خداع ساذج لعقولنا التي تعرف أننا نعشق أبائنا وآمهاتنا بغض النظر عن مهنتهم ولم يفكر أحدا منا أن يحب أباه لانه حصل الدكتوراة أكثر - ثم تواصل الفتاة حكايتها عن منعها من مشاهدة أفلام أمها وخجلها وخجل أمها مما قدمته ثم قصة تحولها للهداية والعودة لحظيرة الدين وكأنها كانت كافرة - فيما يشبه قصص الدعوة في مجاهل أفريقيا في القرون الوسطى - والمؤلم هنا أكثر من الصورة والمكتوب عليها، كم المصريين الذي شارك الصورة ورفعها على صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي، ومعظمهم يشاهد السينما والتلفزيون بإنتظام ويستمتع بهما، لكنه يؤمن من داخله أن صناعها فيما يبدو كفار.
نعاني من إزدواجية مرعبة، لن تصل بنا إلا إلى القاع، حتى ندرك ساعتها ماذا ضيعنا؟ افيقوا يرحمكم الله...السينما فن راقي اساء البعض استخدامه، وليست فاحشة تستوجب التوبة.

أرشيفي السينمائي : عفواً بنات الـ"يورو".....إنها سعاد حسني




يتبارى الرجال في مصر هذه الأيام بالتشفي في نساءها بإستعراض صور مشجعات يورو 2012، ويبدي كلاً منهم حسرته على جمالهن الفتان، الذي تفتقده المرأة المصرية، لدرجة أن أحدهم ادعى أننا دخلنا النار ونحاسب بنسائنا - أنا- والآخر طالب بإلغاء خانة الجنس من البطاقة الشخصية حيث ليس هناك فارق بين نساء مصر ورجالها.....لكن كل هؤلاء وأنا أولهم علينا أن نقدم إعتذارنا اليوم، في ذكرى رحيل سندريلا الشاشة العربية الفنانة الرائعة سعاد حسني، التي يتوارى الجمال الأوروبي البارد خجلاً من جمالها وجاذبيتها وحضورها، ومصريتها، وشقاوتها..إلخ إلخ - عفواً مساحة المقال لا تتسع لذكر كل مميزاتها -.
كتبت منذ عام مقالاً في ذكرى وفاتها أيضاً قلت فيه عندما قرر الله اختصار الأنوثة خلق لنا سعاد حسنى، وخلال ذلك العاك وأنا أتابع عن كثب كل ما كتب عن السندريلا، الأغلب يجمع على أنها قتلت ولم تنتحر كما أشاع البعض، وأنا أجزم أنها ما سقطت من الشرفة، بل طارت لتحلق في السماء، لتتحول تلك الروح النابضة بالحياة العاشقة للوطن، إلى لعنة في وجه كل ظالم، وإلى نسمة صيف ناعمة حريرية باردة على وجه كل بسيط لفحته شمس بلادنا حتى أضنته، أما في ليالي الشتاء فعادت إلى "كانون" كل فلاح تشعل له ما يصنع به خبزه، ويستدفيء به، وأما في الحضر فسكنت ثرثرة الاصدقاء على المقاهي في لحظات الدفأ والسمر.
سعاد حسني لم تعد مجرد فنانة أبدعت فتذكرها الجمهور، بل صارت جزء من الثقافة المصرية، مثل صديقها ,ابوها الروحي صلاح جاهين، مثل شهر رمضان في القاهرة، مثل سحر الإسكندرية الخاص الذي لا تضاهيه مدن العالم.
سعاد حسني الطفلة التي لم تتلق تعليماً مناسباً وعلمتنا الحب، ووهبتنا البهجة، تلك المرأة التي لم ينحصر جمالها في ملامح تعشقها، أو جسد ترغبه، بل في روح تأسرك، تدفعك للأمام، تجعلك عاشق حتى الثمالة، تلك المرأة التي تشبه الوطن، بجماله وحميميته وتفرده، جاذبيته التي لا تدرك سببها أحياناً.
أغمض عينيك لثوان بعد قراءة المقال وتخيل مصر، سترى السندريلا....بلا زي مستورد من الخليج، ولا تدين صنعه تاجر دين، ولا مغتصب يدعي حمايتها....مصر الحرة التي يحاولون إغتيالها، ولكنني أثق أنها ستطير ولن تموت.

أرشيفي السينمائي : فارس...اخر محاولات الرومانسية للبقاء


ظن أن لكل شيء صوت، وهو ما أعتقده وأؤمن به، لدرجة أني أخاطب السلم الحجري لمنزلنا منذ عقود طويلة فهو وحده يدرك حالي من وقع اقدامي عليه، تلمسه لمساً حين أكون سعيداً، فيهتز طرباً، وتزحف عليه وتلاصقه وأنا حزين، يدرك هذا ويواسيني، أسمع صوته بروحي، ولأن لكل شيء صوت، يبقى فارس صوت مراهقتي.. ما إن أسمعه يغني، حتى أستعيد تلك الإبتسامات العابرة، تلك الوقفات في الشارع أسفل عامود النور متطلعاً إلى شرفة الجيران، تلك الرسائل الورقية ركيكة الاسلوب، والتي تحوي الكثير من الدموع والآهات.
تصدح أغنية "مرسول الحب"...أتذكر ذلك الصديق الذي حمل رسائلي... وتلك الليالي الصيفية في صحبة رفاق المراهقة الذين يدخنون السجائر بقلق، ويبحثون عن "لبان" النعناع بعدها لإخفاء الرائحة عن الأهل.
أعيد سماع أغنية "حاكتبلك"، أتذكر ذلك المحرض الأول على الكتابة، والذي جعلني أخوض أول تجاربي الشعرية البريئة، التي تثير إبتساماتي عند قراءتها هذه الايام.
أسمع "يشهد على القمر"، أتذكر كيف اعتدت من يومها، أن اشهد القمر على وعودي التي لا أخلفها أبداً، حتى لا يخاصمني البدر.
حالة كاملة من "نوستالجيا" يصيبني بها البوم حاكتبلك لفارس، ذلك الصوت الشاب الذي قدمه حميد الشاعري في نهاية الثمانينيات كحالة خاصة بصوت شديد الرقة والنعومة، في عصر كانت الرومانسية مازالت تحاول الحياة فيه، لينجح نجاحاً كبيراً.
تلاها فارس بالبوم "سحرك"، الذي يبقى منه دائماً أغنية سحرك التي لحنها ابراهيم فهمي ووزعها ووزع أغاني الالبوم بالكامل حميد الشاعري، ثم يعاود النجاح بألبوم معجباني، وأغنيته الشقية "ياشوق يا شوق"، حين يتحول بداخلي المراهق الخجلان، إلى ذلك الشاب الجريء، الذي يفصح عن مشاعره، ذلك الفتي الذي لا يستحي أن يقذف بخطابه الغرامي في "بلكونة" حبيبته، مصحوبة بوردة بيضاء.
ثم يغادرني فارس بالبوم سوسنة، وتلك الأغنية الرقيقة التي ودعت بها سنوات المراهقة، متفرغاً لهموم الحياة، متمنياً للرومانسية أن تعود، ومخاصما ً الشعر لسنين طوال.
توقف فارس أو اختفى هو أيضاً بعدها لمدة 5 سنوات قبل أن يعود بألبومات لم تحقق النجاح نفسه مثل "تاني" عام 98، "سحر عينيك" 2003، ليدرك أن زمن الرومانسية الحالمة الحريرية قد ولي، فيغير من نفسه ويقدم ألبوم "حبيتك قوي" 2008، ألبوم "جديد" 2009، لكنه لا يعود.
ويبقى سينمائياً بفيلمي جالا جالا، الذي أدى فيه دوراً يشبهه للغاية، ذلك الفتي الغائب الحاضر، الموهوب المنسي، ثم فيلم بحبك وبموت فيك، مؤدياً أيضاً دوراً يشبهه في البعد عن ذاته ومحاولة تغيير جلده.
فارس مطرب مراهقتي المفضل، يبقى فارساً في زمن فرسانه يفضلون ركوب الموجة، بينما هو يمتطى الحنين. 

27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : شريهان .... زهرة اللوتس المصرية





 تجبرك على الالتفات لها في أي مكان، تجبر ثغرك على أن يبتسم وأنت تشير إلى صاحبك قائلاً "حلوة قوي ، تشبه شريهان كتير"، قبل أن يؤمن هو على رأيك وتشبيهك متسائلاً "وفين شريهان بس دلوقتي".
تلك الطفلة الساحرة التي ظهرت على الشاشة الفضية بصحبة نور الشريف وفريد شوقي في فيلم "قطة على نار"، قبل أن تتفجر موهبتها على خشبة المسرح أمام العملاق فؤاد المهندس في "سك على بناتك"، والتي أعادت مع نيللي احياء فن الاستعراض في الثقافة العربية دون اسفاف أو ابتذال.
تلك الشابة الجميلة التي تنطق ملامحها بمصريتها من النظرة الأولى، بشعر اسود "غطيس" يشبه سواد تربة الدلتا الخصبة، وعينيان سارحة حالمة، تشبه عيون موسى، فيهما شفاء للناس، يقعان جغرافيا أسفل جبهة ناصعة، تشبه أرض سيناء الفيروزية المقدسة.
وأنف نبت في خجل، صغير يبحث عن السماء، وفم لا يسكنه الا الابتسام، قبل أن تقع صاحبته فتاة أحلام شباب الثمانينيات في أزمتها الصحية العارمة، والتي أجبرتها على الانسحاب من الحياة، ومواصلة مشوارها بمعركة ضارية مع مرض خبيث، اجتث من جسدها ما اجتث، ولكن الروح ظلت مضيئة مثابرة، تماما كمصر التي جثم على صدرها مرض خبيث طيلة 30 عاماً، ولم تخمد روحها يوما أو تستكين.
وعادت شريهان، عادت لتظهر تلك المرة على أرض التحرير، ذلك المكان الذي صار مقدساً، في خضم الاحداث، دون أن تنتظر كما انتظر الكثيرون لمن تحسم النتيجة".
شريهان التي رفضت عروضاً بالملايين لتظهر على شاشات الفضائيات، ظهرت على استحياء في ميدان التحرير في خضم الثورة لتذرف دموعاً سخينة ، لعدم قدرتها على التبرع بالدم لمصابي موقعة الجمل، لتبكي صاحبة الدم الطاهر تلوث دمها نتيجة العلاج، ويبقى اصحاب الدم الملوث يسخرون منها ومن أهل "يوتوبيا" في ميدان التحرير.
وكمن تعود مصاحبة الصبر، حتى تلون به واكتسب لونه، رفضت شريهان التراجع عن قرارها بعدم المتاجرة بمحنتها، ورفضت الكلام، حتى عندما تحرش بها بعض الجهلاء عند مداخل التحرير في "جمعة الغضب الثانية" وتعرضها لخلع في الكتف، استعادت زهرة اللوتس ابتسامتها القديمة متحاملة على الألم ونفت ما حدث لها، حتى ترحم الميدان وأهله مما قد يلصق به.
زهرة اللوتس المصرية شريهان، الطفلة الشقية، وفتاة الأحلام فيما بعد، صارت رمزاً للنور، في زمن صارت الاضواء فيه مترادفا للشجاعة والوطنية دون أي "بهارات".

أرشيفي السينمائي : إستسلام الملك...!!!!





ذات مساء على خشبة مسرح السلام عام 1988 اثناء عرض مسرحية الرائع سعد الله ونوس الملك هو الملك، قام الفنان الكبير صلاح السعدني والفنان الراحل حسين الشربيني والفنان محمد منير بتبادل الإفيهات حول مقارنة عبثية بين المطرب الأسمر المعجون بطين الأرض وملحها محمد منير والمطرب محمد ثروت بإعتباره المطرب الرسمي للحكومة حينئذ.           
وفي هذه المسرحية تحديدا صرخ منير بصوت مصر وكلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم قائلاً " طفي النور يا بهية كل العسكر حرامية" ثم اختتم المسرحية بـ"طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا".
قبلها بأعوام ستة كان منير صاحب أول أغنية تتدخل الرقابة في حذف مقطع منها لإعتبارات سياسية بعد عرضها كاملة في فيلم حدوتة مصرية وقامت الرقابة ببتر " يا ناس يا ناس يا مكبوتة، هي دي الحدوتة"
ثم غنى الملك محمد منير- كما أطلق عليه منذ بداية التسعينيات- في حب مصر أغاني مثل  "قلب الوطن مجروح" و " شمس المغيب" وأغنية "بلاد طيبة" بمصاحبة المطربة أنوشكا ، بالاضافة للعديد من الأغنيات التي تدور حول القضية الفلسطينية مثل " قول للغريب" و" العمارة" و "اتحدى لياليك ياغروب" ليشكل بأغانيه وجدان عدة أجيال عبر ثلاثة عقود هي عمره الفني، جعلت الكثيرون – وكاتب هذه المقالة من ضمنهم- يعتبرونه صوت الشارع الناطق ، و ضمير البوح الشعبي الذي نلجأ إليه، و صاحب المساكن الشعبية التي تأوينا.
حتى عندما ذهب إلى توشكى مرغما منذ سنوات ، وقف و بكل شجاعة يغني أغنية "ياعيني عالولد" ليختمها ملقيا بكلمته الفاصلة في هذا الحفل الذي تم تسجيله قائلاً " ياعيني عالبلد"
وحتى عندما تم إلغاء حفلاته بحجة عدم استعداد الأوبرا مرة وبحجة السلامة الأمنية مرة اخرى، كان الجمهور يعتبر منير انعكاسا لحالة من الكبت التي تمارسها الأجهزة الأمنية على الأصوات الحرة، حتى فوجىء الجميع منذ ايام قليلة بالملك على خشبة المسرح يغني في عيدالقوات الجوية بل ويعلن مهرجان الموسيقى العربية الرسمي التابع لوزارة الثقافة تكريمه في دورته القادمة في تحول مفاجيء وعجيب.
قد لا نختلف على إحياؤه لحفل خاص بالقوات المسلحة المصرية ولكننا نتعجب من أن يحدث هذا بعد 30 عاما من مشوار مطرب لم يقترب من مسارح الدولة يوما للغناء منذ كان مجندا في الشؤون المعنوية في منتصف السبعينيات مع زميليه على الحجار وعمر فتحي.
وكذلك هذا التكريم المفاجيء الذي يناله بعد الإتفاق بساعات وكذلك من قبلها غناؤه على مسارح الإسكندرية لاختيارها عاصمة للسياحة العربية.
فهل استسلم الملك وقرر أن يكون صوتاً رسمياً للدولة تاركاً الناس لمن يشعر بالناس ، مستعينا بمقطع في إحدى أغانيه القديمة يقول " تاهت عيني مش شايف الناس ولا الطريق" ، فإن كان اختار الطريق وترك الناس فقد خلع تاج الملك الذي إكتسبه بحب الناس، واكتفى برداء السلطان.
محمد منير يحتاج الآن لأن يسمع أغنيته التي غناها في مسلسل "أهلا جدو" أمام النجم الكبير فريد شوقي "مقدرش ابيع جدي"
وهو يصدح مغنياً "ازاي اقطع جدوري ، ازاي دي مش أصول ، ازاي أقطع أصولي، وأعيش من غير اصول"

أرشيفي السينمائي : محمد دياب ..... القديس





قليلون من يملكون روحاً مقاتلة، متسامحة في الوقت ذاته، فعادة المحاربون القسوة وعدم الغفران، لكن صاحبنا هذه المرة فنان مقاتل بطبعه منذ بداية طريقه الفني ككاتب للسيناريو، حتى حقق حلمه بالإخراج في فيلم حاز على إعجاب الجميع، وفجر قضية حساسة يعاني منها المجتمع المصري بشدة في السنوات الأخيرة، مما أدى لتشديد قوانينها وتجريمها، وشارك في ثورة 25 يناير حاملاً روحه ليقدمها دون انتظار أي مقابل، تماما كما قبل أن يخرج فيلمه الأول دون مقابل، حيث تتحكم فيه روح المقاتل الذي يرغب في تأدية الواجب بلا ثمن.
وتشع من خلال هذه الروح المقاتلة طاقات لا محدودة من التسامح، تجعلك تتصور أن صدره في اتساع العالم، حيث يتقبل ما لا يتقبله أحد، بابتسامة وصبر وجلد المحاربين، وكأن المحارب خلق للتسامح.
محمد دياب ابن الاسماعيلية الذي بدأ حياته مؤلفاً لفيلم الجزيرة، صاحب البشرة السمراء والشعر القصير والعيون المبتسمة التي تسكن وجهاً بيضاوياً شديد المصرية قال فيه المختصون " يصادف ان اصحاب الوجه البيضاوي لهم حظ كبير بالحياة ، وهم عادة ذوات اخلاق هادئة ونفوس كريمة طيبة فهم يحبون المرح ويسعدون بالحياة وليس من طباعهم المكر والدهاء... فوجوههم كالكتاب المفتوح يمكن لاي شخص ان يعرف ما بداخلهم , وهم غالبا طيبين القلب لدرجه كبيرة" ، وكأن دياب قد أتي ليؤكد النظرية التي تشبهه تماماً.
صاحب فيلم 678 الذي فضح فيه التحرش كان حريصاً خلال ثورة يناير على ملازمة الميدان، على التصدي من خلال بعض البرامج لاعداء الثورة، وعلى كتابة مقالات تحرر عقول الناس وتدعوهم للايمان بقدراتهم في تحديد مصائرهم.
محمد دياب الفنان الذي يخطو بخطوات واثقة نحو حلمه، الذي يدركه جيداً ، والانسان الذي يستعد خلال شهور قليلة ليكون أباً للمرة الأولى، شاب مصري تماماً تعلم أن يفعل مايؤمن به، ليؤمن به الجميع فيما بعد، وان هاجموه في البداية، لتبقى على وجه ابتسامة مريحة تبقى حتى ينتهي الهجوم ويبدأ الاقتناع وتلك سمات القديسين.

أرشيفي السينمائي : منى زكى .... ممثلة النصف تون





تمتعنا الموسيقى الغربية كثيرا , لكننا كشرقيين لا يدغدغ مشاعرنا ويحرك قلوبنا وينتزع الآهات من داخلنا الا الموسيقى الشرقية , التى يشكل اختلافها الاساسى عن مثيلتها الغربية انها تستعمل فى ألحانها نغمة الربع تون , بينما تستخدم الأخرى النصف تون , وكأن هذا الربع الفارق هو صاحب هذا التأثير.
نجمتنا منى زكى عبر مشوار سينمائى يزيد عن خمسة عشر عاما بدأته بدور صغير على المسرح فى " بالعربى الفصيح" , ثم اشرق نجمها فى دور "علا" زوجة ابن النجم يحيى الفخرانى فى مسلسل "نصف ربيع اخر" , مرورا ب "سيادة" فى "صعيدى فى الجامعة الامريكية" , و "تهانى " فى " اضحك الصورة تطلع حلوة" ثم "افريكانو"" ايام السادات"  "مافيا" " سهر الليالى" وغيرها حتى الوصول لمحطة " احكى ياشهرزاد" و " ولادالعم" , بدت تماما كالموسيقى الغربية ذات النصف تون .
فرغم وقوفها امام نجوم عمالقة بحجم احمد زكى ويحيى الفخرانى و نور الشريف الا انها لم تترك ذلك التأثير لدى جمهورها فقط اعجبهم ادائها وانصرفوا دون حدوث الفارق .
ورغم تعاملها مع كبار مخرجى عصرها وعلى رأسهم يسرى نصر الله و شريف عرفة الا ان ذلك لم يغير من طريقة ادائها التى تنتمى لمدرسة قديمة فى السينما المصرية سبقتها اليها النجمة ميرفت امين ومن قبلها مريم فخر الدين.
اداء تمثيلى بسيط غير عميق يعجب المشاهد ولا يؤثر فيه على عكس الاداء التمثيلى لنجمات مثل هند صبرى و منة شلبى صاحبات النكهة الشرقية الخالصة , تلك التى تشعر وانت تشاهدها انها الحبيبة و الاخت والصديقة فتنفعل وتتأثر.
منى زكى مبدعة تنتمى لمدرسة خاصة لا يتمكن الملايين من ابناء المدارس الحكومية من التأثر بها لانها خارج حدود مشاعرهم



أرشيفي السينمائي : شارلي شابلن..... نبي الضحكة وصعلوك السعادة





للسعادة أنبياء من بني البشر، أرسلهم دون وحي ليهبوا للعالم ضحكاته، ليضيئوا القلوب التي أظلمها الحزن، ويبددون سحب الكآبة ليصفو الجو، وشارلي شابلن هو أحد هؤلاء الأنبياء الذين وهبوا عمرهم للدعوة إلى السعادة حتى أنه قال ذات ليلة " يوم بلا ضحك هو يوم ضائع"، ذلك الفتى الصغير الذي بدأ مشواره الفني في السادسة من عمره حين كان يقدم الأغنية الشعبية "جاك جونز" في "الميوزيك هول"، ولكن سرعان ما جذبه الرقص والتمثيل الصامت الذي تعلمه على يد "فريد كارنو" صاحب مدرسة "البانتوميم" الإنجليزية، ليصبح في غضون سنوات، أحد ألمع ممثلي العالم في التاريخ.
شابلن الذي أهدى أحد أستاذته في فن التمثيل الصامت ماكس ليندر تألق في هذا الفن تحديداً قبل نشوب الحرب العالمية الأولى وصار فارسه الأول في العالم الغربي، بشخصية هذا الصعلوك التي صارت شخصية عالمية، وصارت رمزاً للسينما الصامتة، حتى أن شابلن رفض أن يحولها لناطقة بعد دخوله عصر السينما الناطقة.
ذلك الصعلوك الذي وهب العالم ثروة من السعادة، انتقل ما بين بريطانيا وأمريكا عدة مرات، ومنع من تأدية فنه لفترات طويلة في العصر "المكارثي" قدم ابتكارات السينمائية عديدة جداً وتحتاج لوقفة مطولة ... ولكن باختصار نستطيع القول أنه بالإضافة للتيمات الكوميدية الشهيرة التي قلدت مراراً وتكراراً بعده، قدم شابلن أول لقطة "عمق المجال" في تاريخ السينما في فيلمه "حمى الذهب". وأول "لقطة مشهدية" في تاريخ السينما في فيلمه "الملاكم"وكان له السبق في النقد الاجتماعي والسياسي في وقت لم يكن يجرأ أحد غيره على فعل ذلك.
وان كان شعار شابلن الذي عمل صغيرا كخادم وبائع وراقص كلاكيت هو "لن تجد قوس قزح ما دمت تنظر إلى الأسفل"، فلقد نجح في أن يطرح ملايين من ألوان السعادة من خلال قوسه السماوي عبر شفاه ملايين البشر التي لم تكل من الابتسام بسببه.
شابلن الذي ولد في مثل هذا اليوم هو الذي قال عنه الأديب العظيم جورج برنارد شو "انه العبقري الوحيد الذي خرج من الصناعة السينمائية"، هو الاب الشرعي للضحكة على الشاشة الفضية.

أرشيفي السينمائي : بسمة .... أول حبة ''كريز'' مصرية





لا تنبت أشجار"الكرز" في مصر، لذلك اعتدنا على استخدام  ثمرها "الكريز" في تزيين الحلويات الغربية، وكأننا كمصريين حكمنا عليه بالاغتراب مزروعا و مأكولاً، حتى جاءت بسمة لتكسر القاعدة، حبة الكرز التي أثمرتها شجرة توت مصرية أصيلة تمتد جذورها بعرض النيل.
أول ما تقابله في بسمة ابتسامة عريضة، تحمل في طياتها طريقة خاصة في الحياة، اختارت أن تعلنها عبر عينين مقاتلتين تلقى دائما بنظرة متحدية دون حتى اي قصد، اختارتا أن تحارب الحزن منذ البداية، بالاضافة شقاوة فطرية طفولية تفضحها الضحكة والحركة.
بدأت بسمة حياتها العملية كمذيعة لاحد برامج مسابقات الأغاني، وتماما كحبة "الكريز" تم استخدامها فقط للزينة، حتى عندما شاركت في فيلمي "المدينة" و"الناظر"، ولأنها بفضل جذور شجرة التوت التي تنبت من صدر جدها المناضل المصري يوسف درويش - رحمه الله - وام تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، تمردت لتقدم أول أدوارها الحقيقية في فيلم النعامة والطاووس، كاشفة عن "تسبيكة" خاصة لا تملكها سوى حبة كرز مصرية.
لتقدم بعد ذلك ليلة سقوط بغداد، وكذلك رسائل البحر، لتثبت حبة "الكريز" قدميها في السينما، وتضع غراس أول شجرة كرز مصرية، بسمة التي تشبه تماماً شخصية "نورا" التي لعبتها في رسائل البحر، تلك الفتاة الموهوبة الفنانة، التي بحثت عن فرصة لتعلن عن نفسها، التي تعشق الحياة، وتمارس التمرد كعادة يومية محببة، وتبحث دائماً عن النور.
بسمة التي شاركت يوماً بيوم في ثورة الخامس والعشرين من يناير، واهبة ذلك الوطن روحها وكل ما تملك، لتؤكد نظريتها الخاصة جدا، بأن الأرض الطيبة في مصر، يمكنها أن تنبت أفضل أنواع الكرز "المسبك".

أرشيفي السينمائي : ''لا مؤاخذة'' يا رقـــــــــــــابة





 تعريف الرقابة اللغوي هو "عملية مستمرة متجددة، يتم بمقتضاها التحقق من أن الأداء يتم على النحو الذي حددته الأهداف والمعايير الموضوعة، وذلك بقياس درجة نجاح الأداء الفعلي في تحقيق الأهداف والمعايير بغرض التقويم والتصحيح".
وللرقابة تصنيفات عديدة منها الرقابة على الأغذية والأدوية والأداء البيئي وهذه التصنيفات تتواجد بصورة فاعلة في المجتمعات المتقدمة، أما الرقابة على الإبداع فلا تتواجد إلا في تلك الدول المتخلفة التي تعاني قهورا واإستبداداً، ليتحول تعريف الرقابة فيها إلى " أداة يستعملها الحاكم أو الآمر للقنع والكبت ومنع المبدع من توصيل فكره للعامة، حرصاً على مصلحته الشخصية".
والرقابة في مصر عبارة عن كيان تم تفعيله ما بعد ثورة يوليو لمنع أي أفكار مضادة للنظام الوليد حرصاً على نجاح تلك الثورة، وما لبث أن تحول لأداة في يد ديكتاتور لقتل ووأد أي حلم لمبدع يفكر في غير تأليه الحاكم أو عرض ما تعانيه البلاد.
واستمرت إلى أن تحولت أخيراً في نظر القائمين عليها إلى أداة لحماية أمن مصر العام وسمعتها وكذلك صورتها الطيبة في عيون العالم.
أعتذر عن تلك المقدمة الطويلة جداً التي دفعني إليها قراءتي لسيناريو فيلم "لامؤاخذة" للفنان عمرو سلامة، والذي رفضته الرقابة "الحريصة" و"الحويطة" حرصاً على الصالح العام وخوفاً من تكدير صفو المجتمع المصري الرائق بفيلم يتحدث عن التمميز الطائفي المتنامي بعنف في هذا المجتمع، الذي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه إذا لم نستفيق ونبحث في جذوره وأسبابه لعلاجه.
قام المخرج والكاتب عمرو سلامه بدوره كمبدع ودور السينما كأداة لتعرية المجتمع وكشف عيوبه، وقدم السيناريو الذي يدور حول طفل مسيحي تجبره ظروف ما على الالتحق بمدرسة حكومية بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة أجنبية، فيجد نفسه مضطراً لاخفاء دينه عن مجتمعه الجديد حرصاً على الاندماج فيه، قصة بسيطة جداً ولكنها رائعة، تكشف من خلال مجموعة من الاطفال - بالاضافة الى مدرسيهم - الحال الذي وصلنا إليه من تقييم لاعب الكرة بناء على تدينه لا مهارته، وتقييم الانسان بناء على حجم "زبيبة" الصلاة في وجهه دون النظر لأخلاقه.
ولكن رقابتنا الحصيفة رفضت السيناريو، الذي رأت فيه ما لا يحتمله مجتمع يلتهب الان بأحداث عنف طائفي، يشير البعض إلى أن يد خارجية تعبث فيه لمصلحتها الخاصة، وبعلم كل مواطن في بر مصر أن هناك ما في النفوس، والذي يتنامى منذ أول حادث عنف طائفي سنة 1972.
رفضت الرقابة فيلم "لامؤاخذة" لأن عمرو سلامة بلا ظهر يحميه، ولأنه كتبه إحساساً بالوطن وبدور عليه أن يلعبه، ووافقت على أفلام من نوعية "أحاسيس" و"بون سواريه" على الرغم من أنها أفلام تستحق محاكمة صانعيها ومن سمحوا بها، لأنها لا تعد إبداعاً يؤخذ ويرد عليه، بل تدميراً لوعي جيل بأكمله وكذلك حسه الفني.
"لا مؤاخذة يا رقابة أشوف فيكي يوم من أيام تونس"

أرشيفي السينمائي : المليجي الاسطوري .... شريط سينما لن ينتهي





 الجندي الحقيقي يفضل الموت في ساحة المعركة، و المحارب صاحب العقيدة تسعده النهاية إذا جاءت بين ما بذل عمره من أجله، وفارسنا الفنان الكبير محمود المليجي الذي توفي منذ 27 عام قضى نحبه في موقع تصوير فيلم "أيوب" بعد أكثر من 50 عاماً من مصاحبة الكاميرا التي اعطاها حتى عشقته.
المليجي الذي انضم إلى فرقة الفنان فاطمة رشدي في بداية الثلاثينيات للعمل في بعض الأدوار الصغيرة، و الذي كلفه فشل فيلمه الأول "الزواج" ترك التمثيل والعمل في فرقة رمسيس نجيب كملقن، وكأنه لا يمكنه الحياة بعيداً عن فن التمثيل.
ذلك الفنان الذى اقنعه الممثل الكبير عزيز عيد في عشرينيات القرن الماضي أثناء انضمامه لفريق التمثيل في مدرسته أنه لا يصلح للتمثيل وعليه أن يبحث عن مهنة أخرى بل وزاد على هذا أن رفض أن يعطيه أى دور في مسرحية ختام الموسم المدرسي، قبل أن يخبره أن له مستقبلاً كبيراً و أنه فقط خشى عليه من الغرور، لم يعد للتمثيل إلا بعد أن استدعاه ابراهيم لاما لأداء دور "ورد" غريم "قيس بن الملوح" في فيلم "ليلة ممطرة" عام 1939 ليلتصق به دور شرير السينما لاكثر من 30 عاما، ختى استدعاه المخرج يوسف شاهين لأداء دور"محمد أبو سويلم" في فيلم الأرض، فابدع شريراً و تألق طيبا.
ذلك الفنان العبقري الذي صرح يوسف شاهين بأنه يخاف من نظراته و هو أمام الكاميرا، صاحب الأداء السلس والتلقائي، الذي نجح في تطوير أدائه التمثيلي عقداٍ بعد عقد رغم النجاح الذي كان يحققه،
فمن منتصف الثلاثينيات و من أدائه السطحي كشرير نموذجي لتلك الفترة يكتفي بتعبيرات و ألفاظ محددة و محفوظة إلى بداية الخمسينيات و تحديداً من فيلمي امير الإنتقام و ابن النيل عام 1950 حيث اعطي بعداً أخر للشر من خلال أداء مختلف و متوازن و غير كاريكاتوري، ثم إنتقاله في بداية الستينيات إلى شرير صاحب عمق قد تتعاطف معه أحياناً كما كان في أفلام صراع في الجبل و هارب من الايام و حتى في أدواره التاريخية كفيلم واإسلاماه و الناصر صلاح الدين، ليتخلص دور الشرير تماماً من كل المؤثرات الدرامية الساذجة و يصبح حياتياً مقبولاً طبيعياً.
محمود المليجي هذا الممثل العبقري الذي ابهر شاشة السينما فصنعت منه نجماً في سماء الفن، و الذي يهدي إليه مهرجان القاهرة السينمائي دورته الحالية تم تعريفه في "الويكيبيديا" على أنه ممثل مصري من أصول كردية، تماما كما ان محمد ابو سويلم من أم اجنبية.

أرشيفي السينمائي : عبدالعزيز مخيون ... دون كيخوتة السينما المصرية .




فى تلك الليلة الصيفية فى منتصف الاربعينيات  فى  تلك القرية القريبة من مدينة أبو حمص ذات الرصيد التاريخى الطويل منذ العصر الفرعونى حتى العصر الأسلامى  ولد عبدالعزيز مخيون  الذى سُمى على اسم عمه  السياسى الذى يخوض انتخابات مجلس الأمة , وفى مدرسة المدينة الابتدائية  وعلى يد استاذه حسن قدرى المحب للفنون خاض اول تجاربه المسرحية  فعرف المسرح وعشقه .
ومالبث أن تفتح وعيه على ثورة يوليو فاستقبلها كاستقبال الارض العطشى للماء وعبر الاذاعة التى عشقها تنسم اخبارها  وآمن بمبادئها , وعلى مفترق الطريق الذى يبدأ كل شاب عنده فى اختيار طريقه , قرر عبدالعزيز مخيون الالتحاق بالكونسرفيتوار ولكنه فشل فالتحق باختبارات معهدى السينما والفنون المسرحية  ونجح فى كلا الاختبارين لكنه اختار الفنون المسرحية لعشقه للتمثيل .
وحين رفض المعهد التحاقه به , ارتدى للمرة الاولى ثوب المقاتل الذى لن يخلعه بعد ذلك فقدم شكواه للجهات المسئولة حتى حصل على حقه والتحق بفرقته الدراسية  حتى تخرج من المعهد فى منتصف الستينيات لينضم الى القوات المسلحة مقاتلا اجادت اختياره , ليذوق مرارة النكسة ويعمل بجد حتى يتذوق حلاوة النصر , ويترك العسكرية وهو يحمل على كتفيه خبرة وشرف المشاركة فى حربين , وما بين مشاركته فى بداية طريقه بادوار صغيرة فى افلام بحجم "الكرنك" و " اسكندرية ليه " و " حدوتة مصرية " وحصوله على منحة للسفر الى فرنسا لاكمال دراسته المسرحية لم يخلع الفارس ابدا درعه ولا وضع سيفه .
لم يقدم تلك التنازلات المعهودة لنجم فى بداية الطريق بل اكتفى بتصيد الفرص الحقيقية لصعود درجات سلم يناسب موهبته الحقيقية ولا يخذل ذلك المقاتل بداخله , الى ان منحه المخرج  على بدرخان عام 1986 دور البطولة فى فيلم " الجوع " بجوار نجوم فى حجم سعاد حسنى ومحمود عبدالعزيز ليثبت الفارس انه رفيع الموهبة رائع الاداء , ولكنه  مثل "دون كيخوتة " ذلك الفارس الطيب الذى اراد احياء الفروسية بعد موتها فخرج الى البرية ليواجه الشر ويحاول القضاء عليه فيواجه اعداء ليسوا باعداء واخرين صاروا اعداء من حيث لا ينتظر العداوة و واجه مخيون فى رحلته العديد من المطبات والعثرات و التقط بينها أنفاسه ببعض الاعمال الدرامية القيمة مثل " انا و انت و بابا فى المشمش " و " ليالى الحلمية " و " ام كلثوم "و افلاما مثل " الهروب " الا انه سقط جريحأ على شفا الموت  بيد الخيانة فى جريمة تلقى فيها العديد من الطعنات وظل ملقيا يواجه حتى الموت بروح المقاتل الذى لا يلين , ذلك المقاتل الذى مكنه من مقاومة الاصابات و الاستشفاء  والعودة للحياة بنفس الروح المرهفة الحساسة التى رفضت ان تركب الموجة ورفضت الالقاب الرنانة ¸ فاختار المعارضة املا فى مستقبل افضل  ولم يلق بالا  لكل العقبات التى وضعت فى طريقه لانه انضم لاهل أرضه وفضل ملح الارض على قمة المجتمع .
 فنان مثل عبدالعزيز مخيون هذا اليسارى الشاب الذى صار الان كهلا وطنيا... فارس حقيقى خاض غمار العمل الفنى والسياسى معا دون أن يتنازل,  يستحق اكثر بكثير و موهبة بحجم موهبته تستحق مكانا افضل لولا فقط اننا فى عصر ينحنى فقط للانحناء.

أرشيفي السينمائي : ميكروفون .... ''نــوتـة'' موسيقية تكتب شهادة ميلاد لسينما جديدة




قليلة هي الأفلام التي تهبك البهجة وميكروفون هو أحدها ...
دخلت إلى قاعة العرض التي سيعرض فيها الفيلم متوجساً لأني لست من عشاق فيلم هليوبوليس التجربة السابقة لفريق العمل المخرج والسيناريست أحمد عبدالله والفنان خالد أبو النجا، وغادرتها سعيداً بكم هائل من البهجة يملأ روحي.
فمنذ الستينيات و السينما المصرية عاجزة عن صنع فيلم غنائي حقيقي، واكتفت خلال 50 عاماً بمحاولات شرفية لم ترق إلى الجدية من خلال الإستعانة بمطرب يقوم ببطولة الفيلم و يغني بعضاً من أغانيه - ينعي ولده ويصلح أحذية - وأعلنت السينما الخصام مع الموسيقى ، حتى أتى ميكروفون ليصالحها عبر أداء مجموعة من فرق "Under Ground" السكندرية لمجموعة من أغانيهم الخاصة التي منحت الفيلم حيوية متدفقة، وأعطت المشاهد بعداً حميمياً أستغله أحمد عبدالله جيداً من خلال تطويع السيناريو ليشبه أبطاله، فتماسكت الخيوط الدرامية فيما يشبه النوتة الموسيقية.

اعتمد الفيلم منذ بدايته على خطوط درامية متفرقة تتجمع بين يدي شابين ( يسرا اللوزي وأحمد مجدي) يقومان بصناعة فيلم وثائقي عن الفرق الموسيقية في مدينة الاسكندرية، ويشاركهما مصري عائد من الخارج ( خالد أبو النجا ) بعد إقتناعه بحيوية موسيقاهم وصدق فنهم في الحلم بتقديم تلك الفرق للطرف الثاني من المعادلة الفنية وهو الجمهورمن خلال إقامة حفل فني لهم ، ثم يعاني من الإخفاقات المتكررة نتيجة التعنت الحكومي في المركز الثقافي المسؤول عن تقديم مثل تلك الأفكار - والتي سبق وعانت الفرق نفسها منه واحدة تلو الأخرى - حتى يقرر الإعتماد على نفسه حتى يصطدم بالتعنت الشعبي نتيجة التغيير الذي أطاح بالحريات للمجتمع ككل.
إلا أن كل تلك الإخفاقات لم تمنع البهجة في أن تتدفق في كل مشهد شاركت فيه تلك الفرق من خلال أداء حقيقي جدا وتلقائي للغاية أو من خلال أغانيهم المستمدة من كل أزمات المجتمع المصري وكبواته، وعلى الرغم من أني لست من عشاق موسيقى الهيب هوب والراب اللاتي تقدمها تلك الفرق إلا أني استمتعت تماما بكل أغنية في الفيلم، لأنها مستقاة من أرواحنا كمصريبن وتحمل نبض شبابنا.

السيناريو في حد ذاته مكتوب بحرفية عالية جعلته سيمفونية عزفها كل المشاركون في الفيلم، من خلال إيقاع لاهث شارك فيه أكثر من 45 ممثل ما بين مبتدىء ومحترف، أضاف إليه الإخراج عنصر أخر من خلال المزج بين الواقعية والأداء الفطري لممثلين يقدمون حياتهم الحقيقية وممثلين محترفين  تجبرهم النوتة الموسيقية على الإنصياع لعجلة التلقائية والواقعية الدائرة في الفيلم.
أعتمد المخرج أحمد عبدالله على ملكته الخاصة في المزج ما بين الوثائقي والروائي في فيلم واحد وان تفوق على نفسه هذه المرة لأنه أحس وشاهد ودرس على العكس من فيلم هليوبوليس، وكذلك تمكن من خلال الإيقاع السريع في عرض الوثائقي دون أن يشعر المشاهد بالملل، وان كان الخط الدرامي الخاص ببائع الشرائط غير مبرر في الفيلم، خاصة وأن حذفه بالكامل لن يضر بالفيلم .
كاميرا طارق حفني - الفوتوغرافية - كانت بطلاً في هذا الفيلم من خلال مجموعة من المشاهد الحية، والتي اتسقت تماماً مع حالة الفيلم وصدق أبطاله، خانتها فقط في أحيانا قليلة الإضاءة.
الأداء التمثيلي ككل والذي امتزج فيه الإحتراف بالحقيقة أكمل النوتة الموسيقية التي كتب عليها سيناريو الفيلم، فاتخذ كل نجم موقعه تماماً على السلم الموسيقي بين حيوية المبتدئين وموهبة المحترفين.
وان كان النجم خالد أبو النجا قد قال لي في حوار سابق معه أن فيلم ميكروفون يملك "باسبورا" يمكنه من السفر للعديد من المهرجانات، إلا إنني اضيف  أن فيلم ميكروفون قد أصدر شهادة ميلاد لسينما مصرية جديدة ومختلفة، سينما تحمل بكل مفرداتها المعنى الحقيقي لكلمة سينما.

أرشيفي السينمائي : حكاية لعبة 3 , تحيا الثورة و تسقط الديكتاتورية .




ان تمجد العمل و تعلو بقيمة الوفاء فى فيلم للاطفال , فهذا شىء رائع , وهذا هو ما بدأ به فيلم حكاية لعبة 3 , عندما اجتمعت اللعب برئاسة " وودى " راعى البقر الشريف زعيمهم لتتسائل عن مصيرها بعدما كبر " اندى " صاحبها و اهملها وبات على بعد ايام قليلة من الانتقال للجامعة و ترك المنزل , وفى الاجتماع يحاول وودى ككل الزعماء تهدئة الاوضاع و بعث الطمأنينة فى اتباعه الذين اشتاقوا لممارسة الالعاب بيد طفل يحبهم .
وفى نهاية هذا الموقف يقرر " اندى " - صاحب اللعب - وضع كل ألعابه فى سقيفة المنزل و اصطحاب "وودى"  معه الى الجامعة حيث انه لعبته الاثيرة , و يحدث خطأ ما ليقلب الاحداث راسا على عقب .
و يبدأ الفيلم فى التمجيد للثورة و محاربة الظلم و مقاومة الديكتاتورية التى يمثلها دب من الفراء يسمى " المعانق " يسيطر على حضانة اطفال و على اللعب بداخلها , و يفرض ديكتاتوريته عن طريق لعبة طفل ضخمة الحجم تمثل ذراعه القوية , يبطش بها بكل من يفكر فى التمرد على قوانينه , وذراعه الاخرى " كين " تلك اللعبة الانيقة الماكرة التى تصبح بجوار القوة اداته لفرض السيطرة على شعب اللعب فى حضانة الاطفال الواسعة .
وعند اول صدام بين لعب " اندى " التى تم نفيها الى اسوء قاعات الالعاب , ليلعب بهم اطفال اشقياء  سنهم لا يسمح لهم بهذه الالعاب فيعملون على تدميرها و تلوينها و العبث بها , فيحاولون الهرب بقيادة " باظ يطير " نائب القائد اندى الذى فر بعد ان حاول اقناعهم بالعودة لبيت " اندى " وان ما حدث لهم لا يعدو كونه غلطة , فلم يصدقوه .
يتم القبض على باظ و يقوم الدب بمحاولة رشوته و اغوائه و لكنه يرفض كالفرسان الشرفاء , فيقوم الدب الديكتاتور بمساعدة احد علمائه و اذنابه بالحصول على كتالوج تلك اللعبة و اعادة محو ذاكرتها ليمكنه السيطرة عليها - غسيل مخ - و يدفع به لحراسة باقى اصدقائه الذين اختفوا من ذاكرته .
و هنا يعود البطل المنقذ و الزعيم " وودى " لانقاذ زملائه - الثورة تنتظر زعيمها - و بمعاونة احد اللعبات الطيبة المغلوبة على امرها يعلم بكل مخارج الحضانة و اماكن حراسها , و يقود محاولة ملحمية للفرار تنتهى بمواجهة عصابة الدب الديكتاتور و حديث شيق جدا عن النظام الهرمى الذى صنعه الدب الديكتاتور لقيادة لعب الحضانة , وعن تلك الحاشية التى اصطفاها لتستفيد بكافة المميزات و هو على راسها و الباقين الذين فرض عليهم القهر بل و السجن احيانا لحماية وترفيه النخبة الحاكمة .
و ينجح " وودى " قائد الثوار فى اقصاء هذا الدب عن طريق لى ذراعه القوية و اقناعها بالانقلاب عليه , لتصبح ذراعه الباطشة هى اول من يبطش به - اشارة الى انقلاب السحر على الساحر و حاجة الثوار الى استخدام ذكائهم ان غابت قوتهم - .
و ينتقل الفيلم الى مرحلة اخرى بعد ذلك تحث على حب الاصدقاء و الارتباط بهم و التضحية من اجلهم حتى يعود الجميع الى بيت " اندى " الذى يقرر اهدائهم لصديقة صغيرة , تعود للعب بهم مرة اخرى فتحل السعادة على الجميع
و فى النهاية و امام تلك القاعة ادركت عبقرية الفيلم عندما رفض صغيرى ان يتبعنى و اتخذ طريقه الى الباب وحده فى مسار اخر بدا اقل من مسارى بكثير

أرشيفي السينمائي : الرب ...... والسينما




 في ظل ما يسمى بـ"أسلمة" الدولة المصرية التي على حسب ما نعرف دخلها الإسلام منذ 1400 عام، وبداية فرض قيود جديدة على الإبداع وحريته بحجة أنها تتنافى مع الآداب الإسلامية والشريعة بغرض إنتاج فن بما لا يخالف شرع الله، كخطوة أولى للقضاء على الفن تماماً والعودة لأزمنة التخلف والإنحدار، قررت البحث عن تلك الأفلام التي إستعان فيها صناعها بالرب الإله كشخص محرك أساسي في الأحداث، وكيف تم تجسيده وما هي تلك التساؤلات التي طرحوها من خلال تلك المعالجة الجريئة، متمنياً أن يفكر القاريء ثلاث مرات قبل أن يكمل المقال في نوعية السباب الذي سيسبني به، وكذلك ألا يتم منع عرض تلك الأفلام بعد ذلك ومحاكمة صناعها بتهمة الهرطقة والكفر والعياذ بالله.

أولاً : فيلم قلب الليل
عن قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ - الذي يتهم حالياً بالحض على الرزيلة - صاحب الرواية الأكثر جدلاً في تاريخ مصر الأدبي - أولاد حارتنا - والتي منعت من النشر بحجة أنها إعادة تقديم لتاريخ الأنبياء وأن بطلها الجبلاوي الذي مات في أخر فصولها هو الله، ويقدم محفوظ في قلب الليل تصور جديد لفكرة الحفيد - الإنسان - الذي يدرس في الأزهر في رحاب الجد - وهو هنا الرب - والذي يقرر التمرد عليه فتفسد حياته بالكامل ويخرج من رحابه، وكم كان عاطف الطيب مخرج العمل واضحاً في صياغة الفكرة خاصة في ذلك المشهد الذي يدخل فيه الحفيد صغيرا غرفة جده المضاءة بطريقة خاصة للغاية لتبدو وكأنها الجنة، وكذلك أداء فريد شوقي المميز جدا في الفيلم، والذي كان يعرف جيداً أي دوراً يؤدي.

ثانياً : فيلم البحث عن سيد مرزوق
سيناريو وحوار المخرج الكبير داوود عبدالسيد والذي يتناول من خلال الفيلم الحياة البسيطة لبطل الفيلم التي تتغير لتدخل سيد مرزوق فيها - الفنان على حسنين - والذي يخوض بيوسف - نور الشريف - هذا الإنسان البسيط غمار الحياة ثم يتركه وحيداً ليتهم بعد ذلك في قتله، وليظل هارباً يبحث عنه طيلة الفيلم في رحلة بحث لا تنتهي للوصول إلى بر الآمان، وهي مسألة متكررة في أفلام داوود وتم صياغتها في هذا الفيلم بحرفية عالية لتمر من الجميع دون أن يلتقط أحدهم طرف الخيط، ولتبقى رحلتنا في البحث عن الله والوصل للإيمان مشروطة ببذل الجهد والخروج للدنيا، ليس فقط البقاء بين جدران المساجد.

ثالثاً : فيلم سوق المتعة
عن سيناريو وحوار السيناريست وحيد حامد ومن إخراج سمير سيف، ويتناول الفيلم تلك الصفقة التي أدخلت بطل الفيلم أحمد - محمود عبدالعزيز - السجن - أو أنزلته الأرض تاركاً الجنة - ليخرج منه بعد ذلك غير متأقلماً على موطنه الأصلى، وأدى الدور هذه المرة الفنان حمدي أحمد والذي أطلق عبارة صريحة للغاية من خلال الحوار حين قال مخاطباً البطل "أنا بتقابلني مرتين لما أديك الحياة ولما آخدها منك"، ويطرح الفيلم عدة تساؤلات خفية عن علاقة الإنسان بالحياة والتحولات التي تفرضها عليه الظروف.

رابعاً : فيلم أرض الخوف
نعود من جديد لداوود عبدالسيد صاحب الأطروحة الدائمة حول الشك والإيمان وعلاقة الإنسان مع ربه، وفي هذا الفيلم يتناول فكرة إرسال يحي - أدم أو الإنسان - الذي قام بدوره الفنان أحمد زكي  إلى أرض الخوف ليقوم ضابط الشرطة النقي بالعيش بين تجار المخدرات، ثم إنقطاع الرسائل عنه بعد خروج قادته من الخدمة، وبقائه في الأرض وحيداً مطارداً، وهنا لم يتم تجسيد الرب مباشرة - ربما فقط من خلال العقيد الذي كان يرسل الرسائل ليحي - ولكن تم طرح فكرة الإغواء من خلال مشهد التفاحة الشهير، وكذلك تناول الفيلم ضيعة الإنسان على الأرض.

استعرضت خلال هذا المقال أربعة أفلام ناقشت مواضيع إيمانية بصور مختلفة، والعدد قد يكون أكثر بكثير، لم يسيء أحدها لرب العزة، ولم تلفت إنتباه أصحاب العقول الضيقة لأنهم لم يستوعبوها، وهي أفلام ذات قيمة فنية عالية، تضع المشاهد أمام تساؤلات هامة، يخوض بها رحلته كإشارات، في تأكيد على دور الفن في الحياة، كذلك في تأكيد على أن الحرية لا تصنع مسوخاً، بل تقضي على المسوخ شيئاً فشيئاً.

أرشيفي السينمائي : في ذكرى رحيل ساحر السعادة.... الأغنية الشعبية في حداد





"الألفة"كما أطلق عليه ابناء جيله، ثالث ثلاثة التقوا في منتصف سبعينيات القرن الماضي وبعد نهاية حرب اكتوبر في ردهات الشئون المعنوية للقوات المسلحة، وتم تكليفهم بالغناء في كل وحدات الجيش، للإحتفال بالنصر والمحافظة على ارتفاع الروح المعنوية، وفعلوها خلال سنة، لم يكلوا أو يملوا لحظة عشقاً لتراب هذا الوطن،  هؤلاء الجنود الثلاثة هم  محمد منير، وعلى الحجار، وعمر فتحي.
يعرف هذا الجيل محمد منير جيداً، ويعرفون أيضاً على الحجار وإن كانوا أقل شغفاً به على العكس من "سميعة" الثمانينيات، ولكن لا يعرفون "الألفة" عمر فتحي، والذي استحق لقبه لأنه كان نجم جيله، وكان المطرب الأعلى أجراً على الإطلاق، وكان زملائه عندما يرغبون في رفع أجورهم يطالبونه برفع أجره أولاً.
شاب مصري صميم تلمع عيناه بصورة ملفتة للنظر، على وجهه إبتسامة دائمة، تشكل ملامحه مجتمعة صورة راقص سعيد، اجتاح الوسط الغنائي رافضاً إرتداء الزي الرسمي على المسرح، وتبعه كل من أتى بعده، كانت أول اغنياته "اتقابلوا ناس كتير" عام 1977 وبعدها بثلاث سنوات فقط أكتشف أنه مريض بقصور في الشريان التاجي، ولكن هذا لم يحبطه ولم يثنه عن حلمه في إعادة الإحترام والحياة للأغنية الشعبية في مصر، وهو المشروع الذي بدأ تنفيذه مع فرقة "المصريين" بقيادة هاني شنودة لكن القدر لم يمهله فرحل في ديسمبر 86، متأثراً بمرضه.
عمر فتحي الذي اكتشفه الاذاعي عمر بطيشة وتحمس له الفنان الراحل صلاح جاهين، لم يترك رصيداً فنياً كبيراً ، فيلم واحد هو رحلة الشقاء والحب ، ومسلسل وحوالي 90 أغنية أشهرها أغنية "على إيدك".
أطلق عليه الجمهور في بداية ظهوره لقب مطرب المرح، لأنه المطرب الوحيد القادر على انتزاع الإبتسامة  من أشد الوجوه عبوساً، يغني فيطرب الجمهور ويبتسم، دون أن يدركون سبباً لهذا الإبتسام، وكأن عمر فتحي يملك عصاً سحرية للسعادة تمس القلوب فور سريان صوته، ولأننا كمصريين كلما ابتسمنا كثيراً أو ضحكنا من قلوبنا تخوفنا وقلنا "خير اللهم اجعله خير"، كان تخوفنا هذه المرة على حق، فرحل عنا ساحر السعادة عمر فتحي عن عمر يناهز ال34، وكأن قدراً قد كُتب على الأذن العربية أن تسمع ليملكها الشجن، وهو ما تعودنا عليه منذ انتشار الغناء في العصر العباسي، وكان عمر إحدى البشارات بتغييره، قبل أن تأتينا بشارات أخرى بتسفيهه فيما يسمى حالياً بالأغنية الشعبية، رحم الله عمر فتحي على قدر ما اسعدنا.

أرشيفي السينمائي : نعيمة الصغير...... فتاة أحلام الشر على الطريقة المصرية!




إمرأة مختلفة، وفنانة أكثر إختلافاً، بدأت حياتها الفنية على درب أسلافها نجمة إبراهيم، وزوزو حمدي الحكيم، ملامح شريرة، تقدم شخصيات أكثر شراً على الشاشة، نجح المخرجون في حبسها في أدوار الحماة، ورئيسة العصابة، والمرأة أو الجارة الشريرة، واستسلمت تماما الفنانة الكبيرة نعيمة الصغير لهذا الدور، إلا أنها نجحت في إضافة بصمة خاصة بها جداً على تلك الأدوار لتصبح نعيمة الصغيرة.
تلك المرأة المعجونة بخفة دم فطرية، والتي ساعد صوتها الغليظ مع تلك الطبيعة في إضافة لمسة ضاحكة على أدائها لشخصية الشريرة، لتنجح في جعل الشر محبباً، وهو ما أدى لأن تكون نعيمة الصغير أول فنانة تقدم أدواراً شريرة فنياً تقدم إعلاناً عن مواد غذائية في التلفزيون، وهو تحقيق لمعادلة شديدة الصعوبة، تجمعت فقط في خلطة خاصة إسمها نعيمة الصغير.
ربما لم تكن فتاة أحلام المشاهدين يوماً، ربما لم تجد عاشقاً على طراز كمال الشناوي، أو أحمد عز، إلا أن عشاقها كثر، لأنها تشبه تماماً كلمة "إن شاء الله" التي ينطقها الطبيب قبل إجرائه عملية، اللص قبل أن يصعد لينفذ عمليته، هي جزء أصيل في الشخصية المصرية المسكونة بالسخرية وخفة الدم، ولهذا دخلت نعيمة إلى القلوب مباشرة..
يقولون قد تكون إلتقت يوماً بالرائعة ماري منيب، وكانت مثلها الأعلى، ويقولون أيضاً ربما كانت نعيمة تحلم بأن تصير مطربة، ولكن الحقيقة أنها تنتمي لمدرسة ماري منيب، إلا أنها "الألفة" فيها تلميذة قد تتفوق أحياناً على نمطية أستاذتها، وقد تفشل أحياناً، أما عن حلم الغناء فقد كانت المفارقة أنها بدأت حياتها الفنية بدور مطربة في فيلم اليتيمتين عام 1948، وأنها قبل رحيلها بقليل غنت في إعلانات عن مواد غذائية، محققة الحلم بطريقتها الخاصة، الحلم الذي بدأته مع زوجها محمد الصغير قبل العمل بالتمثيل بتقديم المونولوجات.
هي إمرأة لها طريقتها الخاصة في الفن والحياة، في الاداء ، هي إمرأة خاصة، تركت بصمتها في السينما على هيئة وجه شرير قادر على إضحاكك رغماً عنك، قادر على إجبار المشاهد على حب الشر ب"العافيه".

أرشيفي السينمائي : ماجدة الخطيب... فنانة ظلمتها السينما!!




 تشبه اختك، زوجتك، اخت صديقك، تملك نفس الملامح التي تجعلك تبتسم في وجهها بمجرد رؤيتها، تلك الملامح الجميلة بلا تحدي، بلا إسراف، تلك الوجوه التي تشبه هذه الأرض بنيلها الفياض وتربتها الطيبة، تلك الوجوه التي يبدو عليها المجد .. فكانت ماجدة، لكن عندما تتحدث تجبرك على الإنصات، لأن صوتها شديد التميز، يملك بحة خاصة جداً، ويكمن فيها إعلاناً دائماً على الحرب، وكأن صاحبته قائد عسكري ملهم، فكانت الخطيب ... لكن لم يشفع لها كل هذا في حمايتها من الظلم.
لأن السينما المصرية لم تظلم فناناً في تاريخها كما ظلمت الفنانة الراحلة ماجدة الخطيب، التي امتكلت كل أدوات النجاح، موهبة شديدة التألق تمكنها من أداء أي دور ، ملامح متميزة تجعلها قادرة على أن تتقمص اي شخصية، حضور وشخصية متميز يجعلها نجمة من نجوم الصف الأول، إلا أن حظها السيء لم يجعل منها نجمة إلا في فترة السبعينيات، أشد فترة السينما إظلاماً، والعقد الأكثر خبواً في تاريخ السينما المصرية، فباتت نجوم كالثقوب السوداء، التي لا ترى الضوء ولا تستمتع به، أفلت منها من استمر للثمانينيات وعلا نجمه، أما ماجدة التي قدمت 25 فيلما - ربع ما قدمت من أعمال خلال مشوارها الفني - في السبعينيات فلم تقدم إلا 12 فيلماً في الثمانينيات وأدت معظمها كدور ثان في الفيلم بجوار إحدى النجمات الجدد لينزوي الثقب الأسود على نفسه ولا يعود للسطوع إلا في النصف الثاني من التسعينيات.
يستطيع المهتم بالسينما أن يلحظ بوضوح تلك الموهبة المظلومة وهي تعاود التألق في أفلام مثل يادنيا ياغرامي، سكوت ح نصور، القتل اللذيذ، تفاحة، حمادة يلعب، والتي عاد فيها وجه الأخت والزوجة ليلعب دور الأم والجارة العجوز الوحيدة، وعادت الكاميرا تتصفح في سعادة وجه ماجدة مرة أخرى.
وتماماً كما تمنت ماجدة التي عشقت الكاميرا، وبادلتها الكاميرا المشاعر، رحلت ماجدة أمام الكاميرا، بعد أن أدت أخر أدوارها في فيلم أحلام حقيقية، والذي ينتهي بموتها أمام الكاميرا، لتموت بعدها فنانة حقيقة، حلمت أحلام حقيقة، حققت بعضها لكن الظروف أجبرتها على الإحتفاظ بمعظمها داخل طيات صدرها.
تنبيه هام : تذكر وأنت تقرأ تلك المقالة في ذكرى وفاتها أدوارها في بيت الطالبات ، الست الناظرة ، دلال المصريه، شقة مفروشة، ثرثرة فوق النيل ، زائر الفجر ، الشوارع الخلفية ،توحيده  لعلها تبتسم وتشعر بالراحة.

أرشيفي السينمائي : قصة نجم أصابته لعنة ساحرة شريرة !!!



تتحدث دائماً تلك الأساطير التي نرويها لأطفالنا عن ذلك الأمير الذي سحرته ساحرة شريرة لغرض ما، حولته غالباً إما لضفدع أو وحش مخيف، وتدور الأسطورة دائماً حول محاولة هذا الأمير إستعادة أدميته وشكله الحقيقي، والذي يتم عادة عبر حب صادق، أو قبلة من أميرة عشقته على حاله المتحول، فاستحق أن يعود لطبيعته الأولى.
يشبه هذا تماماً فنان مصري صاحب قدرات تمثيلية هائلة، فنان متميز للغاية تصدر دفعته في قسم التمثيل في معهد الفنون المسرحية، وأدى خلالها أصعب أدوار شكسبير هاملت وعطيل وغيرها بحرفية أدهشت حتى أساتذته، بدأ بداية بسيطة على المسرح ككل أبناء جيله، قبل أن يقدم أدواراً صغيرة في مسلسلات كـ"وما زال النيل يجري"، " من الذى لا يحب فاطمة "، ثم قدم دور أكبر قليلاً في فيلم "الطريق الى ايلات "، ومن دور صغير لأخر مارس أميرنا حياته الفنية، حتى التقى ساحرته الشريرة في فيلم "الناظر" للراحل علاء ولي الدين و المخرج شريف عرفة، لتحوله من أمير يشق طريقه إلى عرش الكوميديا إلى "اللمبي".
والذي حقق به نجاحاً لم يخطر في بال أحد، لتتضخم قوة الوحش الذي حولته الساحرة داخل الأمير، ليمارس به ثاني نجاحاته في فيلم "اللي بالي بالك "، ورويداً رويداً يخفت النور حول أميرنا، الذي يبحث باستماته عن الحب، حب الجماهير لعله يعود إلى سيرته الأولى، يتمنى قبلة يعطيها إياه شباك الإيرادات كي يتوج على عرشه الذي يحلم به.
ولكن أميرنا الفنان محمد سعد يعيش اسطورته معزولاً عن حكيم يدله على الطريق، مثل ذلك القرد في الملك الأسد مثلاً، أو شركة إنتاج تخاف عليه وتحميه من مخاطر الطريق، كما فعل الأقزام السبعة في اسطورة الأميرة النائمة، أو حتى حبيبة تعيده إلى حالته الأولى مثل اسطورة الجميلة والوحش، حيث لا يستمع الفنان إلى لنفسه، حتى عندما قرر منذ سنوات قليلة الإستعانة بمخرج كبير يصنع له فيلماً يعيده إلينا، اختلفا سوياً وعاد المخرج رافضاً إستكمال العمل، ليخرج فيلم بوشكاش كياناَ مشوهاً لا يستحق المشاهدة.
محمد سعد النسخة العربية من جيم كاري يفتقد إلى تلك الإدارة التي تدير نجماً بحجم جيم كاري، يفتقد إلى من يجعله يتفرغ لمهمته الأساسية وهي التمثيل، فقط التشخيص، ليتخلص أميرنا من تلك اللعنة التي أصابته ويعود إلى جمهوره الذي انتظره طويلاً.
ش

أرشيفي السينمائي : ''والت ديزني'' الرجل الذي أهدى العالم الخيال




من منا لم يشكل والتر إلياس ديزني الشهير بـ"والت ديزني" والمولود في  5 ديسمبر من عام 1901 ، في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية ، من أصل إيرلندي جزءً كبيراً من طفولته، وجزءً أخر من شبابه، عبر عالمه الرائع الذي صنعه على الورق ليسكن خيال كل طفل حول العالم ويبقى في ذاكرة كل بالغ، من منا لا يعرف ميكي ولا يحب عم بطوط، ولا يبتسم لعم دهب، وتدهشه سذاجة بندق، من منا لم ينبهر بسندريللا، وسنوايت، وأليس في بلاد العجائب، والأميرة النائمة، وبيونوكيو، من في تاريخ السينما العالمية فاز بـ 22 جائزة أوسكار وترشح لـ 37 جائزة أوسكار، بالإضافة إلى حصوله على 3 جوائز أوسكار تكريمية فخرية عن استحقاق.

الرحلة :

بقي والت ديزني في شيكاغو  5 سنوات ، قبل أن ينتقل إلى مزرعة في ولاية ميسوري مع والديه ، و إخوته الأربعة ، لكن الأب ، اضطر إلى بيع المزرعة عام 1909 ، بسبب مرضه و عدم تمكنه من القيام بأشغال المزرعة الشاقة ، فانتقلت الأسرة للعيش في منزل بالإيجار حتى عام 1910 ، لتنتقل بعدها للعيش في مدينة كنساس، اضطر والت و أخوه روي للعمل خلال أوقات فراغهما في مؤسسة لنشر الصحف ، و حسب أرشيف المدرسة الوطنية الحكومية لكنساس ، فإن والت ديزني ، بدأ دراسته الثانوية ببنتون منذ عام 1911 و أنهاها بنجاح في 8يونيو 1917 .. في تلك الفترة كان ديزني ملتحقا بصفوف ليلية للرسم في Chicago Art Institute، ليبدأ الفنان الكبير أولى خطواته في تحقيق الحلم الأكبر ليس لديه فقط بل لدى كل طفل في العالم.

ثم في عام 1917 ، أثناء الحرب العالمية في أوروبا ، قرر الأب شراء معمل ثلج في شيكاغو ، لكن والت فضل البقاء في كنساس مع أخيه ، و بفضله استطاع الحصول على وظيفة بائع في القطارات ...في فصل الخريف ، عاد والت إلى أسرته ، ليلتحق بثانوية ماكينلي حيث صمم مجلة الطلاب بعنوان The Voices، ثم ترك المدرسة عند سن 16 سنة ، و تطوع خلال فترة الحرب العالمية الأولى ، كسائق لسيارات الإسعاف ، و كان ذلك بمساعدة صديق له ، ساعده على تزوير أوراقه الشخصية ، فتحول تاريخ ميلاده من 1901 إلى 1900 ، و تم إرساله إلى فرنسا في بعثة لمجموعة من سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر الأمريكي.

قبل أن يعود إلى أمريكا ليبحث عن وظيفة جديدة ... و كانت لديه رغبة كبيرة في العمل في مجال الأفلام ،فوجد عملا لدى مؤسسة « Pesman-Rubin Commercial Art Studio » مقابل 50 دولار شهريا ، وكان يقوم بتصميم غلاف البرنامج الأسبوعي لمسرح نيومان .

خلال عمله الأول هذا ، التقى والت ديزني بشاب في مثل عمره ، يحمل نفس اهتماماته ، اسمه Ubbe Ert Iwerks -غيره فيما بعد ليصبح : Ub Iwerks - و قام الشابان عام 1920 بإنشاء مؤسسة تحمل اسم : «Iwerks-Disney Commercial Artists »و أصبحت الشركة تعمل في مجال الدعاية و الإشهار ... لكن هذا الأمر لم يلب حاجيات و رغبات و طموحات والت ، لذلك بدأ بإنجاز أفلامه الخاصة و بيعها لصالح : « Newman Theater Company» أفلامه - بالرسوم المتحركة - لم تكن تتجاوز مدتها دقيقة واحدة ، أغرت الجماهير و سحرتهم لأنها كانت تنبض بمشاكلهم و تنتقد أوضاعهم و همومهم .

عام 1922 ، أطلق ديزني مؤسسة Laugh-O-Grams, Inc ، التي تنتج أفلاما قصيرة بالرسوم المتحركة ، استمد أحداثها من قصص الساحرات و قصص الأطفال . كانت هذه الأفلام القصيرة تباع بسهولة في كنساس ، لكن التكاليف كانت أكثر من المداخيل ... و بعد إنتهائه من فيلم أليس في بلاد العجائب ، أعلنت الشركة إفلاسها و كان ذلك في يوليو 1923

قبل أن يقوم أخوه الأكبر بدعوته إلى هوليود ، فالتي يتوجه إليها و معه مشروعه "أليس في بلاد العجائب "، حاملا وعدا لفريقه في كنساس لمساعدتهم للالتحاق به إلى كاليفورنيا، على الرغم أن كل ما كان يحمله في جيبه هو 40 دولارا فقط.

قام والت ديزني و أخوه الأكبر روي أوليفر بإنشاء استوديو للتحريك عام 1923 ، كان مقره "جراج" عمهما روبرت ، فقاما بإنتاج حلقات من مسلسل يدعى: Alice Comedies وهو مسلسل يدمج بين الأنيمي و الصور و المشاهد الحقيقية ...

استطاعت مؤسسة ديزني النجاح ، حتى أنها وقعت عقدا في 16 أكتوبر من نفس السنة لإنجاز 12 فيلم .. و بدأ والت ديزني صعود درجات النجاح شيئا فشيئا ..

وهكذا بدأ الفنان العظيم رحلته التي أهدى العالم من خلالها أكثر ما أثار بهجته، والتي رحل بعدها يوم 15 ديسمبر 1966بجسده لتبقى رحلته ويبقى ابطاله أحياء في وجدان ملايين إن لم يكن مليارات من بني الإنسان.

أرشيفي السينمائي : الضيف أحمد ..... عدو الحزن الذي اختطفه الموت عمداً



"ابن موت" تعبير يطلقه المصريون على الطفل صاحب الموهبة الكبيرة، حاد الذكاء، القادر على إبهارهم، وهو لقب يستحقه تماماً الفنان الراحل الضيف أحمد عبقري الضحكة، ابن محافظة الدقهلية وخريج كلية الأداب جامعة القاهرة، والذي أسس فرقة ثلاثي أضواء المسرح مع سمير غانم وجورج سيدهم، وكان عقل الفرقة المدبر وقائدها قبل أن يرحل عام 1970 عن عمر يناهز الرابعة والثلاثين عاماً، عمل كذلك مؤلفاً وكتب قصة فيلم ربع دستة أشرار، ومخرجاً مسرحياً وأخرج مسرحية الراجل اللى جوز مراته، ومسرحية كل واحد وله عفريت، ولم يتوقف عند هذا بل لحن أيضاً كل اسكتشات فيلم 30 يوم في السجن، فيما يطلق عليه فنياً الفنان الشامل.
ولأن الموت هو أحد رسل الحزن، ولأن الحزن عدو معروف للسعادة، ولأن الضحك هو رسول السعادة، والضيف أحمد هو أحد رسالات ذلك الرسول القوية المبهجة، أرسل الحزن رسوله ليختطف مننا الضيف وكأن له من إسمه نصيباً، حل ضيفاً على الحياة ليجبرها على الإبتسام ثم رحل.
ذلك الشاب النحيل القصير صاحب البشرة السمراء، صاحب تلك العيون الحزينة التي يظللها حاجبين كثيفين أصرا فيما يبدو على إخفاء هذا الحزن لمن كانت رسالته أن يصنع البهجة، وأنف كبير يحتل مساحة أكبر من المسموحة شموخاً وعزة، وشفاه رقيقة قد لا تبتسم كثيرا ولكنها قادرة على منح الإبتسام، كان مشروع نجم مصر الأول في مجال الكوميديا لولا رحيله، ولولا تلك السكتة القلبية التي إختطفته من الحياة لظل بيننا ينثر الضحك أينما حل.
اعتمد الضيف خلال أعماله بصحبة فرقته أو بدونهم على خفة دمه الشديدة، وقدرته على إصطناع الجدية في أكثر المواقف إضحاكاً دون أن يضطر نهائياً لاستخدام حجمه الضئيل في الإضحاك، إعتماداً على موهبة حقيقية تهب الممثل مساحات عريضة من العمل، لا كتلك الكوميديا المصطنعة التي تستخدم فيها الأجساد والمسوخ لإبتزاز الضحك.
الضيف أحمد الذي ولد في شهر العظماء، شهر ديسمبر وتحديداً يوم 12 ديسمبر سيظل علامة من علامات السينما المصرية، علامة تأخذ شكل الإبتسامة التي اتفق مستخدمو الانترنت مؤخراً على أن تكون بهذا الشكل :).
والذي لا أجد رثاء يليق به إلا تلك الكلمات التي غناها له يوماً بعد رحيله الفنان سمير غانم وكتب كلماتها الرائع الراحل عصام عبدالله ولحنها محمد هلال  والتي تقول :
عزيزي الضيف احمد بسأل عنك كل ما بضحك ، بس ما بيجيش الرد
، كل ما بلمح حد واصلك ، اجري له القاه يتشد ،
بيني وبينك عندك احسن ، اروق ، انظف ، لولا الرب علينا بيلطف ، كنا زمانا بناكل بعض
، بس بنضحك ، نزعل نضحك ، نفرح برضه نضحك .
عزيزي الضيف احمد ما اعرفش اذا كنت سامعني ولا ما عدتش تسمع حد ،
فاكر لما كنا نغني كنا نضحك طوب الارض ،
بيني وبينك كل ما ادقق ، افكر ، امعن ، بشعر اني خلاص ح اجنن ، بس مافيش م المكتوب بد ،
و آهي ايام بتعدي يا ضيف ، وح نتقابل بلا تكليف ، ونقعد نضحك
نضحك نضحك

أرشيفي السينمائي : ماجد الكدواني بطل ''الأوديسة'' المصرية الذي يصنع اسطورته الخاصة



تماماً كما في "الإلياذة "تلك الأسطورة الإغريقية التي كتبها هوميروس، ننبهر جميعا بأبطال مثل أخيل وأجا ممنون و هكتور وننسى بطلاً في حجم وإمكانيات أوذيس أو أوديسيوس ، حتى يصنع اسطورته الخاصة في "الأوذيسة"، وندرك جميعاً أن هناك بطل في حجمه وإمكانياته، يتشابه هذا تماماً مع الفنان ماجد الكدواني، الذي بدأ حياته الفنية بأدوار صغيرة على خشبة المسرح في مسرحيات مثل الإسكافي ملكاً ، باللو، 727، وأيضاً سينمائيا في عفاريت الأسفلت وجنة الشياطين في منتصف التسعينيات دون أن يلفت الأنظار، قبل أن يغير مساره ويضل الطريق كما ضل أوذيس تماماً طريقه إلى وطنه "إيثاكا" ، ويتجه ماجد إلى تقديم الدور الثاني، صديق البطل أفلام كوميدية قليلة القيمة مثل فرقة بنات وبس، وحرامية في كي جي تو، عسكر في المعسكر، ليبقى أوديسيوس سجينا للحورية كاليبسو لمدة 7 سنوات.
ثم يحاول ماجد أن يحذو حذو كل أبناء جيله ليقدم بطولته الأولى جاي في السريع، والذي لا يصادفه النجاح نتيجة إفتقاد البطل لطريقه، ليظل غضب "بوسيدون" إله البحر، أو السينما في تلك الحالة على بطلنا ماجد الكدواني، وكأن أوديسيوس وصل غلى جزيرة الساحرة تسيرس. التي قامت بتحويل رجال أوديسيوس إلى خنازير وجعلت من أوديسيوس عشيقا لها. نجا أوديسيوس منها بمساعدة من هرمس مبعوث الأوليمب الذي قام بإعطائه عشبة خاصة لها زهرة بيضاء وجذور سوداء اسمها " مولي " تمنع تأثير السائل السحري الذي يحول من يتناوله إلى حيوان، ولكنه يعود إلى متاهته، كذلك عاد ماجد إلى تقديم أفلام من نوعية شيكامارا والعيال هربت.
حتى عام 2008، حيث تجبرنا موهبة ماجد على الإلتفات إليه في فيلم "كباريه" ، وكأن أوديسيوس يري من بعيد شواطيء إيثاكا، وقبل أن ننسى يتبعه بعزبة أدم والفرح وطير انت، ليعلم الجميع أن البطل هذه المرة لم يصل متخفياً كما دخل أوديسيوس قصره بل دخله معلناً عن موهبة مبهرة تم تتويجها في فيلم 678، ليقدم أحد أفضل أدواره ويحصل على جائزة مهرجان دبي كأحسن ممثل.، ويتبعه بفيلم "أسماء" محافظاً على تاج موهبته الذي يسقط منه أحياناً كما سقط في فيلم "اللمبي 8 جيجا".
ماجد الكدواني ذلك الفنان السمين الثمين، صاحب الملامح الطفولية، والذي تعطيه "النظارة" التي تغلفها نظرة خاوية إحساساً مستديماً للمشاهد بأنه قريب أو جارن وجه مألوف يدخل القلب سريعاً، يحفر في هدوء يحسد عليه اسمه ضمن الصفوف الأولى لنجوم السينما المصرية، الذين سيذكرهم التاريخ  ويفتخر بهم.
ماجد الكدواني أوديسيوس السينما المصري يصنع اسطورته الخاصة وعليه أن يدرك من الأن أن التاريخ لا يغفر للكبار هفواتهم.

أرشيفي السينمائي : ''وهلأ لوين ؟'' ... حلم سينمائي يحمل إبداعاً بلا حدود



حلم جميل تعيشه أمام شاشة العرض لمدة ساعة ونصف، تضحك وتبكي، تغضب، تثور، تهدأ تسترخي، مشاعر مختلفة متضاربة ممتعة تمر بها خلال مراحل فيلم المخرجة نادين لبكي الأخير وهلأ لوين، ذلك الفيلم الذي يذيف الكثير والكثير للسينما العربية، والذي يدور حول ضيعة منعزلة عن العالم، يعمل نسائها طول الفيلم على حماية هذه العزلة خوفاً من الفتنة الطائفية التي تضرب البلاد، حتى لا ينقلب مسلموها على مسيحيها، والعكس.
قصة بسيطة حملت داخلها تفاصيل مبهرة، خط درامي واحد يحمل بين طياته قصص مواقف فرعية صغيرة تخدم الخط دون تشتيت، لم تطغى إحداها على الأخرى، تم معالجتها بلا سقف رقابي، أو ديني، أو داخلي، بتحرر كامل لصناع الفيلم، فجاءت عبقرية بسيطة تستقبلها روح المشاهد قبل عقله وقبل حتى عينيه التي تشاهد الفيلم، دون أن تتعدى على الدين أو حتى على الحرية الشخصية.... وصفة بسيطة صعبه على أي مبدع يحمل سقفاً في روحه، وكلنا في مصر نحمل هذا.
إعتمدت مخرجة العمل وكاتبته على تفاصيل إشتباكات حياتية بين أصحاب الدينين، وعلى كيد النساء الذي يصل إلى مرحلة جلب فتيات عرض روسيات لرجالهن حتى ينشغلن عن الصراع الطائيفي، وسط أداء مدهش في تلقائيته لبطلات الفيلم والتي تشعر بحميميتهم خلال كل الأحداث، مما يجعلك منتمي لتلك القرية، تتآمر مع نسائها من أجل منع الفتنة، التي راح ضحيتها فيما مضى العديد من أبناء القرية، وترغب الأمهات والأرامل ألا يخسرن مرة أخرى.
قد تظلم الفكرة وطريقة تنفيذها عناصر الفيلم الأخرى، التي لا تقل تميزاً عنها، حيث نجحت نادين ببراءة كاميرتها خلال فيلمها الثاني فقط في أن تصنع حالة مبهرة بصرياً، على الرغم من بساطة القرية التي تدور فيها الأحداث وفقر بيوتها، إلا أنها صنعت بعداً عاطفياً مع هذا القدم والفقر، وقدمت إيقاعاً متسارعاً للفيلم، نجحت خلاله في أشد لحظات الفيلم حزناً أن تضحك المشاهد وتنقله من حال لحال كجراح ماهر يداوي الجروح.
موسيقى الفيلم عبقرية وتصنع حالة سمعية وحدها إن إنفصلت، تم غزلها داخل الفيلم في أفضل أماكنها، وكأنه الرتوش النهائية للوحة عظيمة، التصوير والملابس، وحتى تلك الهيئة المسئولة عن شئون حيوانات القرية أدت دورها بإتقان، المونتاج كان أقل عناصر الفيلم إبهاراً إلا أن هذا لا يعني أنه كان سيئاً.
فيلم وهلأ لوين فيلم يستحق المشاهدة عدة مرات، فيلم يحمل رسالة السينما كما تعلمناها، فن ومتعة وقيمة، فيلم يعطينا درس أن الإبداع لا سقف له، وأن تلك الحدود هي التي تصنع فناً مشوهاً، أما الحرية فتقدم فناً حقيقياً قادر على التأثير في الناس.
ملحوظة : شكراً للمنتج هشام عبدالخالق على مشاركته في إنتاج هذا الفيلم، لنرى اسم مصر عليه مع لبنان وفرنسا.
التقييم :  10 / 10 وعن جدارة.

أرشيفي السينمائي : في ذكرى ميلاد مصر...... عفواً ''شادية''.



اغمض عينيك وتصور صورة لمصر..... لا يعرف أحد على وجه التحديد لماذا نتخيلها دائماً أنثى - أعتقد لأنها أم الدنيا - ، دقق أكثر في خيالك وحاول تصور ملامح تلك الأنثى، ستراها تشبه شادية المبتسمة وهي تغني "مصر اليوم في عيد"، مصر الغاضبة وهي تغني "الدرس انتهى لموا الكراريس"، مصر الحبيبة وهي تغني "ياحبيبتي يا مصر".
وفي ذكرى ميلاد الفنانة التي أطلق عليها النقاد في بداية مشوارها الفني لقب "دلوعة السينما المصرية"، حتى صارت "أسطورة السينما المصرية" يشعر الكاتب بالحيرة بل ويكاد يصرخ وهو يفتش في تاريخها الفني كما صرخ يوماً "على بابا" ويقول : ذهب، ياقوت، مرجان أحمدك يارب.
شادية صاحبة أشهر دويتوهات سينمائية وأنجحها، مع كمال الشناوي، وعبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، بل شكلت مع الثنائي شكوكو واسماعيل ياسين ثلاثياً مبهرا، شادية صاحبة أهم الأفلام الكوميدية - على سبيل المثال "مراتي مدير عام" - شادية صاحبة أهم الأفلام السياسية - شيء من الخوف، شادية صاحبة أهم كلاسيكيات الأفلام الرومانسية - أغلى من حياتي -، بل وحتى أحد أهم المسرحيات الكوميدية حين وقفت على المسرح أمام عمالقته عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي لتناطحهم وتتفوق عليهم في "ريا وسكينة".
شادية هي المطربة الأنجح تمثيلاً، والممثلة الأنجح غناء، شادية هي ذلك الخليط الفني السحري الذي لا يتكرر مرتين، شادية التي اكتشفها حلمي رفلة وتبناها وأطلق عليها إسمها الفني وجعل منها "الدلوعة" قبل أن تنجح هي في تحويل هذا المسار بعبقرية فنية فطرية بتقديم فيلم "المرأة المجهولة" مع المخرج محمود ذو الفقار.
أسطورة فنية اعتزلت الفن وهي في قمة نجاحها، لتبقى صورتها في أذهان عشاقها مشرقة لامعة، ويبقى صوتها في أفئدة سامعيها باعثاً على البهجة والفرح والحزن والوطنية,
و سيذكر التاريخ أن تركيا قد احتلت مصر ابان الغزو العثماني، وأنها نقلت كل صانعيها المميزين إلى استنبول، لتتأخر مصر سنيناً وسنين عن ركب الحضارة، لكن المصريون سيغفرون هذا لتركيا حين يعرفون أنها أهدتنا فاطمة كمال الدين أحمد شاكر ذات الأصول التركية والشهيرة بـ"شادية"، تلك الفنانة التي يبتسم القلم ويرقص وهو يكتب عنها.

أرشيفي السينمائي : موناليزا مصر.... أسطورة لا يعرفها الكثيرون!




يقول الشاعر الأيرلندى إدوارد دودن:
"أيتها العرافة، عرفينى بنفسك
حتى لا أيأس من معرفتك كل اليأس
وأظل انتظر الساعات، وأبدد روحى
يا سراً متناهى الروعة
لا تحيرى الوجدان أكثر مما تفعلين
حتى لا أكره طغيانك الرقيق"
قيلت تلك الأبيات في وصف الموناليزا، تلك اللوحة الغامضة للفنان ليوناردو دافنشي، تلك المرأة التي احتار المؤرخون في وصفها، في حقيقتها، وبقيت ابتسامتها الهادئة ساخرة من كل المحاولات، منهم من قال أنها لأمرأة شهيرة فى المجتمع الإيطالى، أو لإحدى فتايات الليل، أو لوالدة دافينشى، أو أو أو، وكذلك بالضبط  تثير بولا محمد لطفي شفيق الحيرة عند الكتابة عنها ووصفها، لا تعرف تحديداً أيهما أكثر إثارة وتشويق وروعة، تاريخها النضالي، أم تاريخها الفني.
بومبي الشهيرة بـ "نادية لطفي" تلك اللوحة المصرية الصعيدية الأصيلة، التي تحدت ملامحها الأوروبية فنياً وقدمت "ريري" في فيلم السمان والخريف، و"زوبة" في قصر الشوق الذي خضعت من أجله لتدريبات مكثفة على يد عالمة من شارع محمد علي، كانت ترى الفن بطريقتها الخاصة جداً، كانت تراه طريقة واسلوب حياة، ليس مجرد مهنة تمتهنها، كانت تجيد الرسم والتصوير وتمارسهما، قبلت أدوار في حجم مشهدين في أفلام في قيمة المومياء لأنها تدرك قيمتها، قضت اسبوعين في صفوف المقاومة الفلسطينية أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، عاندت الموت وصورت أكثر من 25 ساعة للحرب، أيضاً قامت بتصوير 40 ساعة في القرى والنجوع المصرية لتجمع شهادات الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967 حول الجرائم الإسرائيلية.
أما لو نظرنا للوحة العظيمة من جانبها النضالي فتاريخه يرجع لعام 1956 وقت العدوان الثلاثي على مصر عندما ذهبت لتدافع عن القنال قبل ميلادها الفني بعامين، أيضاً نقلت مقر إقامتها إلى مستشفى القصر العيني أثناء حرب أكتوبر بين الجرحى لرعايتهم، رعايتها الدائمة لأسر المعتقلين السياسيين منذ الستينيات، والتي يصفها الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد صاحب أغنية "اتجمعوا العشاق" وغيرها بأنها أم المعتقلين.
نادية لطفي جيوكاندا العظيمة، التي غضب إحسان عبدالقدوس من إختيارها اسماً فنياً لبطلة روايته "لا أنام"، أشك أنه مازال غاضباً، ولتبقى دائماً اسطورة اعتزلت منذ أكثر من 18 عاماً، ورفضت كل المحاولات لعودتها، خاصة وأنها ترى أن الفن ليس مجرد دور تقوم بتقديمه الفنانة مقابل أجر مادى، بل هو رؤية وتمازج روحانى مع الشخصية التى يقوم بتقديمها أى فنان أو فنانة، اعتزلت في زمن يرفض فيه الفنانون و لاعبو الكرة و السياسيون، وأي شخص تحت الأضواء، البعد عنها، اعتزلت لانها تملك إرادة حديدية، ولأنها تقدم في الحياة أدواراً أهم.
نادية لطفي أسطورة مصرية، لم تجد "لوفر" يشير إليها ويعرضها، موناليزا مصر لم تحصل على تكريم تستحقه، لأنها أكبر من أي تكريم.

أرشيفي السينمائي : أقباط مصر في السينما... أصدقاء وجيران فقط لاغير




 كل عام ومصر بخير بمناسبة عيدالقيامة المجيد، ذلك العيد الذي يأتي بعده بإستمرار شم النسيم ليجمع عنصري الآمة في عيد فرعوني الأصل، في حالة فريدة يتميز بها المجتمع المصري، الذي يحاول البعض "سعودته" هذه الأيام.
ولكن السينما المصرية العريقة التي تعدت الـ100 عام من عمرها، تعاملت مع أقباط مصر بطريقة غير منصفة على الإطلاق، لدرجة أن المسيحي تم تهميش دوره ليكون بالكثير صديق البطل، أو أحد جيرانه الأوفياء ليحاكي كلاً منهما في دوره ذلك اللقاء الشهير بين البابا وشيخ الأزهر على الإفطار في رمضان وخلال التهنئة بالأعياد، وعلى الوجوه إبتسامة وما في القلب ..في القلب، إلا في عدد قليل جدا من الأفلام مثل الراهبة‏، شفيقة القبطية‏، بحب السيما، واحد صفر.
وقد شهدت ثلاثينيات واربعينيات السينما - البداية الحقيقية للسينما المصرية - عدم وجود حقيقي للاقباط، ربما بفضل عدم وجود تمييز عنصري حقيقي في مصر في هذا التوقيت، وتفجرت أول مشكلة حقيقية عندما تم منع عرض فيلم الشيخ حسن الذي تم إنتاجه عام 1951، بطولة حسين صدقي وليلى فوزي، والذي يدور حول زواج شيخ مسلم من سيدة مسيحية، تعلن إسلامها في نهاية الفيلم وتنطق الشهادتين وهي تموت تاركة إبنها لخالها القس المسيحي الذي يعيده لوالده، وهو ما أثار غضب الكثير من المسيحيين، ولم يعرض غير بأمر مباشر من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954.
وجاءت فترة الخمسينيات والستينيات المشغولة بالقومية العربية، والأمجاد والدولة الناشئة، ليحتل المسيحي فيها دور صديق البطل المنقذ مثل فيلم أم العروسة، وكذلك التوحد بين عنصري الأمة في أفلام نجيب محفوظ التي تناولت ثورة 19.
وشهدت تلك الفترة إنتاج فيلمي الراهبة، وشفيقة القبطية، وهما من الأفلام القليلة التي كان بطلها مسيحي الديانة.
أما فترة السبعينيات والثمانينيات فاهتمت أولاً بالحرب وشهدت مشاركة مسيحية من خلال أفلام أكتوبر، وهي مشاركة رمزية تشبه ما قبلها، ثم انشغلت في الثمانينيات بحال المجتمع المصري متجاهلة تماماً أي بعد ديني .
ثم جاء عقد التسعيينات ليشهد هجوم الإرهاب على مصر، ما استلزمه من توجيه حكومي لإظهار الود بين طرفي الأمة في مصر، وذلك السلام الذي يسود العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لنشاهد أفلاماً مثل الإرهابي، والكلام في الممنوع، وغيرها من الافلام التي شهدت وجود القبطي كطرف غير رئيسي في الفيلم ولكنه على علاقة جيدة بالمسلم.
وأخيراً سينما ما بعد الالفية الثانية والتي شهدت حرراً من تلك الفكرة، لتقدم فيلم بحب السيما، الذي يناقش بعض المعتقدات الدينية في المسيحية كما ينتقد سلطة الأب وديكتاتوريته داخل الأسرة المسيحية، مما أثار حفيظة الكنيسة المصرية، وهجامت الفيلم بشدة، قبل أن تعود السينما لتقديم فيلم واحد صفر الذي يناقش في احد خطوطه الدرامية علاقة بين مسيحية ترغب في الطلاق وتحب شابا آخراً، وكذلك قضية الطلاق في المسيحية لتعاود الكنيسة الهجوم على الفيلم، الذي حقق نجاحاً كبيراً لدرجة حصوله على حوالي 50 جائزة.
وكذلك فيلم حسن ومرقص الذي تناول العلاقة والأزمة المحتقنة بصورة مثالية للغاية في توجيه حكومي شديد السطحية من آجل غقناع الجميع أن الأزمة بسيطة ويمكن تجاوزها بسهولة.
وتستمر السينما في تقديم أدوارها المعتادة للمسيحيين، ذلك الصديق الطيب، والجار المتعاون، بل وتلجأ أحياناً لإحلاله محل اليهودي الذي رحل عن مصر في منتصف الخمسينيات وتجعله تاجرا مرابيا صائغا .. في شخصية كاريكاتيرية لا تليق.
السينما المصرية تستحق وقفة من آجل تصحيح هذا الخطأ المتداول، ويكفي رفض الرقابة لفيلم لامؤاخذة للفنان عمرو سلامة، والذي يتناول فيه علاقة طفل مسيحي بأصدقائه في المدرسة، لجوئه لإنكار ديانته من آجل المزيد من الإندماج في صفوف الأطفال المسلمين، دليلاً على أن المشكلة صعبة الحل.
ولا ننسى النكتة التي أطلقها البعض عقب فيلم "حسن ومرقص"، الذي سبقه فيلم "حسن ومرقص وكوهين"، حيث توقع البعض أن يكون الفيلم القادم "حسن" فقط في فضح رهيب للعنصرية في المجتمع والسينما في مصر
مسيحيو مصر .. مصريون، يستحقون الأفضل... وشالله يا سينما.

أرشيفي السينمائي : ضحكة السينما التي قهرت الحزن !





 يبدو أن الله قد خلق الحزن قبل السعادة، لأن التجربة البشرية قد اثبتت أن الضحكات تنبت من بين الدموع، وأن أكثر البشر حزناً، هم أكثرهم قدرة على إضحاكنا، وعلى رأسهم زينات صدقي، الفنانة التي ولدت كابتسامة ، قبل أن تتحول كبيرة إلى ضحكة على هيئة إنسان، والتي ينبض أدائها صدقاً، صاحبة الأداء التلقائي الفطري، الذي يقتحم القلوب والارواح دون إستئذان، تلك الفنانة صاحبة عبق السعادة.
ولدت إبتسامة السينما التي كسرت إحتكار الرجل للضحك، في حي الجمرك، في مدينة الفن الأسكندرية، قبل أن يدرك الحزن ذلك الخطر الذي يفوح منها برائحة السعادة، فيقرر شن الحرب عليها، ويتوفى والدها وهي في الثامنة من عمرها، ولكن الإبتسامة تتسع، فيواصل الحزن شن هجومه الغادر بتزويجها وهي لم تتعد الـ15 عاماً، زواج غير موفق للفارق الكبير في السن، لم يستمر سوى عام واحد.
وعندما قررت تحقيق حلمها بالعمل في مجال الفن، فالتحقت بمعهد أنصار التمثيل والسينما، وهو المعهد الذي أنشأه وكان يشرف عليه الفنان الكبير الراحل زكي طليمات والذي كان يشجع المواهب الجديدة، فيمنحهم راتبا شهريا، ولكن الاسرة عارضت هذا الإتجاه، مضيفة المزيد من التعاسة على روح ضحكة السينما العريضة، لتقرر زينات صدقي الهرب إلى لبنان بصحبة والدتها ورفيقة رحلتها خيرية صدقي، للعمل كمونولجست ويبقى أشهر ما غنته مونولوج  تقول فيه"أنا زينات المصرية.. أرتيست ولكن فنية.. أغني وأتسلطن يا عينية.. تعالى شوف المصرية"، لتتذوق طعم النجاح للمرة الأولى.
إلى أن تلقت "علقتها" الكبرى على يد المطربة فتحية أحمد، التي ضبطتها تغني أغانيها على المسرح، لتعود مرة أخرى للقاهرة هرباً من يد الحزن العاصرة، ولتعمل "كورس" في فرقة بديعة مصابني.
ليكتشفها بعد ذلك الفنان العظيم نجيب الريحاني ويقدمها كممثلة على مسرحه، أما السينما فبدأت عملها فيها بأدوار صغيرة للغاية، مثل فيلم "الاتهام" عام 1934.
لتنطلق بعد ذلك محلقة في سماء السعادة، باعثة البهجة في كل مشاهديها وعشاقها عبر العديد من الأدوار الممتعة، قاهرة ذلك الحزن العاتي الذي يغتال روحها، بتفجير الضحكات الواحدة تلو الأخرى في وجهه الكئيب، زينات  التي بقت خالدة في نفوس وذاكرة الجمهور العربي، على الرغم من رحيلها في 2 مارس من عام 1978.

أرشيفي السينمائي : شكري سرحان..... ''سندريلا'' لم تكن وحيدة





كانت رودوبس تعيش حياة سعيدة مع والديها، إلا أن توفت والدتها، وتزوج والدها بإمرأة أخرى لها ابنتين، عاملت رودوبس بلطف في البداية، إلا أن توفى والدها، وظهرت إمرأة الأب على حقيقتها، وحولتها من صاحبة منزل إلى خادمة.
كل ما مضى من حدوتة رودوبس، الشهيرة بسندريلا لا يهمنا منه إلا نقطة واحدة، أن البيت صار يضم 3 فتيات شابات.
ويماً ما أصدر الملك قراراً بعمل حفلة راقصة، يدعو إليها كل شابات المدينة لإختيار زوجة، فتطلب روردوبس من امرأة أبيها الذهاب مع ابنتيها للحفلة، فتوافق ولكن بشرط تنظيف البيت وايجاد ثياب جميلة للحفلة فتقوم رودوبس بالتنظيف ويقوم اصدقائها الفئران والطيور بتجهيز فستان. وعند انتهاء رودوبس من التنظيف كان الفستان جاهزا وجميلا فذهبت إلى زوجة ابيها ليذهبن إلى الحفلة ولكن بنات زوجة ابيها الحسودات مزقن فستانها وذهبن إلى الحفلة دون اخذ رودوبس.
إلى هنا وتبدأ القصة في التحول للخيال، حيث جعلت من الابنتين الآخريتين مجرد حاسدات حاقدات، على الرغم من أنهن قد يملكن مواهب وجمال أكثر منها، فلنستكمل "الحدوتة" لنعرف إلى ماذا نصل.
بكت رودوبس فظهرت لها ساحرة طيبة أعطتها فستاناً جديداً وعربة وغلخ إلخ إلى نهاية القصة، التي فازت فيها في النهاية بقلب الأمير، دون أن تأخذ الفتاتين الاخريتين فرصتهن، وحصلت رودوبس الشهيرة ب"سندريلا" على كل شيء بمساعدة ساحرة طيبة.
يشبه هذا كثيراً قصة نجم مقالنا اليوم، الذي نجح بنصف موهبة، وبأداء صناعي للغاية في أن يكون أفضل ممثل مصري في القرن العشرين، بمصاحبة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، المدهش أن رفيقات فاتن هاجمن إختيارها، بينما لم يهاجم رجل واحد إختيار شكري سرحان ممثلاً للقرن، على الرغم من تفوق الكثيرين عليه في الموهبة والحضور.
لكن سرحان استفاد تمام من سحر الساحرة الطيبة التي أهدته أفلاماً يقوم ببطولتها في حجم قنديل أم هاشم، البوسطجي، اللص والكلاب، الزوجة الثانية، شباب إمرأة، قدم فيها اداءً عادياً ارتفعت به بقية عناصر الفيلم وصنعت منه علامة في تاريخ السينما في مصر.
وربما كان ذلك نصيباً عائداً لشكري سرحان من طبيعته الشخصية التي تميزت بكونه طيب القلب، و “ابن بلد”، حيث شهد جميع من كانوا يتعاملون معه طوال حياته أنه يتمتع بهذه الصفة، بالإضافة إلى تمتعه بأخلاق عالية، ويعود السبب في ذلك الى نشأته الدينية..، أو كما قالت عنه الفنانة الراحلة هند رستم "شكري‏ ‏سرحان‏ ‏كانت‏ ‏تربطني‏ ‏به‏ ‏زمالة‏ ‏مهنة‏, ‏وأذكر‏ ‏له‏ ‏انه‏ ‏بأخلاقياته‏, ‏وطباعه‏, ‏وتصرفاته‏ ‏كان‏ ‏يشعر‏ ‏ني‏ ‏بأنه‏ ‏الأخ‏ ‏الأكبر‏ ‏بتاع‏ ‏زمان‏ ‏وليس‏ ‏المودرن‏, ‏كان‏ ‏متمسكا‏ ‏بالأصول‏ ‏والتقاليد‏ ‏والقيم‏ ‏لأبعد‏ ‏الحدود‏, ‏ولا‏ ‏أنسي‏ ‏له‏ ‏موقفا‏ ‏شخصيا‏ ‏معي‏ ‏كان‏ ‏فيه‏ ‏نعم‏ ‏الزميل‏ ‏الشهم‏ ‏وهو‏ ‏أنني‏ ‏كنت‏ ‏أمثل‏ ‏معه‏ ‏في‏ ‏فيلم‏ ‏رد‏ ‏قلبي‏ ‏وكنا‏ ‏نجري‏ ‏بروفة‏ ‏لأحد‏ ‏المشاهد‏ ‏وكنت‏ ‏مرتدية‏ ‏بذلة‏ ‏رقص‏ ‏ـ‏ ‏لأني‏ ‏كنت‏ ‏أقوم‏ ‏بدور‏ ‏راقصة‏ ‏ـ‏ ‏وجلست‏ ‏أتكلم‏ ‏مع‏ ‏الراحل‏ ‏عزالدين‏ ‏ذوالفقار‏ ‏عن‏ ‏كيفية‏ ‏ضبط‏ ‏الاضاءة‏ ‏وما‏ ‏سنفعله‏ ‏في‏ ‏المشهد‏ ‏التالي‏.. ‏وهكذا‏ ‏وفوجئت‏ ‏بشكري‏ ‏سرحان‏ ‏ينادي‏ ‏علي‏ ‏اللبيسة‏ ‏الخاصة‏ ‏بي‏ ‏البنت‏ ‏اللي‏ ‏بتلبسني‏ ‏ويقول‏ ‏لها‏ ‏اطلعي‏ ‏هاتي‏ ‏لها‏ ‏روب‏ ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏فريق‏ ‏العمل‏ ‏بالنسبة‏ ‏لي‏ ‏أهل‏ ‏وكلنا‏ ‏أسرة‏ ‏واحدة‏, ‏وعندما‏ ‏احضرت‏ ‏البنت‏ ‏الروب‏ ‏قلت‏ ‏لها‏ ‏مين‏ ‏قالك‏ ‏ان‏ ‏أنا‏ ‏عايزة‏ ‏روب‏ ‏فقالت‏ ‏لي‏: ‏الأستاذ‏ ‏شكري‏ ‏هو‏ ‏اللي‏ ‏قال‏ ‏لي‏ ‏ذلك‏, ‏ساعتها‏ ‏شعرت‏ ‏بان‏ ‏شكري‏ ‏ليس‏ ‏زميلا‏ ‏بل‏ ‏هو‏ ‏أخ‏ ‏كبير‏ ‏وأنني‏ ‏أخته‏ ‏هو‏ ‏ده‏ ‏شكري‏ ‏سرحان‏ ‏برجولته‏ ‏وشهامته‏ ‏وأخلاقياته‏ ‏العالية‏, ‏أخلاقيات‏ ‏ولاد‏ ‏البلد‏, ‏لم‏ ‏ولن‏ ‏أنسي‏ ‏له‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏وعلي‏ ‏شاكلة‏ ‏ذلك‏ ‏الكثير‏ ‏والكثير".

أرشيفي السينمائي : بركة "السيد البدوي" تحل على المزمار المصري الأصيل





"الله الله يا بدوى جاب الأسرى "
                                                 *****
"ان كنت ناسي .. افكرك ياما كان غرامي .. بيسهرك وكان بعادي .. بيحيرك .. بيحيرك .. بيحيرك وان كنت ناسي أفكرك"
                                                *****
رأى السيد أحمد البدوي رؤيا قيل له فيها : قم واطلب مطلع الشمس . فتوجه مع أخيه السيد حسن تلقاء المشرق ودخلا العراق وزارا من دفن فيه من الأولياء ، منهم السيد عبد القادر الجيلاني ببغداد والسيد أحمد الكبير الرفاعي بواسط .
فلما أشرف على قباب الرواق الأحمدي المبارك أُلهم فقال :
هذي الخيام فليت شعري ما الذي : يجري علينا من عطاء كرامها
 فلما نام رأي الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه فقال له : أنشدني البيت الذي أُلهمتَه فأنشده البيت فقال :
ته بالقبول وجرَّ ذيلك زاهياَ : ولك المراد بأرضنا وخيامها
                                               *****
طبيعة السيد أحمد البدوى الفريدة المتفردة فى أسلوبها جعلت من خيال العامة والجهلاء مسلكا سريعا لنسج الحكايات حيث وجدنا فى تنقيبنا عن حياة السيد الشريف أحمد البدوى أنه ذو صفات لم تكن لأحد غيره من قبله أو بعده فهو الوحيد الذى اتهم بمثل هذه الاتهامات وأنه وحده من العارفين بالله الذى جاء بالأسرى المصريين أثناء الحملة الصليبية على مصر بعد لجوء احدى الأمهات اليه .. وهو دون غيره الذى كان يستطيع الصوم عن الطعام والشراب أربعين يوما متصلة .. وهو فقط الذى كان يطيل النظر الى السماء لساعات عدة حتى قالت عنه أخته أن عيناه كانتا يتحول سوادهما الى احمرار كالجمر من طول شخص بصره فى السماء كما أنه كان ملثما بلثامين ظلا يغطيان وجهه طوال عمره مما أضفى عليه الغموض وبما أن الناس منذ خلقهم الله شغوفين ملهوفين لكشف الغموض أو اضفاء الغموض على شئ ما فقد كان سيدنا أحمد البدوى ذو حكايات ومواقف فريدة من نوعها فى تاريخ العارفين بالله وأهل التصوف فكانوا يغزلون من مواقفه حكايات للسمر فى مجالس الجهلاء على الرغم أن علمه بلغ درجة لم يصل لها أحد حتى شهد له كل علماء وأقطاب الصوفية بأنه عميد عمداء التصوف على مر التاريخ .
                                               *****
موهوبة هي منذ الصغر، تملك تميزاً في الصوت والصورة والأداء‏، تعودت اللعب أمام رحاب مسجد السيد البدوي في طنطا، وكان إنبهارها بأداء المنشدين في تلك الليالي الصوفية شديدة النقاء، التي تشهد ابتهالات وأدعية وحلقات ذكر ، إلي تلاوات قرآنية مجودة من كتاب الله تتلوها أحلي وأجمل الأصوات البشرية المعروف عنها جمال الصوت وحلاوة الأداء والقدرة علي النطق الصحيح والسليم، سبباً في تعلقها بالغناء، وهو ما تسبب في تزويجها مبكراً، فلقد حولها "خراط البنات" مبكراً إلى إمرأة جذابة، وصدح صوتها ليعلن الخوف في قلب الأب على إبنته من "نداهة" الفن، التي جذبت ولده الأكبر محمد فوزي.
                                               *****
وتظهر أشهر كرامات السيد البدوي عندما لجئت إليه احدى أمهات المصريين وقد وقع ابنها فى الأسر بالحملة الصليبية على مصر والمعروفة بأسر لويس السادس عشر فى دار ابن لقمان بالمنصورة وطلبت منه انقاذ ابنها فأخبرها بالانصراف وسوف يعيد لها بنها من الأسر بإذن الله فعادت تجد ابنه وبقية الأسرى قد عادوا وفى أيديهم قيود الحديد فهللت وهلل معها الأهالى وغنوا له " الله الله يا بدوى جاب الأسرى "
                                              *****
صوت هدي سلطان هو ذلك اللون من الأصوات التي تبهرك بالأداء المتين الذي يتصف إلي جانب ذلك بدقة الأداء القائمة على فهم صحي وقادر لقدرات الغناء العربي، وحيث ان الصوت في الغناء الشرقي العربي غيره في الغناء الغربي الأوروبي لأنه صوت يقوم بجانب الموهبة على نعمة النطق الصحيح الذي تختلف حركته في الأصوات العربية عنها في الأصوات الاوروبية ونعمة النطق الصحيح تقوم عند الانسان منذ سنوات الصغر ثم تضاف إليها بعد ذلك إضافات التدريب والصقل والخبرة وجودة الغناء واكتساب ملامح وتقاليد الغناء العربي الرصين.
وهذا الغناء الرصين هو علامة في صوت هدي سلطان وهو غناء لا يكاد ينفصل عن عطاء موهبتها ودرايتها بفنون الغناء وخبراتها معه وتمرسها بأساليبه إلي جانب صدقها في التعبير عن دلائل سحره وجماله.
وقد اكتشف الموسيقار الكبير رياض السنباطي مقومات هذا الغناء الرصين عند هدى سلطان فكانت المطربة الوحيدة التي شاركته بطولة فيلمه السينمائي الوحيد "حبيب قلبي" من اخراج حلمي رفلة انتاج عام 1952.
                                               *****
من كرامات السيد البدوي أيضا حكاية فاطمة بنت برى وهى التى ألقى بها بعض العلماء فى طريق السيد أبو العطاب اختبارا له، وأيضا كانت نوعا من المكيدة له حيث اشتهرت بنت برى بحسن قومها وبهاء جمالها وشدة بياضها حتى كانت تباهى فى جمالها حوريات الجنة وتهفوا بدلالها وكأنما النسيم يجرى بين همسات كلامها .. فدخلت عليه ولاطفته وغازلته وكلمته وألقت عليه من كل صنوف الإراءات أنواع وأصناف وكل هذا ولم ينظر إليها ولم يحدثها حتى تعرت أمامه كما ولدتها أمها فلم يتحرك له ساكن ولما يأست منه انصرفت عنه وأخبرت مرسليها أنها دخلت على حجر ولم تدخل على بشر .. وبعد أيام ذهب اليها البدوى ودعا فيها وفى أهلها فعادوا إلى رشدهم وتابوا جميعا عن أفعالهم ومن يومها أصبحت بنت برى وأهلها مريدين للبدوى ولم تأت رجلا من بعد توبتها .
                                                    *****
ولقد تنوع غناء هدي سلطان فغنت لأغلب من عاصرتهم من ملحنين بدءا من نجاحها مع رياض السنباطي في أغنية "ان كنت ناسي أفكرك" وإلي تعاونها مع محمد عبدالوهاب في ألحانه لأغانيها "رجع الهوي تاني " الامل" و"نام يا حبيبي" ثم يغرد صوتها مع الاسماء الكبيرة المعروفة وأيضا غير المعروفة فتغني العديد من الأغاني الجميلة في مختارات الاذاعة مثل أغنية "حبيبي" ألحان فؤاد حلمي وأغنية "سبع أيام" من ألحان ابراهيم حسين واغنية "ان كان هوايا" من ألحان رياض البندك واغنية "احكي للدنيا" من ألحان حسين جنيد وأغنية "يا مجد يا عالي" من ألحان رؤوف ذهني وأغنية " شوقي ليك"من ألحان سيد مكاوي وأغنية" جاني الطير" من ألحان محمد محسن وأغنية في "عيني دمع" من ألحان عبد العظيم محمد وأغنية زفوا العرايس" من ألحان عبد الرؤف عيسي وأغنية " أم الشعور" من ألحان أحمد صبره وأغنية "عشاق المحاسن " من ألحان أمين عبد الحميد وأغنية "طعم الحب" من ألحان محمد قاسم وأغنية "حبيبي" من ألحان أحمد عبد القادر وأغنية  " نورت البيت" من ألحان عبدالمنعم الحريري وأغنية "يا نسمة طيري" من ألحان فتحي حجازي وأغنية " يا صاحبي من ألحان درويش الطنطاوي وأغنية "يا عشنا" من ألحان فاروق سلامة وأغنية "حكاية حب" من ألحان أحمد صبره.
واتجهت الى السينما وكان أول فيلم شاركت فيه "ست الحسن" عام 1950 ثم التقت بالممثل الراحل فريد شوقي  وتزوجا وشكلا ثنائيا فنياً في الخمسينيات أثمر أفلاماً منها "الأسطى حسن" و"جعلوني مجرماً" و"رصيف نمرة خمسة" و"المحتال" و"لمين هواك".
واشهر افلامها "إمرأة في الطريق" و"شيء في صدري" و"الاختيار" و"وداعا يا بونابرت" و"عودة الإبن الضال" والأعمال الثلاثة الاخيرة للمخرج يوسف شاهين ، وكان آخر أدوارها السينمائية عام 2003 في فيلم "من نظرة عين" مع منى زكي وعمرو واكد.
                                                    *****
اتهم الكثيرون العارف بالله السيد البدوي، بالنزق والجنون، والتجسس، وبلغ بهم أن قالوا أنه لا يصلى، وذهب كلامهم، وبقى السيد البدوي، ومقاماً يأتيه ملايين المريدين كل عام، وذهبت هدى سلطان، ولم تنل حظها من الشهرة على قدر موهبتها، بل ويقيت لا تصنف كنجمة أولى على الرغم من قيمتها الفنية، لكنها رحلت وبقيت قمة لا تغيب ولاتنسى... وإن كنت ناسي في أفكرك.