27‏/08‏/2012

أرشيفي السينمائي : ''وهلأ لوين ؟'' ... حلم سينمائي يحمل إبداعاً بلا حدود



حلم جميل تعيشه أمام شاشة العرض لمدة ساعة ونصف، تضحك وتبكي، تغضب، تثور، تهدأ تسترخي، مشاعر مختلفة متضاربة ممتعة تمر بها خلال مراحل فيلم المخرجة نادين لبكي الأخير وهلأ لوين، ذلك الفيلم الذي يذيف الكثير والكثير للسينما العربية، والذي يدور حول ضيعة منعزلة عن العالم، يعمل نسائها طول الفيلم على حماية هذه العزلة خوفاً من الفتنة الطائفية التي تضرب البلاد، حتى لا ينقلب مسلموها على مسيحيها، والعكس.
قصة بسيطة حملت داخلها تفاصيل مبهرة، خط درامي واحد يحمل بين طياته قصص مواقف فرعية صغيرة تخدم الخط دون تشتيت، لم تطغى إحداها على الأخرى، تم معالجتها بلا سقف رقابي، أو ديني، أو داخلي، بتحرر كامل لصناع الفيلم، فجاءت عبقرية بسيطة تستقبلها روح المشاهد قبل عقله وقبل حتى عينيه التي تشاهد الفيلم، دون أن تتعدى على الدين أو حتى على الحرية الشخصية.... وصفة بسيطة صعبه على أي مبدع يحمل سقفاً في روحه، وكلنا في مصر نحمل هذا.
إعتمدت مخرجة العمل وكاتبته على تفاصيل إشتباكات حياتية بين أصحاب الدينين، وعلى كيد النساء الذي يصل إلى مرحلة جلب فتيات عرض روسيات لرجالهن حتى ينشغلن عن الصراع الطائيفي، وسط أداء مدهش في تلقائيته لبطلات الفيلم والتي تشعر بحميميتهم خلال كل الأحداث، مما يجعلك منتمي لتلك القرية، تتآمر مع نسائها من أجل منع الفتنة، التي راح ضحيتها فيما مضى العديد من أبناء القرية، وترغب الأمهات والأرامل ألا يخسرن مرة أخرى.
قد تظلم الفكرة وطريقة تنفيذها عناصر الفيلم الأخرى، التي لا تقل تميزاً عنها، حيث نجحت نادين ببراءة كاميرتها خلال فيلمها الثاني فقط في أن تصنع حالة مبهرة بصرياً، على الرغم من بساطة القرية التي تدور فيها الأحداث وفقر بيوتها، إلا أنها صنعت بعداً عاطفياً مع هذا القدم والفقر، وقدمت إيقاعاً متسارعاً للفيلم، نجحت خلاله في أشد لحظات الفيلم حزناً أن تضحك المشاهد وتنقله من حال لحال كجراح ماهر يداوي الجروح.
موسيقى الفيلم عبقرية وتصنع حالة سمعية وحدها إن إنفصلت، تم غزلها داخل الفيلم في أفضل أماكنها، وكأنه الرتوش النهائية للوحة عظيمة، التصوير والملابس، وحتى تلك الهيئة المسئولة عن شئون حيوانات القرية أدت دورها بإتقان، المونتاج كان أقل عناصر الفيلم إبهاراً إلا أن هذا لا يعني أنه كان سيئاً.
فيلم وهلأ لوين فيلم يستحق المشاهدة عدة مرات، فيلم يحمل رسالة السينما كما تعلمناها، فن ومتعة وقيمة، فيلم يعطينا درس أن الإبداع لا سقف له، وأن تلك الحدود هي التي تصنع فناً مشوهاً، أما الحرية فتقدم فناً حقيقياً قادر على التأثير في الناس.
ملحوظة : شكراً للمنتج هشام عبدالخالق على مشاركته في إنتاج هذا الفيلم، لنرى اسم مصر عليه مع لبنان وفرنسا.
التقييم :  10 / 10 وعن جدارة.

ليست هناك تعليقات: