13‏/11‏/2010

قلب الحجـــر




اليوم يوم ميلادي، سعيد أنا بانفصالي عن الأم، سعيد بانتقالي من قفار الصحاري إلى دفء المدينة والبشر.... نسيت أن أعرفكم بنفسي، حجرا أنا.... قطعة من الحجر البازلتي، ظلت جنينا في رحم الجبل قرونا وقرون.
حتى جاء دوري لأرى النور وانتزعتني يد البشر وآلاته وسط ضجيج هائل من صحراء جرداء لا تعرف شكل الماء إلى ورشة فنية لنحات شهير .
استقر مقامي عند وصولي في أحد أركان ورشته الفنية، فاخذت رغما عني اتأمل جمال المكان وألوانه الصارخة التي ذكرتنى بجيرانى في قلب الجبل، ثم لفت انتباهى وجود اخوة وأبناء عمومة لى اتخذ كلا منهم شكلا رائعا من ابداع هذا المثال.
ولا أخفيكم سرا شعرت بالغيرة من جمال التكوين وابداعه.
وأخذت أترقب اليوم الذي سيهبني فيه صاحبي شكلي النهائي، لكي أثير الدهشة وامتلىء بالجمال، مرت الأيام وانا اتأمل صاحبي في طقوسه اليومية، وأتلمس حركات يديه بحثا عن لحظة يبدأ فيها تكويني.
لاحظت فيما لاحظت امرأة جميلة تتردد عليه كل ليلة، تأتيه فيترك الدنيا ويكاد يؤجل تنفسه حتى لا يشغله شيئا عنها.
يتبادلان القبل والأحضان وينام فى أحضانها كطفل صغير.
تأتيه حزينا أو سعيدا وتتركه صباحا أكثر سعادة.
حتى جاء هذا اليوم المنتظر واقتربت مني صاحبتنا الفاتنة، أو فاتنة صاحبي، وأشارت إلى قائلة : متى تبدأ؟
وأعقبت سؤالها بضحكة حانية.
فأسرع صاحبى واحتضنها وقال : من الغد ياحبيبتى اصنع تمثالك
ارتجفت أنا الجماد أيها البشر، أخذت أعد الساعات حتى تشرق شمس الغد وصديقى لاه بأحضان حبيبته شبيهتي المستقبلية.

وفى الصباح اقترب منى صاحبي في هدوء، تأملني طويلا ثم تحسسنى بيد شعرت فيها بالدفء البشرى المذهل، قبل أن يبتسم ويقبلنى في سعادة ويصرخ بصوت عال مخاطبا خياله: أحبك أحبك 
وللمرة الثانية يرتجف قلبى واتمنى قلبا كالبشر.
أسرع صديقى وأحضر إزميله وكان مع أدواته وهو يعمل كناسك يتبتل فى محراب.
صدمتني كمية الألم غير المحتمل، كان الإزميل يقتلنى في كل ضربة، كرهت الدنيا ويوم ميلادي، وحتى صاحبي، وتعجبت من قدرة البشر العجيبة على إيلام الغير دون إحساس.
حتى أتى المساء فنفض يديه مني، وألقى على جسدى غطاء، تاركا إياي ائن أنينا لا يسمعه إلا من كان مثلي.
وأخذت أتسائل هل مر كل اخوتي وأبناء عمومتى بما مررت به الآن؟
إذن يجب أن أتحمل حتى أصل للكمال مهما كانت معاناتي أكبر وأنا الاصلب، للهدف ضريبة، طريق يجب تحمله.

ومرت الأيام في عمل دؤوب صاحبت فيها الألم ليال طويلة، لكني لم اعتده ولم يكن ينسيني إياه إلا صيحات اعجاب حبيبته ولمساتها الحانية كلما كانت ترانى وترى التطور في جسدي.
صرت أشعر أننى قطعة منهما كلما احتضنا بعضيهما أمامي.
حتى كانت ليله سمعت صديقي يخبرها أن تأتي في الصباح لترى تمثالها في صورته النهائية،
ساعتها لو كنت أملك القدرة على الطيران، لحلقت سعيداً، في الغد أصل للكمال، في الغد أشبه البشر.

وفي الصباح لم يأت صديقي ولا صاحبته، مر اليوم تلو الآخر دون مجيء أحدهما، امتلكنى القلق وافتقدت حتى الألم الذى صاحبنى شهورا طويلة،أخذت اتسائل : ألن أكتمل؟
حتى أتى مساء يوم ممل آخر، واذا بصديقي يعود مترنحا من فرط السُكر، يحتضن بدلا من حبيبته زجاجة خمر، بدا ةوكأنها تودعه، يبكى بكاء كالظلام، ينتشر دون توقف.
احضر مقعدا وجلس أمامي، ازاح الغطاء عني بعنف، وأخذ يسب حبيبته ويسبني وأنا فى دهشة، قذفنى بزجاجة الخمر بعد أن انتهت، تحطمت حولي إلى شظايا، نهض في عصبية متحاملا على نفسه وارتمى في أحضاني ضعيفا يرتجف، دون أن يلتفت لتلك القطع الزجاجية الصغيرة التي انغرست في قدمه.
صرخ بألم شعرت به وكأنه الإزميل: لماذا تركتيني وأنا أحبك، تلك خيانة، لماذا..لماذا؟
لم أدرك تأثير الكلمة، فنحن بني الحجر لا نخون بل نحتمل حتى الموت.
تساقطت دموع صاحبي على جسدي، ارتجفت رغمل عني، شعرت ألما يفوق ألم الإزميل، أدركت أنا الحجر للمرة الأولى طعم الماء، وياليتنى ما أدركته.
 تزلزل داخلي تداعى كياني، ارتجف قلبي وناح على صاحبي نواحا حجريا يشبه الصدى.
وعندما سقط على قدمي فشلت في البكاء وإن تمنيته، لم يطاوعنى قلبى الحجري.
وعند الصباح عندما أصر صاحبي على استكمال تمثاله، ومع أول ضربة إزميل تفتت إلى عشرات القطع.
صرت أما لقطع جديدة صغيرة.
ودعت صديقى بنبضة قلب حجري ذاق طعم الماء لأول وآخر مرة.