فى تلك الليلة الصيفية فى منتصف الاربعينيات فى تلك القرية القريبة من مدينة أبو حمص ذات الرصيد التاريخى الطويل منذ العصر الفرعونى حتى العصر الأسلامى ولد عبدالعزيز مخيون الذى سُمى على اسم عمه السياسى الذى يخوض انتخابات مجلس الأمة , وفى مدرسة المدينة الابتدائية وعلى يد استاذه حسن قدرى المحب للفنون خاض اول تجاربه المسرحية فعرف المسرح وعشقه .
ومالبث أن تفتح وعيه على ثورة يوليو فاستقبلها كاستقبال الارض العطشى للماء وعبر الاذاعة التى عشقها تنسم اخبارها وآمن بمبادئها , وعلى مفترق الطريق الذى يبدأ كل شاب عنده فى اختيار طريقه , قرر عبدالعزيز مخيون الالتحاق بالكونسرفيتوار ولكنه فشل فالتحق باختبارات معهدى السينما والفنون المسرحية ونجح فى كلا الاختبارين لكنه اختار الفنون المسرحية لعشقه للتمثيل .
وحين رفض المعهد التحاقه به , ارتدى للمرة الاولى ثوب المقاتل الذى لن يخلعه بعد ذلك فقدم شكواه للجهات المسئولة حتى حصل على حقه والتحق بفرقته الدراسية حتى تخرج من المعهد فى منتصف الستينيات لينضم الى القوات المسلحة مقاتلا اجادت اختياره , ليذوق مرارة النكسة ويعمل بجد حتى يتذوق حلاوة النصر , ويترك العسكرية وهو يحمل على كتفيه خبرة وشرف المشاركة فى حربين , وما بين مشاركته فى بداية طريقه بادوار صغيرة فى افلام بحجم "الكرنك" و " اسكندرية ليه " و " حدوتة مصرية " وحصوله على منحة للسفر الى فرنسا لاكمال دراسته المسرحية لم يخلع الفارس ابدا درعه ولا وضع سيفه .
لم يقدم تلك التنازلات المعهودة لنجم فى بداية الطريق بل اكتفى بتصيد الفرص الحقيقية لصعود درجات سلم يناسب موهبته الحقيقية ولا يخذل ذلك المقاتل بداخله , الى ان منحه المخرج على بدرخان عام 1986 دور البطولة فى فيلم " الجوع " بجوار نجوم فى حجم سعاد حسنى ومحمود عبدالعزيز ليثبت الفارس انه رفيع الموهبة رائع الاداء , ولكنه مثل "دون كيخوتة " ذلك الفارس الطيب الذى اراد احياء الفروسية بعد موتها فخرج الى البرية ليواجه الشر ويحاول القضاء عليه فيواجه اعداء ليسوا باعداء واخرين صاروا اعداء من حيث لا ينتظر العداوة و واجه مخيون فى رحلته العديد من المطبات والعثرات و التقط بينها أنفاسه ببعض الاعمال الدرامية القيمة مثل " انا و انت و بابا فى المشمش " و " ليالى الحلمية " و " ام كلثوم "و افلاما مثل " الهروب " الا انه سقط جريحأ على شفا الموت بيد الخيانة فى جريمة تلقى فيها العديد من الطعنات وظل ملقيا يواجه حتى الموت بروح المقاتل الذى لا يلين , ذلك المقاتل الذى مكنه من مقاومة الاصابات و الاستشفاء والعودة للحياة بنفس الروح المرهفة الحساسة التى رفضت ان تركب الموجة ورفضت الالقاب الرنانة ¸ فاختار المعارضة املا فى مستقبل افضل ولم يلق بالا لكل العقبات التى وضعت فى طريقه لانه انضم لاهل أرضه وفضل ملح الارض على قمة المجتمع .
فنان مثل عبدالعزيز مخيون هذا اليسارى الشاب الذى صار الان كهلا وطنيا... فارس حقيقى خاض غمار العمل الفنى والسياسى معا دون أن يتنازل, يستحق اكثر بكثير و موهبة بحجم موهبته تستحق مكانا افضل لولا فقط اننا فى عصر ينحنى فقط للانحناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق