متدوسش على جرح حد..الجروح صيادة لو روحك في السما حتجيبها الأرض جبر الخواطر عبادة *** خليك في الحزن حضن وكون للفرح ركن خليك قد التحدي خللي الإرادة عادة *** الورد مالوش تمن قدام قلب أعمى وإيه تسوى المحبة ومش جواها رحمة واوعاك تكون غبي خللي قلبك نبي ..حتلاقي السعادة *** الطبطة فعل قلب..والغفران مش للبشر ده طبع رب والسماح عن اي ذنب..طبطبة...بس مين لسه باقي عنده قلب خليك م اللي باقي خللي سعادتك إرادة
لا يمارس الشارع المصري السينما سوى عندما تلتقطه كاميرا محمد خان، تلك الكاميرا التي اقتحمته قبل ما يقرب من ربع قرن عندما قدم فيلمه الثاني “ضربة شمس”، وهو ما ظهر واضحا في فيلمه الـ23 “فتاة المصنع” ذلك الفيلم الذي يعود فيه خان لهوايته السينمائية الأثيرة في استعراض حياة الفقراء والمهمشين، يعود فيه مرة أخرى لعالم “أحلام هند وكاميليا” و”الحريف”، حيث يتناول تفاصيل حياة حارة ضيقة لا تنجب سوى البنات بناء على أسطورة قديمة، يستعرض أبطالها الرئيسيون – نساء بحكم الأسطورة الدرامية – تفاصيل صراعهم الدائم مع الحياة بسبب الفقر والكبت والاحتياج، وما بين الفقر والبحث عن المادة والذي تعاني منه “عيدة” الأرملة التي فقدت زوجها بعد انجاب البطلة وتزوجت أخر أصغر سنا والتي لعبت دورها الفنانة سلوى خطاب، والكبت والحرمان وكذلك قهر المجتمع الذي تعاني منه “هيام” الفتاة العاملة في المصنع والتي لعبت دورها بطلة الفيلم الفنانة ياسمين رئيس، والاحتياج المادي والجنسي الذي تعاني منه خالة البطلة المطلقة التي لعبت دورها الفنانة سلوى محمد على. ومن خلال تلك الشخصيات الدرامية الثلاث يغزل خان على السيناريو الذي كتبته وسام سليمان فيلمه الأخير فتاة المصنع، من خلال خطوط تتقاطع كثيرا بحك ضيق الحارة وتوحد المصير والمعاناة المشتركة، وهو ما نجحت كاميرا خان التي عشقها الشارع وحفظت تفاصيله في نقله من خلال التصوير في حارة حقيقية ومصنع يعمل بالفعل دون الحاجة لأي ديكورات، مما أعطى الفيلم ميزة النقل الحي والحقيقي لمحيط حياة أبطال الفيلم، لكن خان وللمرة الأولى اخراجيا يقع في خطأ الانسياق لرغبة تصوير مشهد عبقري لا يمكن وجوده واقعيا، وهو هذا المشهد الذي يدور في صندوق سيارة زوج أم البطلة، والذي تلجأ إليه البطلة وأختها الصغيرة وخالتها وينمن فيه بعد الفشل في دخول شقة الخالة للمبيت، وهو ما يستحيل فعليا في أي حارة في منطقة عشوائية حيث لا ينام الناس في تلك الأزقة، وكذلك يتعاطى شبابها جميع أنواع الكيف بحثا عن أي متعة، مما يستحيل معه نوم 3 نساء في الشارع داخل صندوق سيارة مكشوف. وربما يكون هذا خطأ موجود في السيناريو الذي يعتبر أضعف حلقات الفيلم، والذي سقط في فخ تعليب بعض الأشخاص والتعاملات – إكليشيه – من خلال رسم نمطي للغاية لشخصيات الفيلم الفرعية، وكذلك العلاقات العرضية خلال الفيلم، إلا أنه نجح تماما في نقل أدق تفاصيل علاقة فتاة المصنع التي عشق المهندس المشرف التذي ينتمي لطبقة أعلى، من خلال الإلحاح ومحاولة الدخول في تفاصيل حياته، وكذلك التعبيرات الموحية المقصودة بغرض تضليل المشاهد لوصول إلى نتائج غير حقيقية يكشف عسكها الفيلم في النهاية. ويبقى احتفاء خان بالرائعة سعاد حسني التي أهدى إليها فيلما ما كانت ستترك غيرها يمثله اذا كانت حية شيء مبهج للغاية، إلا أنه على الرغم من البهجة التي يشعر بها المشاهدون بسبب صوت السندريلا لم يكن موفا دراميا تماما، وبدا محشورا في بعض المشاهد – مثل مغادرة هيام للمصنع على أنغام شيكا بيكا -. أما على مستوى التمثيل فحدث ولا حرج، وكأن خان الذي لا يتعامل سوى مع الموهوبين، قرر أن يفجر مفاجأته الخاصة في هذا الفيلم، ويعطي الفرصة الحقيقية للفنانة ياسمين رئيس كما أعطاها لصديقه الفنان أحمد زكي منذ 24 عاما في “موعد على العشاء”، لتقدم إلينا دورا لا ينسى، نجحت فيها في تقديم شخصية “هيام” الفتاة الشعبية التي تسكن العشوائيات وتعمل في مصنع ملابس وتتشوه سمعتها نتيجة علاقة حب من طرف واحد، والتي تتعرض إلى قهر مجتمعها الحاقد على قصة حبها الفاشلة، وقهر الطبقة الأعلى التي ترى حلمها محاولة مستحيلة، وبتفاصيل وصلت أحيانا إلىى طريقة الضحك، والمشي وارتداء الملابس وحركات الشفاه بدت ياسمين وكأنها ولدت وعاشت طيلة عمرها داخل ذلك الدور، في اشارة إلى ممثلة هامة تنتظرها السينما من أجل العودة للحياة. وعلى الصعيد ذاته تبقى سلوى محمد علي نفس الممثلة الرائعة التي لا تتوقف عن ابهار المشاهدين بسهولة وسلاسة تليق بموهبتها الرائعة، داخل أطر مختلفة في كل دور وكأنها امرأة بألف وجه لأنها ممثلة حقيقية تليق بها مكانة أكبر وأهم في السينما. أما سلوى خطاب فتبقى الألفة، وأسطى التمثيل الذي يعود رويدا رويدا إلى عالمه الحقيقي بعد سنين من الغياب. ويبقى هاني عادل المطرب الذي يمر كثيرا أمام كاميرات السينما – ربما هو الأكثر تمثيلا خلال العام الأخير – دون أي موهبة تمثيلية حقيقة لدرجة أنه فشل في تقديم دورا يليق بجمود ملامح وجهه وعجزها عن التعبير والأداء الصوتي والحركي. لكن يبقى فيلم “فتاة المصنع” فيلما حقيقيا، نستطيع أن نناقشه ونحلله ونتناول تفاصيله دون الحاجة إلى التشبث بنقاط محددة نتيجة عدم وجود فيلم في الأساس، ويبقى كذلك داخل الروح عقب مغادرة قاعة العرض نتيجة الألم الذي تشعر به والغضب الذي تعجز عن كبحه من كل هذا القهر الذي يعاني منه إنسان كل ذنبه في هذا المجتمع أنه ولد أنثى فقيرة لم تنل تعليما عاليا، ويبقى مشهد الرقص الذي ختم به الرائع محمد خان فيلمه ملخصا لكل أحداثه، وبيت الشعر الذي يقول: لا تحسبن رقصى بينكم طربا ..فالطير ترقص مذبوحة من الألم.
تتطور لعبة كرة القدم بشكل مستمر، عبر العديد من خطط اللعب الجديدة التي تواكب العصر، والسرعة الهائلة التي صارت اللعبة تتميز بها، وكذلك قوانين اللعب التي يحرص واضعوها دائما على أن تخدم فكرة المتعة والسرعة، إلا أن اليابان وحدها طورت كرة القدم في ساحة "المانجا" بعيدا عن ملاعب العالم وقوانين "الفيفا" وكذلك قوانين الجاذبية لنيوتن، والناموس الطبيعي.
وبعيدا عن ادعاء المصريين بأن الفراعنة هم أول من اخترع كرة القدم، واعتراف العالم بأن بريطانيا هي وطن الساحرة المستديرة، تبقى اليابان، وطن الملاعب العشبية البيضاوية، التي تشبه الحركة فيها شوارع الاسكندرية الجانبية على الكورنيش، والتي تم تصميمها من أجل مياه الأمطار، وربما عليك أن تنتظر حلقة كاملة حتى يرى اللاعب الذي يجري بالكرة مرمى الخصم عن قمة الملعب. نعم في اليابان حيث كابتن "هوشيزورا تسوباسا" - تعني أجنحة السماء الزرقاء - الشهير عربيا بكابتن ماجد، ظهرت الملاعب ذات القمة، وهؤلاء اللاعبون الذين يقفزون لما يزيد عن 9 أمتار، ويتوقفون في الهواء من أجل ذكرى ما، أو فكرة طارئة، أو حتى حوار ومناظرة مع خصم.
وبألفاظ لا تعرفها كرة القدم، وغالبا لن تعرفها، خرجت "المانجا" عام 1983 بعد سنتين من صدور أول عدد من "مجلة المانجا"، لنعرف للمرة الأولى "ضربة الصقر"، و"ضربة النمر"، و"الضربة الصاعقة"، و”النار هوك”، ونرى هؤلاء الأطفال الذين يتبارون في دوري للمدارس يحلمون بالوصول لكأس العالم والاحتراف في البرازيل، بغض النظر أنه لا أحد يحترف في البرازيل سوى في "كابتن ماجد".
وتتكون هذه السلسلة من 128 حلقة، وتدور حول طفل مغرم بكرة القدم يدعى "هوشيزورا تسوباسا" أو "ماجد كامل" في الدبلجة يصل لمدينة نيشيزاوا ("المجد" في الدبلجة) ويتعرف على رفاق جدد في لعب كرة القدم، وتنتهي بحصول اليابان (منتخب العرب في النسخة العربية) على كأس العالم للشباب دون 17 سنة.
وقد أنتجت شركة "يونج فيوتشر" النسخة عربية سنة 1990 بدبلجة أردنية حتى الحلقة 55 بأسماء عربية، ثم بدبلجة سورية من إنتاج مركز "الزهرة" تحت اسم "الجزء الثاني" غطت باقي الحلقات من 56 إلى 128 واحتفظت بنفس الأسماء المعربة.
وأخيرا في 1990 وقع إنتاج سلسلة 14 حلقة اضافية تحت اسم "كابتن تسوباسا الجديد" (Shin Captain Tsubasa) تتضمن تتمة الأحداث من "المانجا" منذ ذهاب ماجد للبرازيل حتى احترافه هناك، لكن لم تتم دبلجتها للعربية.
ومن المثير للدهشة أن لاعب الكرة الذي داعب خيال الأطفال العرب من مواليد الثمانينات والتسعينيات، قد قام بدبلجته خلال الدبلجتين الاردنية والسورية امرأتان، هما سهير فهد، وأمل حويجة، وبغض النظر عن الطبيعة الخاصة لكرة القدم داخل تلك الحلقات، بقيت عين الفيفا ساهرة تبحث عن فرصة للكشف العمري على "بسام" ذلك طفل المفترض أن لديه 9 سنوات و لكن يبدو في جسد الرجل البالغ ، كما أنه لا يسجل أي هدف إلا بعد أن يكون قد ضرب نصف الفريق الخصم و أسقطهم أرضا.
ثم انتج الجزء الثالث من هذه السلسلة سنة 1994 ودبلج للعربية أواخر التسعينات من 46 حلقة على يد مركز الزهرة في سوريا، وكان يدور حول مغامرات الشخصيات في تصفيات كأس العالم للشباب واحترافهم في الخارج.
وأخيرا في 2002 تم انتاج أحدث سلسلة مصورة من 52 حلقة تم إنتاجها من قبل شركة "شوجاكوكان" لكنها أنتجت بحيث لا تتبع القصة الأصلية، مع أنها إعادة تصور لها بشخصيات أكبر سنا بقليل، وتم دبلجتها في 2005 للعربية في سوريا من طرف مركز الزهرة بعنوان "الشبح"، واطلق عليها أيضا "الكابتن ماجد الجزء الخامس".
وكذلك تم اصدار ألعاب إلكترونية للكابتن ماجد، ورفاقه مازن حلمي خصم ماجد الأهم والمصاب بأزمة في قلبه، وحارس المرمى وليد الذي أفلت من البرازيل واحترف لفترة في المانيا، وبسام صاحب "ضربة النمر" و"مخلب النمر" - بغض النظر عن علاقة النمور بكرة القدم - والذي يعتبر أول محترف حقيقي يكسب من اللعبة، وياسين توأم ماجد الروحي، ورعد حارس مرمى فريق ماجد ولاعب الكاراتيه المعتزل وخامس أفضل حارس في العالم - والله الخامس -، وعمر اللاعب خفيف الظل، والعديد من الشخصيات الأخرى أبرزها المدرب فواز الأب الروحي لماجد، والكابتن عصمت مدرب بسام، وكارل هاينز شنايدر نجم نجوم ألمانيا الملقب بقيصر وإمبراطور الكرة الأوروبية، والوحيد الذي استطاع أن يتغلب على الكابتن ماجد، ولانا نامق، التي تحولت في الجزء الثالث إلى لانا حمدي عبدالوهاب، ثم إلى لانا محمد شيحة عبد الوهاب، والتي ستتزوج ماجد في النهاية بغض النظر عن اسم والدها.
تمزقت شباك كثيرة عبر ما يزيد عن مائتي حلقة، أضاع الكابتن ماجد نصفها معلقا في الجو باحثا عن المرمى، وقضى الأطفال ليال طويلة يتحرقون شوقا إلى حلقة الغد لمعرفة مصير تلك "الشوطة" التي أطلقها بطلهم المفضل تجاه المرمى واستمرت لحلقة كاملة، ووصل المنتخب العربي لنهائي كاس العالم، وفاز بها، وخلال ما يزيد عن 20 عاما، بقيت الكرة العربية كما هي تحمل شعارا واحد "اسدا علي وفي الحروب - الماتشات- نعامة، وظل الكابتن ماجد ابتسامة عريضة على وجه كل كبير لأنه يوما صدق أن ما يشاهده له علاقة بالكرة.
«التاريخ يؤكد أن البشرية وضيعة..حافظ على إنسانيتك قدر المستطاع» لأفلام السير الذاتية دائما مذاق خاص، وكذلك كل الأعمال التي ناقشت التاريخ الاسود للرق، وخاصة العبودية في الولايات المتحدة منذ مسلسل "الجذور" وشخصية "كونتا كنتي" الشهيرة، تلك الأعمال تجعل المشاهد يشعر بالقشعريرة ويخجل من إنسانيته في صمت، مذهولا مما رأى. وهذا ما يفعله فيلم 12 Years a Slave في المشاهد، وهو يدور حول عازف كمان أسود من مواليد نيويورك ولد حرا، ويتم اختطافه بعيدا عن زوجته وأطفاله بعد خدعة ما، ليعمل 12 عاما كعبد في ولاية جنوبية بعيدة، يتنقل خلالها بين سيدين من البيض، أحدهما أكثر إنسانية من الأخر، لكنهما يشتركان في ممارسة السيادة، ومن خلال أحداث هذا الفيلم التي تدور في منتصف القرن التاسع عشر، يتم كشف جرائم ضد الإنسانية ارتكبها مستعمرو أمريكا البيض ضد العبيد، وهو ما ناضل بسببه بطل الفيلم "سولومون نورثوب" الشخصية الحقيقية التي قدمها الممثل Chiwetel Ejiofor وسعى إلى كشفه بعد هروبه من العبودية، وكتب سيرته الذاتية وساند مواطنيه من العبيد وطارد خاطفيه في المحاكم حتى مات. وهو ما نجح المخرج ستيف ماكوين في تحقيقه من خلال زوايا التصوير والالسيطرة على أداء الممثلين، وكذلك الكادرات الخاصة بمشاهد العنف والتعذيب والإغتصاب، وربما يكون أول مخرج أسود يفوز بجائزة الأوسكار المرشح لها كأفضل مخرج، لكن يعيب الفيلم فشله في إظهار مرور الوقت (باستثناء العنوان، ونهاية الفيلم حيث يظهر أولاده وقد كبروا )، وتبدو الأحداث وكأنها وقعت فقط على مدى العام، من حيث السرد و الشخصيات. ويستعين ماكوين بممثله المفضل Michael Fassbender والذي قام ببطولة فيلميه السابقين ليؤدي دور صاحب المزرعة الأبيض القاسي، الذي يحب فتاة سوداء تعمل في مزرعته، ويكره عبيده وتدور بينه وبين زوجته البيضاء مشاكل عديدة بسبب تلك العلاقة الغامضة، وهو ما يلعبه فاسبندر بمهارة شديدة، خاصة تلك المشاهد التي بدا فيها مخمورا يبحث عن البهجة أو غاضبا، والاخرى التي كان يتحول فيا إلى عاشق سادي يحب عبدته المستسلمة لاغتصابه، وهو الدور الرائع الذي لعبته Lupita Nyong'o، وقدمت من خلاله ما تعرض له العبيد المولودين لأباء من عبيد، الذين لا يملكون حرية الحلم إلا بالموت. أما Chiwetel Ejiofor بطل هذا الفيلم وشخصيته الرئيسية والذي لم يقدم أدورا حقيقية من قبل في السينما، فهو يعد اكتشافا للمخرج ستيف ماكوين، حيث يملك هذا الممثل طاقة كبيرة وموهبة متميزة وقدرة غير عادية على التمثيل بملامح وجهه، وكذلك عينان مختلفتان، تجبر المشاهد على متابعتهما طول الوقت، مع أداء رقيق ورائع للغاية، وقدرة غير عادية على التمثيل صامتا، بعدما أجبرته ظروف العبودية على إنكار معرفته بالقراءة ولاكتابة، وانكار كل مواهبه عدا العزف على الكمان، ومتابعة ما يحدث دون إمكانية المشاركة فيه، في الحقيقة هوليوود تتستقبل مورجان فريمان جديد. ولأن مجرد وجوده في أي فيلم لا يمكن إغفاله، يواصل هانز زيمر صناعة موسيقاه التصويرة المدهشة، تلك الموسيقى التي تستطيع إذا أغمضت عينيك على أن ترى الأحداث في مخيلتك، وكأنه يكتب سيناريو لا نوتة موسيقية. فيلم 12 Years a Slave أحد تلك الأفلام المهمة، التي قد تفوز بجوائز عديدة في الأوسكار، أو لا تفوز، لكنها ستبقى لأنها تكشف أفظع ما في الإنسانية، وتمس قلب المشاهد من خلال سردها وذلك المزيج الفني الرائع الذي تشعر معه في مشهد النهاية، حين كان بطل الفيلم يعتذر لأسرته دون مبرر للإعتذار، أنه يعتذر للمشاهد عن كل هذا الألم الذي لمسه خلال رحلة العبودية التي استمرت 12 عاما.
الموسيقى هي الفن الوحيد غير المرئي، والذي لا نستخدم سوى حاسة السمع للاستمتاع به والتفاعل معه، مما جعله الأقرب إلى الروح، حيث تقل مساحات الروحانية كلما زادت الوسائط، لكن الموسيقى وحدها تمر إلى الروح وتحتضنها صاعدة بها إلى آفاق جديدة في سلاسة مبهرة، قد تصل إلى دفع الجسد إلى التمايل والرقص على أنغامها في توحد مدهش ومثير عن طبيعة ذلك التأثير.
الموسيقى هي لغة التعبير العالمية، والموسيقى هي اللغة التي نسمعها في كل شيء في الحياة في الطبيعة في المنزل من التليفزيون والكمبيوتر وفى العمل، في رنات التليفون المحمول، في وسائل المواصلات، هي كل تلك الأصوات المتناغمة حولنا.
وما من موسيقى لم ترددها الطبيعة يوما ما، وما من صوت إلا ومارسته الطبيعة منذ قديم الأزل، وكأنها دائرة مغلقة لا تفنى فيها الأصوت ولا تستحدث من العدم، وكأن كل صوت نسمعه الأن هو مجرد صدى لشخص ما أو حدث ما في الزمن البعيد، وتبقى تلك الأصوت الخالدة في نفوسنا وكأنها مشتقة من الطبيعة، كأن يحكون في الأثر أن الله اشتق صوت الرعد وأم كلثوم من نفس المادة مثلا ثم أمرها بالفناء، فاستمر صوت الرعد ولم يتكرر صوت «ثومة».
وتقول الأسطورة أن صوت محمد قنديل تم نحته من شروق الشمس براق وساطع ودافيء، لا يغيب أبدا، أما صوت محمد عبدالوهاب، فتم اختراعه على يد صاحب ماركة «رولزرويس» ولم يتم اكتشافه خالصا في الطبيعة، لأنه يبدو وكأن كل تفاصيله صنعت يدويا حسب رغبة صاحبه الشخصية.
وكان صوت أسمهان يوما ما لطائر الفينيق الأسطوري، بكل ما يحويه من قوة، بينما اشتق صوت محمد فوزي من رعشة أوراق الشجر لحظة سقوط المطر، لأنه صوت مفعم بالبهجة، مليء بالحياة.
وجاء صوت عبدالحليم حافظ من لحظة تمر فيها نسمة العصاري في ليلة صيفية، رقيقة ضعيفة لكنها مؤثرة متأثرة، لأنه إحساسا تجسد في حنجرة إنسان.
وعندما صدح أول عصفور على وجه الأرض، ذهب صوته ليسكن حنجرة شادية، لتبقى «الدلوعة» عصفور كناريا الغناء العربي، ومن بائع جائل في عصر المماليك، نادى على بضاعته فسكن صدى صوته روح وردة، بكل ما يحمله صوتها من قوة، بينما هربت نغمة «هارب» فرعوني لتكون نجاة الصغيرة، برقة صوتها وحنانه وانتمائه لذلك الوطن.
ومن خرير شلال هادر خرجت فايزة أحمد، بكل ما لدى الشلال من اندفاع وتدفق، ومن ليلة عيد سكنت روح طفل سعيد خرجت صباح، بكل تلك الشاقوة الممزوجة بالسعادة، ومن هزة عود وتر أول ربابة تم تصنيعها جاء صوت محمد العزبي، محملا بكل قوة تراثنا وعمقه.
ويعرف عن صوت على الحجار أنه صهيل أول حصان مروض على سطح الأرض، بما لدى الحصان من مرونة وجمال وطلاقة، ولكن صوت منير كان زفرة صانع فخار نوبي في لحظة تركيز، حاملا ذاك التميز الآتي من الجنوب.
وكأن العود إذا غنى كان فريد الأطرش، أعظم من عزف عليه وكأنهما توحدا، وإذا قررت القهوة أن يكون لها صوت كانت فيروز، بكل ما يحويه صوت فيروز من مزاج وروعة، ومن بين أوتار القانون نشأ مدحت صالح، بشرقية صوته وقدرته اللامحدودة على معانقة النغم.
وعندما غنى الجبل ظهرت حنجرة وديع الصافي، صوت الجبل بكل طبيعته القوية، وعندما قررت الأرض لحظة الانبات أن تعبر عن نفسها جاء صباح فخري بكل ما لدى الأرض من طاقة لا تنضب ولا تنتهي.
حتى الأصوات المنفرة لها أصل في تلك الطبيعة، وربما جاءت من لحظة فوضى، أو صرخة منتشي ظالم، أو بهجة غير صاحب حق .
اتركوا أرواحكم للغناء والموسيقى، لا تعتبروها غذاء للروح فهي لا تحتاج لغذاء، بل عانقوها، وارسموها، واطربوا لها وبها، وعيشوها، علموها لأولادكم بكل ما تحويه من نغمات أو أصوات، فحين تألف الأرواح الموسيقى تتعلم حب الحياة، وما أشد ما نحتاج إلى تعلم حب الحياة مرة أخرى في مصر هذه الأيام.
يعود المخرج ألكسندر باين للطريق مرة أخرى، فبعد فيلم "About Schmidt " عام 2002 الذي يدور حول أرمل مشاكس لعب دوره جاك نيكلسون، يطارد ابنته في أنحاء الولايات المتحدة عبر دروبها وطرقها لتخريب زفافها، وفيلم "Sideways " والذي يتناول فيه مادار بين الروائي بول جياماتي ومتذوق النبيذ في جولة في مزارع العنب في كاليفورنيا في محاولة للاستشفاء من كسر القلب، وكأن "باين" يجد نفسه داخل تلك السيارات المتنقلة من ولاية لأخرى في رحلة بحث عن شيء ما، يقدم هذه المرة في فيلم "nebraska" القدير بروس ديرن، في دور رجل عجوز مدمن للكحول مصاب بالزهايمر يخوض رحلة مع ابنه الشاب من ولاية "مونتانا" حتى "نبراسكا" بحثا عن جائزة وهمية، في رحلة يدرك الابن الشاب عبثيتها إلا أنها يخوضها من أجل والده. يستخدم "باين" الأبيض والاسود ويختار الثمانينات زمنا لأحداث فيلمه حتى تكون مناسبة للحبكة الدرامية بعيدا عن عصر الإنترنت، ويستعرض خلال الرحلة في لقطات واسعة المزارع والحيوانات بداخلها وعلامات الطريق والفنادق الصغيرة (الموتيلات) والكنائس دون مبرر حقيقي لاختفاء الالوان. ومن خلال مدينة صغيرة شهدت نشأة الأب وبداية مغامرته في الحياة وزواجه في "نبراسكا" قبل رحيله إلى ولاية "مونتانا" تستقر الرحلة قبل نهايتها بالاب ونجله في منزل عمه، حيث يعيد خلال 3 أيام مد الحبال واعادة الحياة لعلاقاته بأهله وأهل مدينته كبار السن الذين يتذكرونه، بعدما ظن الجميع بالفعل أن الميكانيكي المفلس الذي غادر بلدتهم منذ أعوام طويلة كسب مليون دولار في اليانصيب وصار ثريا. ومن خلال مفارقة تجمع الأسرة الصغيرة مرة أخرى في تلك القرية، ورغبة الأهل والأصدقاء القدامى في استغلال هذا الثراء المفاجيء لـ"وودي" الأب الذي يلعب دوره بروس ديرن يكشف الفيلم مجموعة من الطبائع الإنسانية الوضيعة، والتي يسلط عليها الضوء ويجعلها أكثر بشاعة هو ذلك الخرف الذي يواجهها به الرجل المريض بالخرف الذين يظنونه ثريا. وفي أحد اروع أدواره يعود بروس ديرن الذي عمل من قبل مع العظيم الراحل هيتشكوك ليقدم دورا يليق بمشواره السينمائي، حيث يتقمص شخصية العجوز المدمن المصاب بالخرف، والذي ذاق الأمرين من زوجة سليطة تشيع عنه ماهو عكس حقيقته، والذي تقتصر أحلامه على اقتناء شاحنة جديدة و"كمبورسور" - ضاغط هواء - لاستخدامه في الطلاء وترك مال لولديه حتى يرثاه لأنه يرى نفسه والدا مقصرا، وتظهر تعبيرات "ديرن" المتفاجئة والمبهمة واللامبالية في كثير من المشاهد المعنى المقصود تماما، ليستحق الترشح عن دوره لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل. ربما يبدو فيلما مدته 115 دقيقة باللونين الأبيض والاسود وأغلب أبطاله قد تجاوزوا الـ60 عاما مملا للغاية للبعض، ربما لا يصيب المشاهدة بالحماسة مع إيقاعه الهاديء الذي يليق بحلم رجل عجوز مريض، لكنه فيلم أخر يضرب فيه ألكسندر باين من جديد لكشف تلك العلاقات الإنسانية الحقيقة التي تتجاوزها السينما الأمريكية الحالية، وخاصة تلك المشاعر المختلطة بين الاباء والابناء، والتي يغزلها بروعة عبر تفاصيل هذا الفيلم، مثل هذا المشهد الذي يسرق فيه الإبنان مزرعة أحد أصدقاء والدهما القدامى بطريقة طفولية واضحة فقط من أجل الانقتام، واكتشاف هذا الابن الأصغر لحقيقة والده بنهاية تلك الرحلة العبثية التي بلغت 750 ميلا، وقرر أن يحقق له أحلامه البسيطة منكرا ذاته فقط من أجل المشاعر. فيلم nebraska ليس من تلك الافلام القادرة على ابهار المشاهد، على الرغم من ترشحه لجائزة الأوسكار أفضل فيلم، لكنه يبقى أحد تلك الافلام التي تؤكد عبارة الشاعر الراحل محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"
تقول القاعدة السينمائية أنه عندما تقدم حكاية تقليدية فعليك أن تتناولها بشكل مختلف أي بطرح جديد، وإذا اضطررت إلى معالجتها بطريقة تقليدية فلابد أن تلجأ إلى حل إخراجي يضعك خارج استهلاك حكاية في الأصل مستهلكة. وهو ما لم يفعله ستيفن فريس مخرج فيلم "philomena" المرشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم، والذي تناول قصة أم فقدت ابنها داخل الدير منذ 50 عاما، ثم قررت البحث عنه بمساعدة صحفي ترك عمله كمساعد لرئيس الوزراء البريطاني أثر فضيحة ما ويبحث عن نجاح جديد بعد عودته لمهنته الأصلية. يعرف المشاهد غالبا أن الأم ستجد ولدها، حيا أو ميتا، لكنها ستصل إليه، اكتفى الفيلم الذي يروي قصة حقيقية وقعت في بريطانيا بدايات العقد الماضي بسيناريو تقليدي، يتحرك في خط ردامي واحد ويصل إلى نقطة الذروة باكتشاف وفاة الابن في أمريكا مريضا بالإيدز في تسعينيات القرن الماضي، ويعود في نهايته إلى بريطانيا أو ايرلندا تحديدا حيث دفن الابن الذي حاول البحث عن والدته. ومن خلال سذاجة الأم العجوز فقد الفيلم تلك المساحات العاطفية الممكنة لتلك الحالة، حيث بدت الأم دائما سعيدة ومبتسمة وفي حالة بهجة، حتى في أقصى لحظات حزنها عندما تتحدث مع نفسها، وهو ما أدته جودي دينيش ببراعة معتادة، إلا أن بناء الشخصية التي كتبها ستيف كوجان كاتب السيناريو وبطل الفيلم الذي يلعب دور الصحفي الذي يساعدها، لم يجعلا الدور أحد دوارها المميزة - على الرغم من ترشحها لجائزة الأوسكار أفضل ممثلة عن هذا الدور -، بل أفقدتها الكادرات المقربة للغاية جزء كبيرا من سحرها الخاص كممثلة قديرة حرص المخرج على وضع علامات تنصيص سينمائية حول مشاهد بكائها، وهو خطأ تكرر طيلة الفيلم دون مبرر درامي حقيقي. بينما قدم ستيف كوجان دورا جيدا كتبه لنفسه بعناية، ونجح في تلك المشاهد المشتركة مع دينيش بكل تاريخها وقامتها الفنية في سرقة الكاميرا خلال مباراتهما التمثيلية معا. في الحقيقة لا يزيد مستوى فيلم "philomena" عن مستوى تلك الحلقات التي قدمتها الراحلة فايزة واصف في برنامج "حياتي" في ثمانينات القرن الماضي، ويصعب اعتباره فيلما كبيرا، بل يقع في دائرة الافلام المتوسطة، ويثير ترشيحه للجائزة علامات استفهام عديدة حول معايير الترشح للأوسكار، بل وفوز الفيلم في مهرجاني "تورنتور" و"فينيسا". لكن يبقى اهم ما في الفيلم هو فضح الممارسات غير الإنسانية التي تمارس ضد المراهقات في الأديرة التي تديرها الراهبات، والتي تصل إلى رفض اجراء عمليات قيصرية لهن عقابا على ممارسة الجنس، وزرع مفاهيم تعتبر الجنس ذنبا كبيرا يغضب الرب على فتيات بسيطات لم يلتحقن بالرهبنة، وكذلك تفريق أبنائهن عنهن وبيعهم عبر وسطاء إلى أثرياء في دولة أخرى بحثا عن المكسب المادي. في النهاية قال المخرج الكبير داوود عبدالسيد في محاضرة عن صناعة السينما يوما ما : ليس هناك ما هو أهم من "حدوتة" ممتعة، يحصل المشاهد في نهايتها على نصيبه من المتعة، برسالة كانت أو بدون، بتجريب أو بدون، المهم أن تكون القصة ممتعة، وهو ما افتقده هذا الفيلم تماما بعدما ارهقه الاستهلاك.
اقتاد رجال المعلم هدهد الرجل الكفيف الذي حضر إليهم من أجل شراء نصيبه من "الكيف"، كما اعتاد منذ القبض على المعلم "هرم".
بمجرد وصوله إلى "الديلر" سلط الكشاف على وجهه واشار لأخر ، فأحاطا بالرجل وسحباه رغما عنه إلى حيث لا يدري، صرخ الشيخ حسني معترضا
- رايحين بيا على فين ياكفرة، أنا عارفكم وحاجيبكم.
وفي مكانه المفضل في بهو بيته شرقي الطراز جلس المعلم هدهد بجلبابه الابيض على مقعده الخشبي المطعم بالصدف والمبطن بريش النعام متأملاً ملامح الكهل الذي ألقى به صبيانه أمامه، بقامته الطويلة وقوة جسده الواضحة في عضلاته والتي لا تتناسب مع عاهته، وذلك الشارب الصغير الذي يجذب وجه الناظر إلى وجهه مع زوج العيون الذي فقد ضياء البصر وأجبر الرأس على الارتفاع والميل تجاه أحد الأذنين استرشادا بالصوت.
استمر الشيخ حسني في شكواه، بعدما تركه الرجلان وحيدا
- أنا فين يكونش الواد سليمان زعلان مني علشان الفسبا بتاعته، ولا الولية ام روايح سلطت عليا حد بعد ما فضحت الحتة كلها، الله يرحمك ياعم مجاهد قولتلي الحشيش حيضيعني وباينه ضيعني
ثم جلس مقرفصا يبكي في صمت، والمعلم هدهد صامت تماما يتأمله قبل أن يقول بصوته الجهوري
- بعت بيتك علشان الحشيش، بتبيع إيه دلوقتي يا شيخ حسني
انتفض الشيخ حسني واقفا بمجرد سماع الصوت، وأقترب في اتجاه صاحبه الذي قال بصوت عال آمر
هز الشيخ حسني رأسه وكأنه يسمع لحنا محببا قبل ان يقول
- الكيف هو الصاحب لما ميبقاش عندك صاحب، الكيف هو البصر لما تبقى لا مؤاخذة زيي ضرير، الكيف ساعة كمان بيبقى الأهل
ابتسم المعلم هدهد للمرة الأولى منذ رأى الشيخ حسني وقال
- أهو أنا بتاجر في الحشيش علشان اللي زيك، ومع إني كنت جايبك هنا علشان أقطع راسك علشان صبيي هرم اللي دخل السجن بسببك، بس حبيت اسمعك، أه في شغلتنا كل حاجة بالميزان، العدل أهم حاجة
نبتت ابتسامة ماكرة على وجه الشيخ حسني الذي وجه اذنه اليسرى تجاه الصوت قبل أن يقول ساخرا
- بس اليومين دول الحشيش صوابع يا مولانا ومن غير ميزان
نهض المعلم هدهد وغادر مقعده في اتجاه الشيخ حسني وهو يقول
- كل صنعة في البلد دي باظت، كل حاجة اتقل خيرها، والصبيان الجداد بهدلوا الزبون
ثم امسك بيد الشيخ حسني واقتاده لجلسة عربية توسطتها "قصعة" اشتعلت فيها "طربة" حشيش وسط الفحم لتعبأ المكان برائحته العطرية المميزة، استنشق الشيخ حسني الرائحة بمجرد دخوله وقال مبتهجا
- الله الله
ثم مال على دليله قائلا
- اسم الكريم إيه
- انا المعلم هدهد
ساعد المعلم الشيخ في الجلوس، ثم ناوله عودا واستلقى بجواره وقال
- لم تتكيف سمعنا حاجة
ابتسم الشيخ حسني ومع استنشاق الحديد بدا يداعب أوتار العود غائبا بداخلها وكأن روحه معلقة فيها قبل أن يقول
- زمان غير زماننا..مالناش فيه مكان..وخلاص صار أماننا..نستخبى م الفوقان
هز المعلم هدد رأسه مشيرا لاحد صبيانه الذين وقفوا على الباب للحراسة، اسرع تجاهه ومال بجسده ليسمع اوامره
- الحشيش بتاع الشيخ حسني يوصله البيت كل يوم من غير فلوس، نعتبره زي نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة بتاعة الحكومة
انصرف الرجل مسرعا بينما أغمض المعلم هدهد عيونه والشيخ حسني يواصل الغناء
اقترب المقدم عمر من مكتب اللواء عمر الاسيوطي وعدل من وضع هندامه متجاهلا التحية العسكرية التي أداه المجند المكلف بالحراسة عند الباب، ثم طرق الباب بيده ودخل شادا قامته مؤديا التحية العسكرية بحزم مبالغ فيه أمام قائده ورئيسه في العمل، بينما انبعثت موسيقى هادئة من أحد الاركان وعبأ الجو معطر صناعي برائحة الياسمين.
رفع اللواء عمر الاسيوطي عينيه دون ان يرفع رأسه عن الأوراق التي كان يقرأها ثم عاد بسرعة للقراءة متجاهلا التحية العسكرية التي أداها مرؤوسه، وقال
- فين سيد مرزوق يا سيادة المقدم
أجاب المقدم عمر مسرعا
- أنا كنت مكلف بالقبض على يوسف كمال يافندم مش سيد مرزوق
رفع اللواء عمر الاسيوطي رأسه بغضب وهو يشير بالقلم الذي في يده للمقدم الذي ظهر عليه القلق
- أنت مكلف بالقبض على سيد مرزوق يا سيادة المقدم
فتح المقدم فمه ليتكلم، فقاطعه اللواء مناديا
- يا فتحي
صمت المقدم عمر رغما عنه والتفت إلى الباب الذي فتح ودخل منه المخبر فتحي بابتسامته اللزجة وعيونه التي انكسرت بفعل الاستجداء، وذلك البالطو البني الباهت الذي استجاب لعوامل الزمن، وفي يده "الخرزانة" التي لا تفارقه ابدا، وصرخ محاولا اظهار الانضباط
- اؤمر يافندم
سأله اللواء عمر الاسيوطي
- أخبار تقارير مراقبة سيد مرزوق إيه يا فتحي
- خمس تقارير في اليوم، وتقرير خاص كل يوم أحد يافندم
- ويوسف كمال بس اللي مصدقه
- لا دول ناس كتير يافندم
- طيب قول لسيادة المقدم
نظر المخبر فتحي للمقدم عمر وكأنه يلحظ وجوده للمرة الأولى في غرفة المكتب ثم قال
- الناس مصدقة إن سيد مرزوق ممكن يحقق أحلامها، الناس كمان بتصدق إنه ممكن يرحم خطاياها، الناس متخيلة إنه حيكافئها أو يعاقبها على عمايلهم الحلوة والسودة
اقتحمت قطرة عرق عين المقدم عمر رغم الجو البار للغرفة بفضل المكيف، عجز عن مسحهان لكنه فقط أغنض عينه التي وكأنها احترقت أثر الملوحةن وتدلى فكه رغما عنه قبل أن يحاول "لملمة" روحه المبعثرة بسبب الخوف والقلق، وقال مخاطبا قائده
- تمام يافندم ، خلال 24 ساعة يكون في الحجز واعترف
أشار اللواء للمخبر حتى يكمل كلامه، فقال فورا
- هو تقريبا موجود في كل مكان، ومش موجود خالص
اعتدل المقدم عمر في وقفته ليواجه المخبر سائلا
- يعني إيه اللي أنت بتقوله ده
أكمل فتحي وكأنه لم يسمع سؤال المقدم
- محدش حيعترف إنه شافه، ومفيش دليل على وجوده في مكان ما، ناس قليلين بس اللي عندهم الدليل ده
رفع المقدم عمر صوته محاولا مقاطعة المخبر الذي يتحدث وكأنه يرتل ما يحفظ
- تعرف مين الناس دول
ابتسم اللواء عمر الاسيوطي للمرة الأولى قبل أن يقول مقاطعا مرؤوسيه
- يا سيادة المقدم خليك معايا، الناس ممكن تحميه، بس الناس بتخاف من القوة الظاهرة، وإحنا الداخلية القوة الظاهرة، لو عايز تقبض عليه حتى من قلوب الناس تقدر بس بشرط إنك تخوفهم اكتر، لدرجة إنهم بس يتمنوا الحياة.
هز المقدم عمر راسه مؤمنا على الكلام
- تمام يافندم
أشار لهما اللواء بالإنصراف فأديا التحية العسكرية وانصرفا بينما كان اذان العصر يتسلل من نافذة مغلقة في مكتب اللواء عمر الاسيوطي، ليختلط بالموسيقى الهادئة التي عادت لتملأ فراغ الصمت بعد رحيل المقدم والمخبر.
الشخصيات :
اللواء عمر الأسيوطي – فيلم «أرض الخوف» - عزت أبوعوف
المقدم عمر – فيلم «البحث عن سيد مرزوق» - شوقي شامخ
المخبر فتحي – فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» - صلاح عبدالله
يتحسس "شريف المرجوشي" خطواته حريصا على عدم إصدار أي صوت وهو يقترب من تلك الشقة التي قرر سرقتها في الأسكندرية، تضايقه عينه العاجزة عند محاولة استخدام "الطفاشة" لفتح الباب يسب "سليم" في سره، ثم يبتسم مع استسلام "الكالون"، يفتح الباب بهدوء وهو يقول
- بسم الله الرحمن الرحيم
يتأمل اثاث الشقة الراقي الذي ترك الزمن عليه اثاره، صالون "كلاسيك" ذهبي ينتمي لسبعينيات القرن الماضي، ومجموعة من الوسائد العربية ملقاة على الأرض بإهمال وحولها مجموعة كبيرة من الكتب المفتوحة والمتناثرة بطريقة عجيبة، يقترب بهدوء ويمسك أحدها قائلا في سره
- كتب تاني، هو أنا موعود
يعود إلى صالة المنزل التي احتلتها منضدة "سفرة" قديمة متجها إلى تلك "الطرقة" المفضية إلى شباك يطل على البحر، يلقي نظرة خاطفة متأملا أضواء السيارات المارة على الكورنيش والتي انعكست على الزجاج "الموارب" لشباك تلك الطرقة.
يفتح باب غرفة النوم بهدوء شديد يفاجئه جسد الشاب النائم على فراشه باستغراق عميق، يرتد خطوة للخلف مفزوعا وهو يقول في نفسه
- جه امتى ده أنا بقالي يومين مراقب الشقة من ساعة ما راح يصطاد ومرجعش
يعيد تأمل ملامح النائم ذو البشرة السمراء والشعر المجعد والوجه الدائري، تدهشه تلك الإبتسامة العجيبة على وجهه، يقترب من الفراش بهدوء، تخبره أنفاس النائم الهادئة الرتيبة المنتظمة أن صاحبها غارق تماما في نومه، يلقي نظرة سريعة على الغرفة بحثا عما غلا ثمنه وخف وزنه، فلا يجد سوى جهاز "كاسيت" مزدوج، يحمله في هدوء ويغادر الغرفة بحرص شديد مغلقا الباب خلفه.
يعود إلى الصالون ليفتش ملابس صاحب الشقة المعلقة على بعض المقاعد بحثا عن النقود، يتعثر في كتاب كبير بلغة لم يرها من قبل، يسقط على الأرض محدثا ضجة عجز عن تلافيها، يجد جوار رأسه زجاجة بداخلها ورقة ملفوفة، يسب نفسه ويعيد سب الكتب، ثم يستعيذ بالله محاولا النهوض قبل أن يستيقظ صاحب الشقة.
وقبل أن يقف على قدميه يجد الشاب ممسكا بكتفه وعلى وجهه ملامح غضب شديد، شعر المرجوشي أن حتى عينه العاجزة شعرت به.
تحدث الشاب "متهتها" بطريقة أدهشت اللص
- أنت بتسرق إيه ياحمار، مفيش حاجة في الشقة
ثم التفت إلى جهاز "الكاسيت" الملقى بجوار اللص الواقع على الأرض، وأكمل بنفس التهتهة مشيرا إلى الجهاز
سعادة غامرة شعرت بها عندما بدأ تصوير فيلم "لامؤاخذة" هذا الفيلم الذي قرأت السيناريو الخاص به منذ حوالي 4 سنوات، وخضت حملة ضد الرقابة التي رفضت الموافقة عليه، سعادة حاولت تجنب تأثيرها وأنا أشاهد الفيلم الروائي الثالث للمخرج عمرو سلامة، ذلك الفيلم الذي يحطم "تابو" حقيقي صنعه المصريون منذ عشرات السنين حول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في هذا الوطن.
وبرقابة ذاتية وخفة مقصودة، تشبه تلك "الطبطبة" على جرح مؤلم قدم سلامة فيلم "لامؤاخذة" عن هذا الطفل المسيحي الذي يتعرض لظروف ما تضطره إلى اخفاء ديانته داخل مدرسته الجديدة التي انتقل لها بسبب ظروف والدته المادية، وبصبغة كوميدية ارادها صانع الفيلم وقصدها من أجل مناقشة قضية شائكة للغاية، اختار أن يكوني راوي الفيلم هو الفنان أحمد حلمي، في تأثير مباشر على المشاهد، لتاكيد تلك الخفة، ومن خلال عالم الأطفال البريء صاحب الانفعالات المباشرة كشف الفيلم ذلك التمييز الذي يتعرض له أقباط مصر داخل المجتمع.
وقد وضع الفيلم مشاهديه في تلك الحالة منذ اللحظة الولى عبر لقطات "فوتو مونتاج" سريعة وخفيفة وتعليق الرواي الساخر، وطريقة الوفاة الكوميدية لوالد الطفل والذي لعب دوره هاني عادل، وقد أحسن صناع الفيلم صنعا بتوقف الراوي عن الشرح أو التدخل في أحداث الفيلم بعد بداياته.
وربما تبدو مناقشة قضية بمثل هذا الثقل من خلال فيلم "لايت كوميدي" أمرا مثيرا للدهشة، ومحاولة محفوفة بالخطر، إلا أن عمرو سلامة نجح للغاية في تجاوزها وتقديم فيلم مهم، لولا بعض تجاوزاته الدرامية نتيجة حذره الداخلي لكان أحد أهم أفلام السينما المصرية.
وبسيناريو رشيق سقط في بعض التجاوزات مثل عدم وجود مبرر للتحول الشخصي لوالدة الطفل من انسانة غير ملتزمة دينيا إلى العكس نتيجة زيارة واحدة للكنيسة، أو الانتقال لمدرسة حكومية قحة، مع وجود مدارس تجريبية أفضل في المستوى، طرح سلامة بـ"تكنيك" اخراجي متميز للغاية، و"كاستنج" يعد البطل الرئيسي للفيلم، سؤالا مهما حول السبب الحقيقي للرقابة في رفض هذا سينارية هذا الفيلم أربعة مرات من قبل.
أما على مستوى التمثيل وبفضل "الكاستنج" كما ذكرت من قبل يقدم الفيلم مجموعة متميزة للغاية من الأطفال مثل أحمد داش بطل الفيلم وصديقه معاذ نبيل الطفل الذي قام بدور مؤمن، وكذلك بلطجي الفصل "علي علي علي"، بينما أدت كندة علوش دورها كما يجب في ظل الشخصية السطحية التي قدمتها، بينما تألق كلا من سامية أسعد وبيومي فؤاد كالعادة، ومعهما طاقم المدرسين بأكمله.
ويعيد اسلام عبدالسميع تقديم نفسه من جديد بعد فيلم "إبراهيم الأبيض" كمدير تصوير مبشر للغاية، قدم صورة مختلفة وجميلة تليق ببراءة أحداث الفيلم وتناولها.
وكذلك قدم هاني عادل أحد أفضل موسيقاه التصويرية خلال مشواره الفني، وتبقى مساحة دوره التمثيلي الصغيرة إحدى حسنات الفيلم.
فيلم "لامؤاخذة" يملك تلك الوصفة التي أطلق عليها يوما المخرج الكبير داوود عبدالسيد "الحدوتة الحلوة"، محملا بالكثير من المتعة، التي ترددها تلك الضحكات التي تزاحمت في قاعة العرض، ونقلت مخرج الفيلم وكاتبه إلى مكان أخر في قفزة جيدة للغاية انتظارا للقادم، وسمحت لبعض الأفكار التي تم كبتها أن تخرج للنور بعيدا عن رقابة احتلتها البيروقراطية العقيمة واستحقت من أجل مثل هذا الفيلم صفرا كبيرا.
3 أيام تجتمع فيها عائلة الأديب المغمور "بيفرلي يستون" لحضور جنازته بعد انتحاره تاركا زوجته مدمنة المهدئات "فيلوليت" التي لعبت دورها الفنانة ميريل ستريب مع خادمة من السكان الأصليين للبلاد في ولاية أوكلاهوما وظفها قبل رحيله بيوم واحد.
3 بنات متزوجة ومخطوبة وعازبة، يعانين من مشكلات مجتمعهن التي تواجه كل واحدة منهن على حدة، واجتماع اضطر إليه الجميع وفقا للتقاليد رغم كراهية كلا منهن للانتماء لهذا المنزل، والذي يعودن إليه ويواجهن انحراف مزاج الأم نتيجة الإدمان والقسوة المفرطة بعد تركها وحيدة دون أي اتصال.
تلك هي تفاصيل رواية " آغسطس: مقاطعة أوسيدج " الفائزة بجائزة "بوليتزر" للروائي "تريسي ليتس" والتي حولها المخرج "جون ويلز" إلى فيلم سينمائي ترشحت عنه ميريل ستريب - كما اعتادت كلما وقفت أمام الكاميرا - لجائزة افضل ممثلة في الأوسكار، وكذلك جوليا روبرتس لجائزة أضل ممثلة مساعدة.
وينتمي الفيلم لنوعية الكوميديا السوداء، تبدأ باختفاء الشاعر مدمن الكحول واستدعاء بناته واكتشاف وفاته منتحرا، ويدور صراع بين الأم وابنتها الكبرى قوية الشخصية التعيسة التي تشبه والدتها كثيرا حول إدارة الأزمة التي يمر بها المنزل، في وجود اختها اللاهية المخطوبة لرجل آفاق، واختهما الصغرى التي ظلت بجوار والديها حتى تخطت الأربعين، ومع حرص المخرج على استعراض الولاية المقفرة شديدة الحرارة، التي يذوب فيها كل شيء إلا الخلافات العميقة التي ولدت منذ زمن بعيد.
ينجح المخرج في الحفاظ على روح الرواية التي تحولت من قبل إلى مسرحية ساخرة عبر تشريح الشخصيات واظهار نقائصها البشرية من خلال زوج البنت الكبرى المرتبط بفتاة مراهقة ترك من أجلها زوجته، والم تلك الزوجة التي لعبت دورها جوليا روبرتس وجنوحها للتجاهل من أجل أن تبقى قوية، وانفصال الأخت الوسطة عن واقع عائلتها وتعلقها برجل جديد كل عام يحقق أحلامها، وحرص الأخت الصغيرة على اخفاء اصابتها المسبقة بسرطان الرحم واستئصاله، وتلك الخالة السمينة قوية الشخصية وزوجها العاشق لابنه ضعيف الشخصية الذي تضطهده أمه، والأم التي تعرضت لطفولة قاسية للغاية وحادثة خيانة بعد الزواج أفقدتها سلامها الروحي، في شبكة علاقات إنسانية معقدة للغاية، تكشف مدى ضعف العلاقات الإنسانية لحظات المواجهة وما يعقبها، وقدرة التجاهل والتغاضي عن الابقاء عليها وكأنها شبكة عنكبوت.
وبأداء يشبه أداء آلهة الأوليمب تقدم ميريل ستريب أحدث أدوارها لتلك الشخصية المدمنة القاسية التي تواجه الكل بالحقيقة بلا مبالاة لنتيجتها، الباكية الضاحكة في آن واحد في دور أشك أن قارئه كان يتواني للحظة عن ترشيحها لتقديمه، والتي يتمنى المشاهد إلا تختفي من على الشاشة، وألا ينتهي الفيلم استمتاعا بقدرتها الفائقة على اضحاكه واجباره على البكاء في نفس ذات اللحظة.
واداء مبهر للرائعة الأخرى جوليا روبرتس، التي اعتبرت الوقوف أمام ميريل ستريب رهبة ومجهود، بذلته واستحقت أن تصل إلى القمة من خلال تلك المشاهد التي وقفت فيها ندا لربة التمثيل.
ويكفي مخرج الفيلم الذي اضطر طبقا لطبيعة الرواية أن تكون 90% من مشاهد الفيلم تصوير داخلي، ذلك المشهد البديع للمعركة القصيرة بين الأم "فيلويت" والبنت الكبرى "بربارا" لانتزاع الحبوب المهدئة من يدها على منضدة الغداء، والتكوين الرائع للمشهد الذي جعله منتج الفيلم "افيشا" له، حيث بدأ والأسرة ملتفة حول غداء بعد العزاء وانتهى والأم على الأرض تبكي من الإهانة بينما تحتضنها الخالة ويلتف الأشخاص حولها بمسافات متفاوتة بينما وقفت الكبرى في المنتصف حيث القوة والقدرة صارخة والرجال في الخلفية منزعجين في وضع تأهب، وكأنه قرر أن يختصر الفيلم بأكمله في مشهد.
فيلم august osage county أحد تلك الأفلام العظيمة التي تكشف النفس البشرية، والتي قد تمر مرور الكرام على الكثيرين، لكنه يترك في النفس ذلك الاثر الذي تتركه لحظة كشف حقيقة ما أمام عيوننا العاجزة بارادتها عن رؤية الحقيقة، تلك اللحظة التي تتلفت فيها حولك لتتأكد أن أحدا لا يراك.
كثيرا ما سألت نفسي لماذا أخرج يوسف شاهين فيلما مثل "ودعت حبك" من تأليف السيد بدير، وبطولة شادية وفريد الأطرش واحمد رمزي وعبدالسلام النابلسي، وبعشرات الأجوبة بقى لدي يقين واحد أتجاوز به ضيق أسئلتي، أن هذا مسموح به في سن الثلاثين، حيث كان عمر "جو" المختلف دائما حينئذ 30 عاما فقط، ويحاول أن يجد له مكانا على الساحة، هذا هو الخاطر الأول الذي شعرت به عند مشاهدة فيلم Blue Jasmine للمخرج الكبير والمختلف دائما وودي ألان لكن بلا إجابة هذه المرة عن السؤال ذاته، لماذا أخرج مثل هذا الفيلم وعمره 78 عاما. يدور الفيلم حول امرأة تغادر حياته الفارهة في نيويورك بعد افلاسها نتيجة القبض على زوجها رجل الأعمال المحتال وانتحاره، وتصل إلى منزل أختها في كاليفورنيا، بكل ما تعانيه من صدمة نفسية جراء التحول الهائل في حياتها وخاصة اكتشاف خيانات زوجها المتعددة لها في نهاية علاقتهما. وبالتنقل ذهابا وعودة بين ماضي تلك المرأة المريضة نفسيا التي لعبت دورها كيت بلانشيت ببراعة ينسج وودي ألان أخر أفلامه ببراعة الاعتياد، مثلما تقود سيارة ببراعة دوت تفكير في طريقة القيادة لأنك اعتدت عمل هذا طيلة 50 عاما، من قدم الفلاش باك في “Annie Hall” يستطيع تقديم أي فلاش باك في عالم السينما. ربما يعري الفيلم الحياة ويسخر منها كما اعتاد آلان دائما لكنها يفتقد إلى تلك اللمحة الخاصة التي تركها في كل أفلامه، تلك اللمحة التي يدرك من خلالها المشاهد اسم المخرج دون أن يرى "تتر" الفيلم. وربما تستحق بلانشيت فعليا الترشح للأوسكار عن دورها الذي لعبته ببراعة، خاصة تلك المشاهد التي كانت تحدث فيها نفسها متخيلة وجود زوجها بجوارها، تعاتبه بدموعها وعتابها، لكنه يبقى أقل بكثير من أدوارا أخرى لها مثل دورها في فيلم The Aviator، ولكنها أيضا تبقى تبقى وحيدة داخل فيلم لا تتعدى شخصياته الرئيسية شخصيتين، هي واختها التي لعبت دورها الممثلة سالي هاوكينز، وبقيت بقية شخصيات الفيلم الفرعية بلا أي بناء أو ملامح مميزة، في سابقة تعد الأولى عند آلان المهتم دائما بملامح وبناء شخصياته الفرعية حتى عندما كان ممثلا يقدم فيلما يدور حوله وحده لا غير. حتى تلك المفاجأة التي وضعها في نهاية الفيلم في محاولة لجعله أكثر حيوية، والسخرية اللاذعة من الأدمية وقرارتها الغاضبة لم تكن حاضرة بالشكل الكافي حتى تصيب المشاهد بالدهشة والانبهار. فيلم Blue Jasmine سيبقى في تقديري أحد اسوأ الأفلام التي قدمها العبقري وودي آلان في تاريخه، بلا مبرر واضح، وبلا سبب حقيقي يشرح قراره بالغياب عن فيلمه الجديد، وسأضيف إلى قائمة أسئلتي التي بدون إجابة سؤال عن : لماذا صنع آلان هذا الفيلم؟
"عشق الحياة..يصنع المستحيل" عبارة تختصر أحداث فيلم "Dallas Buyers Club" الذي يدور حول أفاق ومدمن للمخدرات يعمل كهربائيا ويكتشف اصابته بالإيدز عام 1985، حين انتشر الحديث عن المرض بعد اصابة الممثل الشهير "روك هادسون" به، والذي كان العامة يظنزن أنه لا يصيب سوى الشواذ، وبعد أن يخبره الأطباء أن ما تبقى له حيا هم 30 يوما فقط، يبدأ في رحلته الخاصة بحثا عن الحياة، التي لم يعشها من قبل وسط إدمانه وحياته العابثة اللاهية. ذلك الرجل الأربعيني الذي يقوم بدوره الفنان "ماثيو ماكونهي" الذي يطلب من ربه علامة على قبول دعائه بإمكانية الحياة في ناد للتعري، ويرشو ممرضا من أجل جلب دواء تجربة لعلاج مرض الإيدز، قبل أن يكتشف طبيبا مفصولا في المكسيك، ويخوض بعدها معركة حول اثبات سمية هذا الدواء الذي وافقت عليه هيئة الأدوية الأمريكية، ويقدم بدلا منه دواء أخرا يحسن من أعارض المرض ويطيل من فترة حضانته وحياة المريض به. ذلك الرجل عاشق النساء المصاب برهاب المثلية الجنسية الذي يقبل شريكا مثليا فقط من أجل حب الحياة، في سبيل انشاء ناد للمصابين بالمرض، يحصلون على علاجهم مقابل 400 دولار شهريا، والذي تطارده الولاية بشرطتها ورجال ضرائبها ورجال هيئة الأدوية، ويخسر حكما قضائيا يمنعه من تداول تلك الأدوية، لكنه ينتصر ويبقى حيا لمدة 7 سنوات كاملة، ويفتح بذلك بابا لاستخدام الدواء الذي استعمله في مجموعة من الأبحاث حول علاج مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز". قصة حقيقة نقلتها السينما عنوانها حب الحياة والتمسك بها، ألهمت صناعها فيلما صعبا للغاية على المشاهد المصري، الذي اعتاد على الحوصل على دوائه من صديقه في العمل أو جاره، أو حتى الطبيب الصيدلي، والذي يتعاطى أدوية غير مرخصة تتداولها إعلانات على الفضائيات التي يشاهدها ليلا ونهارا، لكنها فضحت التجارة بالدواء في أمريكا وقدرة شركات الأدوية الكبرى على تمرير بعض العقارات الضارة دون الإلتفات إلى تلك الدراسات التي تفضحها. ويقدم "ماثيو ماكونهي" أروع أدواره على الإطلاق خلال هذا الفيلم، خاصة تلك اللحظات الخاصة بأعراض المرض وفقدان سيطرته على نفسه، وكذلك التحول وقبول الأخر الذي رفضه هو نفسه يوما، كما قدم ذل التحول الحاد في شخصية بطل الفيلم اللاهي الذي صار صاحب قضية مشغولا بها ويحيا فقط من أجلها، ذلك الكهربائي الذي قدم بحثا طبيا افاد البشرية،لكن يبقى الأداء الأروع في الفيلم للممثل الشاب "جيرد ليتو" الذي أدى ادوارا صغيرة من قبل في أفلام "Panic Room " و"Fight Club " والذي يلعب دور شاب مثليي الجنس يضع مساحيق التجميل ويرتدي زي نسائي طوال أحداث الفيلم، ويساعد صديقه الذي تعرف عليه في المستشفى على إنشاء نادي العلاج من مرض الإيدز المصاب به هو الأخر، والذي يخوض معه معركته الضارية قبل أن يموت بسبب المرض، وهو الدور الذي ترشح عليه لجائزة "أوسكار" أحسن ممثل مساعد.. فيلم "Dallas Buyers Club" هو أحد تلك الافلام المرشحة لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم، والتي يتمنى المشاهد نهايتها لأنه يشعر بالخوف على مصير أبطالها، وقد تزعجه كثرة المصطلحات الطبية فيه، لكنها تترك ابتسامة عريضة في النهاية لأنها تخبرك أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأن في إمكاننا أن نصنع عالمنا ونخوض معاركنا من أجل ذلك، فقط لنحيا سعداء.
"هناك سبب أخر للإرتجاف غير الخوف والبرد....هو الوحدة" انتشرت وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإتصال وتطور العلم كثيرا في هذا المجال لكن بتأثير عكسي، حيث زادت وحدة البشر وانفصالهم عن بعضهم البعض، توحد البعض امام شاشات حاسباته، ودخل البعض في علاقات غرامية وهمية هربا من الوحدة وإليها، وعندما عادوا منها، عادوا يحملون جروحا بلا سبب حقيقي يهون عليهم ألامهم. قدم المخرج والمؤلف سبايك جونز تلك الفكرة في فيلمه الجديد Her ولكن بطريقة أكثر تطورا، حيث يدخل بطله المطلق والذي يستعد لتوقيع أوراق طلاقه في علاقة غرامية مع نظام تشغيل تم اعداده خصيصا للقضاء على الوحدة بوجود صديق إلكتروني يلبي النداء وقت الحاجة إليه. وبخيال غير محدود قام جونز بتوفير كل الطقس المناسب لتلك العلاقة الغريبة التي تنتهي بمفاجأة غير متوقعة، صانعا أحد أعظم أفلام هذا العام، وهو فيلمه الروائي الطويل الرابع بعد Where the Wild Things Are، وAdaptation، وBeing John Malkovich، حيث يحلق كما اعتاد دائما خارج السرب بأفكار طازجة للغاية. سبايك جونز طرح كل رعب الوحدة التي تعاني منها البشرية في 126 دقيقة قادرة على إصابة المشاهد بالإرتجاف. **** "وحيداً لا تلوك ذكرياتك، ستجعلك أكثر ألماً، الذكريات شوك فراش الوحدة" يعاني بطل الفيلم الذي يعمل في موقع إلكتروني لكتابة الرسائل بين الناس غير القادرين على التعبير عن مشاعرهم من وحدة مؤلمة عقب انفصاله عن المرأة التي أحبها، وتجبره ظروف عمله على الانغماس في مشاعر بشر لا يعرفهم ولا يعرفونه، على الرغم من امتداد العلاقة بينه وبينهم لأعوام، ويجد نفسه غير قادرا عن التعبير عن مشاعره هو إلا عبر وسيط، وهو ما يدفعه دفعا لتلك العلاقة مع نظام التشغيل الذي اشتراه من أحد المعارض، ليتخلص به من كل هواجس الوحدة وألمها. وهو ما جسده خواكين فينيكس ببراعة مبهرة بدء من "كاركتر" الشخصية وشكلها وطبيعتها الكئيبة التي تبدو ابتسامتها دائما غريبة عن وجهها، ونجح في تشخيص كل ملامح الوحدة واثرها على الإنسان . خواكين كان يستحق الترشح لجائزة أفضل ممثل في "أوسكار" لكن هوليوود لا تحبه...فلتبق وحيدا وانسى تلك الذكرى المؤلمة أيها الفنان العظيم. **** "الوحدة تجبرنا أحياناً على ممارسة ما لا نطيق، هرباً منها" ظل "ثيودور" بطل الفيلم خجلانا من علاقته الغريبة بنظام التشغيل الذي يتحدث بصوت أنثوي، والذي وقع في غرامه، حتى اكتشف أن صديقته المقربة ايمي والتي لعبت دورها ايمي أدامز على علاقة بنظام مماثل، وحين اكتشف خيانة هذا النظام قبل نهاية الفيلم، كان سبايك جونز يقدم مجموعة من البشر وهي تصعد سلم ما وكل منها مشغول بالحدث مع نظامه، غير ملتفت لمن حوله. تبشير الفيلم بالوحدة حقيقة مؤلمة، وخوفا من الوحدة يرتكب كلا مننا جرما يؤذي نفسه. **** "ابتسم عندما تحدث نفسك ولا يجيبك أحد، أصرخ بأعلى صوت لديك لا تخجل و تخشى شيئاً، انفعل ..ارقص..أغضب..غني..مت....أنت وحدك لا تهم أحد ولن يسأل عليك أحد." مع طوفان المدنية الصناعية التي يستعرضها مخرج الفيلم عبر زجاج غرفة نوم بطل فيلمه، أو حتى من شباك القطار أثناء سفره، وازدياد وحدة البشر، كان بطله يحاول اقتناص المتع الوهمية عبر غرف المحادثة، حيث يصنع كل وحيد عالمه بعيدا عن واقعه، حتى محاولته الوحيدة خلال أحداث الفيلم لإقامة علاقة حقيقة باءت بالفشل نتيجة خوفه من تحمل المسئولية. تبدو الوحدة حلا لطيفا للهروب من تحمل المسئولية، وأنت وحدك تستطيع فعل كل شيء لا أدنى خسائر إلا نفسك. **** "شكراً لصناع التليفزيون والتكييف والإنترنت وتلك الأريكة المريحة...أدوات الوحدة اللعينة." يمكننا أن نضيف على كل مساعدات الوحدة نظام التشغيل الذي قامت بأداءه الصوتي سكارليت جوهانسون ببراعة مدهشة، الذي من أجله استمتع بطل الفيلم بوحدته حتى رحل، واكتشف نفسه وخطأه في النهاية بصحبة صديقته المقربة. فيلم Her فيلم موجع للغاية، خاصة عندما تنتابك بعض الأحاسيس التي مر بها البطل خلال أحداثه، وعندما تصف أحداث الفيلم أحداثا تشبه حياتنا جميعا أمام نوافذ فيسبوك وتويتر وانستجرام وغيرها، وأمام كل هذا الزحام الذي لا يشعر فيه أحد بالأخر، حتى جلسات الاصدقاء التي يبقى كلا منهم فيها مشغولا بهاتفه أو حاسبه. فيلم Her صرخة مرعبة لهذا العالم القميء حتى لا يستسلم لوحدته.
"الناس يعتقدون ما يريدون، هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم لا أبيض وأسود، رمادي دائما" تلك العبارة هي أعظم ما في فيلم "american hustle"، الذي يتناول قصة فضيحة سياسية في أوخر سبعينيات القرن الماضي، عندما نجح ضابط "إف بي آي" بمعاونة نصاب محترف في اسقاط مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي وعمدة مدينة بتهمة الفساد والرشوة. وربما يثير الفيلم الذي أخرجه ديفيد راسل وكتبه معه ايريك وارين سنجر الدهشة من الضجة المثارة حوله وترشيحه لجائزة الأوسكار والفوز بجوائز في الجولدن جلوب لكونه فيلم متوسط المستوى، يعاني من بعض المشاكل في السيناريو الذي اعتمد للغاية على بناء الشخصيات دون التركيز على الخط الدرامي الرئيسي للفيلم وكذلك الحبكة بوجه عام، والمدهش أن تلك المشكلة ظهرت بوضوح نتيجة المبارايات التمثيلية الجانبية المدهشة بين ابطال الفيلم، والتي خلقت حالة خاصة في كل مشهد، اختلفت حسب مستوى الممثلين في كل مرة وهو ما لا يصب في صالح مخرج العمل، الذي بدا مشغولا بالاحتفاء بموسيقى الجاز في تلك الفترة أكثر منه اهتماما بالفيلم ذاته. لكن تبقى تلك الشخصيات الرمادية شديدة الإنسانية التي لا تعتبر البشر ملائكة أو شياطينا بل يحملون هذا المزيج الإنساني من الخير والشر هي أهم ما في الفيلم، حيث أدى كريستيان بايل شخصية المحتال العاشق الذي يحب ابنه بالتبني، والذي اضطر لخدعة ضابط المباحث الفيدرالية من أجل تخفيف الحكم على صديقه الذي تعرف إليه خلال العملية واعترافه لهذا الصديق وفقدان صداقته للأبد، في أحد اروع أدوار بايل الذي يبقى مرشحا قويا لأوسكار أحسن ممثل على الرغم من "مكياج" عزت العلايلي الذي يظهر به خلال الفيلم. وتعود إيمي أدامز لتضرب من جديد بدور المحتالة العاشقة التي تصيبها الغيرة بالجنون، في دور متميز للغاية خاصة تلك المشاهد المشتركة بينها وبين بايل والمشهد الوحيد بينها وبين المبهرة جنيفر لورانس، تلك الممثلة التي تضيء الشاشة بمجرد ظهورها، والتي تؤدي دورا ثانيا في الفيلم تثبت من خلالها استعدادها لاحتلال القمة خلال سنوات قليلة، ويؤدي برادلي كوبر دورا لطيفا يتوارى قليلا أمام سطوع بقية نجوم الفيلم، لكن يبقى دور Jeremy Renner بطل افلام الحركة مثل "The Avengers " اكتشاف جديد لممثل قدير يثير على خطى الرائع جو بيتشي في دور العمدة "بوليتو". وما بين مشهد خاص بين روبرت دي نيرو ضيف شرف الفيلم وكريستيان بايل، ومشهد أخر بين إيمي أدامز وجنيفر لورانس، وعدة مشاهد بين كريستيان بايل وإيمي أدامز، ومشهد أكثر من رائع لـ"بايل" يعترف لصديقه Jeremy Renner بخيانته، بينما يطرده الأخير من البيت وهو يضربه، يستمتع المشاهد بوجبة تمثيلية دسمة للغاية لا يعيبها سوى اعتبارها جزر منفصلة داخل الشريط السينمائي. ربما يشبه فيلم "american hustle" فيلم سكورسيزي الخالد "Goodfellas" في فكرة الفيلم وكذلك حركة الكاميرا بسرعة من خلال المكاتب ، والمطاعم، والبيوت لمدير التصوير لينوس ساندجرين، لكنه يفتقد إلى تلك الروح التي يبثها سكورسيزي في مشاهده والتي لا تصيب المشاهد بالملل نهائيا، وكذلك الاهتمام الخاص بالخيوط الفرعية للقصة الدرامية والتي لم ينجح فيها "راسيل". لكنه يبقى أحد أهم افلام 2013 التي ينبغي مشاهدتها في وجود كل تلك المباريات التمثيلية المذهلة فيه.
عادة ما يشعر المشاهد بالقلق قبل مشاهدة فيلم مدته 3 ساعات كاملة، يخشى الملل والإغراق في تفاصيل فرعية تشتت تركيزه وتقلل من استمتاعه بأحداث الفيلم، لكن أمام فيلم للمعلم صاحب الـ71 سنة مارتن سكورسيزي ينتصر تحدي الـ180 دقيقة على كل المخاوف، ويواصل المخرج العجوز صاحب "تاكسي" و"الثور الهائج" وكل أفلام العصابات الشهيرة مثل "Goodfellas "، "Gangs of New York "، و"The Departed " الخروج من عباءته وتقديم الجديد بصورة تثير الدهشة مع سنه، حيث نجح سكورسيزي منذ عامين في اقتحام عالم الـ3D بتقديم فيلم "Hugo " ببراعة حسده عليه حتى جيمس كاميرون المخرج المخترع، وفي فيلمه الجديد The Wolf of Wall Street يقتحم عالم السير الذاتية الذي قدمه من قبل في "The Aviator " ولكن هذه المرة بنكهة كوميدية صارخة، لا تشبه افلامه السابقة وبنجاح يحسده عليه أبرع مخرجي الكوميديا في العالم. وفي فيلم يشبه قليلا فيلم الأخوين كوين "Big Lebowski" يقدم سكورسيزي السيرة الذاتية لذئب شارع المال والبورصة "جوردان بيلفورت" وبإيقاع صارخ وجنوني، ومشاهد غير متوقعة لهوايات بطل الفيلم الغريبة، وبعرض دقيق للتفاصيل القذرة لسوق المال الأمريكي وكذلك عالم إدمان المخدرات بكافة أنواعها، معطيا صورة نهائية مبهجة للمشاهد على الرغم من غرائبية أحداث الفيلم. وبطاقم ممثلين تليفزيونيين مثل بطلة الفيلم الأسترالية "مارجوت روبي" وبعض أبطاله الثانويين مثل "بي .جا.بارين" و"جونا لوملي" ومع نجمه المفضل حاليا ليوناردو دي كابريو والنجم المتألث "جونا هيل"يعزف سكورسيزي ملحمة تمثيلية عفوية تليق تماما بقصة الفيلم وطبيعة شخصياتها النهمة الشرهه عاشقة المتعة المغرمة بالمال والمخدرات والنساء. ويقدم "ليوناردو دي كابريو" أحسن ممثلي جيله على الإطلاق دورا من اروع أدواره - في الحقيقة هو يقدم دورا رائعا فيلما بعد فيلم - يستحق الحصول عليه على جائزة الكرة الذهبية، ويجعل جائزة الأوسكار تقترب للغاية من دولاب جوائزه، ويقدم من خلاله أحد اروع مشاهد الفيلم خاصة، وحياته الفنية عامة، من خلال شلل دماغي مؤقت يجبره على الزحف من كابينة تليفون إلى سيارته وقيادتها إلى المنزل. وبأداء ليس غريبا عليه، يتقمص النجم الأمريكي شخصية البطل الاصلي للسيرة الذاتية، يتحدث مثله وبنفس طريقته مستخدما نفس تعبيرات وجهه، وكأن عضلات وجهه يسيرة التحريك مثل يديه - من الضروري أن تشاهد فيديوهات صاحب القصة الحقيقي على "يوتيوب" - في محاكاة لم يسبقه فيها سوى ربة التمثيل "ميريل ستريب" حين قدمت دور الطاهية الشهيرة "جوليا" منذ عدة سنوات. وخلال 180 دقيقة تلعب الموسيقى التصويرية دور الراوي بعد توظيفها بطريقة شديدة الذكاء لتعطي بعدا أخرا لأحداث الفيلم الصاخبة، لدرجة تكوينها صوتا جديدا لشريط الصوت موضحة المعنى والهدف من المشاهد التي تدق فيها. فيلم "The Wolf of Wall Street" فيلم مختلف تماما لم يقدمه سكورسيزي من قبل، وكذلك كاشف بطريقة لم يعتدها الجمهور العربي، الذي اصر "بابا" الرقيب على قطع 40 دقيقة من أحداث الفيلم ليقدم لوحة سيريالية لأحداث الفيلم تاهت فيها المعاني بسبب القطع الجائر حرصا على الأخلاقيات العربية - احم احم - يكشف بشاعة رأس المال الأمريكي وامتهانه لكل القيم وتلك القوة الطاغية لرأس المال في مجتمع تأسس على عبادته، بنهاية منطقية وطبيعية بأن يظل البطل صاحب اللا مباديء موجودا على الساحة كأحد اشهر مدربي المبيعات في الولايات المتحدة التي تحترم صانعي المال أيا كاونا. في الحقيقة صرنا كذلك أيضا لكن رقيبنا مازال خجلانا من عري الأجساد، سعيدا بعري الضمائر والنفوس. فيلم The Wolf of Wall Street يستحق المشاهدة على شاشة جهاز بعيدا عن مقص الرقيب، قادرا على إصابتك بالبهجة رغم كل أحداثه في خلطة لا يضمنها لك إلا اسم "مارتن سكورسيزي".
أن تسمع أغنية جميلة فأنت على موعد مع "طبطبة" روحانية تستحقها ارواحا تعاني في عالم لونته الدماء، وأن تحمل تلك الأغنية كل مقومات الأغنية الحقيقة في زمن انكسر فيه ظهر السلم الموسيقي، وتهاوت خطوط النوتة الخامسة تاركة الفراغات الاربعة بلا معنى، فأنت على موعد مع انتصار صغير في عام لم يكن به أية انتصارات. وأن تكتشف تلك الأغنية بالصدفة البحتة على تليفون أحد أصدقائك المحمول، وتبحث عنها بعد ذلك عبر الإنترنت لتكتشف أن كاتبها محمد إبراهيم الشاعر الشاب الذي لم يتجاوز الـ21 من عمره، والذي يصدر ديوانه الأول خلال أيام بعنوان "فلوماستر أبيض"، والذي ينتمي إلى مدينة المحلة الكبرى، وملحنها وموزعها إسلام علي المطرب والملحن شاب أطلق منذ شهرين أغنيته الأولى بعنوان "بيرة"، وينتمي إلى مدينة طلخا في محافظة الدقهلية، ومطربتها هي زهراء محمد صاحبة الـ24 ربيعا بنت "نبروة" في محافظة الدقهلية خريجة الهندسة، فأنت على موعد أخر مع البهجة بعيدا عن مركزية القاهرة البغيضة. الاصدقاء الثلاثة الذين جمعهم حب الموسيقى، وخارج أي إطار سوى عشق الفن الوحيد الذي يخاطب الروح مباشرة عبر الأذن، صنعوا أغنية "حيطة أمل مايلة" ليهبونا أمل حقيقي في جيل ثار فاتهموه بخراب البلد، وغنى فاتهموه بفساد الذوق، وكتب فاتهموه بالسطحية، في جيل مختلف، يعرف جيدا أن يضع قدميه، وكيف يرفع رأسه رغم كل المعوقات. وبكلمات طازجة تماما، لشاعر تزيد موهبته أضعافا عن سنوات عمره، وبلحن يحمل موهبة ترك الحزن أثاره عليها، وصوت قادر على الغناء بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية بنفس الإحساس يشبه ذلك الصباح الشتوي المشرق الدافيء الذي تحاول بعض الغيوم أن تهبه مكانا ظليلا لعشاق البرودة، قدم الثلاثي أغنيتهم الأولى، حاملة كل جمال التجارب الأولى من طهر ونقاء وبراءة. وخلال 8 اشهر هي عمر تلك الأغنية تم الاستماع لها على موقع "يوتيوب" لما يزيد عن 100 الف مرة، وعلى موقع "ساوند كلاود" إلى ما يزيد عن نصف مليون مرة، محققة نجاح ربما لم يدر في خلد صناعها الذين فقط أحبوا ما يصنعون، فقدموا ما نحب،واسعدونا. ويبقى الامل حيا في تلك الأرض في صدور شبابها، معلقا بأرواحهم، مواهبهم التي تستحق التنفس، والقادرة على إعادة البهجة التي هاجرت من بلادنا مرة أخرى لها، صدقوا ذلك الجيل وأطلقوا له الحرية الكاملة ليصنع فنه، ويختار طريقه، ويصنع حياته ولن تندمون. *****
كلمات الأغنية حيطة أمل
معلق روحه عـ الشماعه جنب الباب .. وسايب باب ماضيه المُر متوارب كعبه اللى دار فـ الدنيا لف وداب .. ساب للحياه الحبل عـ الغارب ! ساند على حيطة أمل مايله ماسك فـ إيدى من زمان كلمة " ياريت " معجون بمية صبّها العفاريت مجنون انا عايش بلا ليلى عقرب فـ ساعة حيطه لدغ الوقت لا عرفت انا إمتى وفين .. وإزاى انا إتعلقت بس المهم الحبل كان دايب بلعب فـ دور الكل فيه عواجيز الدنيا كازينو كبير ملوهش عزيز كوتشينه كل ورقها كان " شايب " عقرب فـ ساعة حيطه لدغ الوقت
الأصل في الفن هو العشق، والفنان عاشق بطبعه، ربما هذا ما دفع العواد الأزهري المعروف عبد الوهاب منسي صاحب الكورال إلى السفر إلى العديد من الدول العربية، بحثا عن لقمة العيش متنقلاً من قلب لقلب في كل مدينة صدح فيها عوده وغنت فرقته، حتى وصل إلى القدس في نهاية عام 1919 ليلتقي بـ"الماظ" تلك الفتاة اليهودية ابنة أحد الحاخامات الذين يسكنون المدينة المقدسة، يستقر القلب الرحال وتجبره الظروف على الهروب بحبيبته التي رفض والدها زواجها من رجل يعمل فنانا ومسلما في ذات الوقت. وفي بغداد عام 1920 أنجبا طفلهما الأول عبدالفتاح، وفي دمشق عام 1922 أنجبا طفلها الثاني أنور، وفي القاهرة وقبل أن يتعلم أنور نطق الكلام بطريقة سليمة كان على موعد يومي مع والده ليعزف في غرفته قبل النوم، حيث كان الأب عبدالوهاب منسي حريصا على أداء بروفاته الفردية داخل غرفة نوم ولديه الصغيرين، الذين ورثا القلب العاشق من والدهما والروح المغامرة من والدتهما والحرية وعشق الموسيقى من الإثنين. وعندما لاحظ الأب نبوغ الابن في الموسيقى جعله يدرس الموسيقى العالمية عبر الدراسة الأكاديمية لآلة الكمان وهو في سن السادسة على يد العديد من الخبراء في مجال لموسيقى العالمية، فتعلم أنور على يد مدرس فرنسي يدعى "موسيو ارمناك"، وظهرت علامات نبوغه مبكرًا، واستقطبه القصر الملكي لآداء العزف المنفرد وهو في العاشرة من عمره، وأطلقت عليه صحف القاهرة آنذاك “موزارت مصر”، تشبيهًا له بموهبة موزارت المبكّرة، كان الطفل اصغير يعود بعد كل حفلة في القصر الملكي في سيارة ملكية، حاملا مظروفا به 100 جنيه عام 1932. وبعد 6 أعوام وعند بلوغه السادسة عشر كان أنور منسي اصغر عازف في فرقة أم كلثوم التي أسسها محمد القصبجي، لكن موهبته الفذة وروحه العاشقة للحرية ولتلك الالة الموسيقية الصغيرة التي استقرت ظاهريا على كتفه وفعليا في قلبه، واعتداده الشديد بكرامته، جعله يترك الفرقة غاضبا بعدما ذاب في "صولو" مع كمانه أثناء أداء الست لإحدى أغنياتها فما كان منها إلا أن نهرته أمام الجمهور والعازفين قائلة : ( ايدك معايا يامنسي ). وفي منزله وعلى أنغام مقطوعات " باجانيني" التي عشقها فضل الشاب عدم العمل على أن يعتبره أي مطرب أيا كان حجمه مجرد عازف في فرقته، لكنه كان على موعد جديد مع محمد عبدالوهاب، الذي أدرك بذكائه المعتاد موهبة ذلك الفتي، واعتداده بنفسه، فأقنعه على العمل معه، وأسند إليه تلحين مقدمة أغنية "النهر الخالد"
كما أسند له مقدمة أغنية "أنشودة الفن" http://www.youtube.com/watch?v=A6rlG36CK8U http://www.youtube.com/watch?v=BYc1_Ijkg_0 وفي أغنية "ماليش أمل" التي غنتها ليلى مراد في فيلم "غزل البنات"، اتفق عبدالوهاب تقدير لعازفه المفضل مع أنوروجدي مخرج الفيلم أن تبدأ الأغنية بعزف أنور منسي، وأن يكون العازف الفنان خلال الأغنية ظاهرا خلف ليلى مراد في الشاشة. http://www.youtube.com/watch?v=N1HZvPhFok0 بعدها أصبح أنور منسي "صولويست" لكل الفنانين الكبار وصديق لهم مثل أم كلثوم التي تصالح معها ومحمد عبد الوهاب ومحمد فوزي فريد الأطرش، وخلال 12 عاما صار العازف الشاب أهم عازف كمان مصري، ونجح رغم اتهامه بحكم آلته وتعليمه بالانتماء للموسيقى الغربية في دمجها بالموسيقى العربية، وصبغ تلك الآلة الغربية الكلاسيكية بالموسيقى الشرقية وتقاسيمها ومقاماتها. تزوج من المطربة صباح لمدة 4 سنوات، وأنجب ابنته هويدا عام 1952 ، لكنه سقط من فوق حصانه في سفح الهرم وتوفى على الفور وهو في سن التاسعة والثلاثين، قبل أن يكمل مشواره الفني، كأحد ابناء الموت الذين تركوا بصمتهم في هذا العالم رغما عن عمرهم القصير.
ضابط شريف يعمل في مباحث الأداب، فشل في حياته لانه أحب عمله، وفشل في عمله لأنه لا يحب القانون، يعتبره عقيما يحمي الفاسدين، "باشا" لا تحميه "باشويته" أمام "باشوية" الفاسدين، وضابط أخر تحول إلى تاجر مخدرات بأوامر قادته الذين خرجوا للمعاش وتركوا الخدمة، بعد فترة يتوه الضابط بين مهنته الأصلية والمنتحلة، ويخرج الضابط من "أرض الخوف" حالما بالعودة إليها، ومجند "بريء" يلبي نداء العلم، يخدعه قادته حتى يكتشف الحقيقة بنفسه، ينتقم لنفسه وصديقه، بعدما خدش التجنيد براءته، ومحام فاسد يعمل في قضايا التعويضات "ضد الحكومة" يتحول بسبب ابنه المكتشف إلى كاشف للحقيقة، ومحارب للفساد الذي صاحبه طيلة عمره، ومجرم هارب بحثا عن جريمة شرف بحكم "صعيديته"، أدمن "الهروب" والانتقام من كل من تسبب في خيانته، تستغله الشرطة ذاتها للتغطية على بعض جرائمها.
وما بين ضابط ومحام ومجند وضابط ومجرم هارب تبدو دولة القانون التي شخصها أحمد زكي في أفلامه الخاصة فاسدة ملوثة خاضعة للفساد، تحمل داخلها تلك الروح الإنسانية التي لا ينبغي لها أن تكون ملاكا، ولم يكتب لها أن تكون شيطانا، فقط انسانا ضمن منظومة دولة القانون التائه، قدمه أحمد زكي كما كان في الواقع تماما
*****
دولة الغلابة:
"إحنا صغيرين قوي يا سيد"..هو كذلك سيد المصور الجوال في "اضحك الصورة تطلع حلوة"، الذي لا يملك سوى ابنته وامه والحلم الذي يسع المستقبل، الذي يخوض حربا طبقية لا ناقة له فيها ولا جمل، مساندا لحب ابنته لشاب ينتمى لطبقة اعلى، بينما يعيش "زين" في "هيستريا" متجاوزا حلمه، يغني في المترو صباحا وفي الأفراح ليلا، يعاني شظف العيش لكنه يعشق الحياة، وفي "كابوريا" كان حسن الهدهد يبحث عن حلم يصنع مستقبلا، وأجبرته الصدمة الطبقية على نسيان الحلم والاستمتاع بالضياع قبل أن يفيق.
وفي دولة الغلابة ما بين قانع محارب لتحقيق حلمه محترما ظروفه، ومابين متجاوزا قرر التعايش والتكيف مع الواقع، وأخر أضاع حلمه امام الصراع الطبقي حتى افاق، "غلابة" أحمد زكي يشبهون هؤلاء الملايين الذين يسكنون قرى مصر ومدنها، يركبون المترو صباحا ومساء وبين جنباتهم حلم يبحث عن الطريق.
****
دولة السيادة:
"ناصر 56" يتقمص أحمد زكي شخصية جمال عبدالناصر في أوج قوته، عند اتخاذ قرار تأميم القنال، ينقل التاريخ من وجهة نظرا "ناصرية" بحتة، ينتمي المشخصاتي الحقيقي للشخصية بغض النظر عن التاريخ، وفي "أيام السادات" يعاود زكي الانتماء للشخصية بعرض تاريخ الرئيس الراحل من وجهة نظر "ساداتية" بحتة، ينتصر المشخصاتي للمرة الثانية على التاريخ، وفي المرة الأخيرة، خلال فيلم النهاية يؤدي زكي دور عبدالحليم حافظ زعيم دولة الغناء، ينتصر المرض تلك المرة على المشخصاتي ولا يستطيع المشخصاتي الانتصار على التاريخ، ويرحل زكي في أحضان حليم.
في الواقع احب من كرهوا جمال عبدالناصر، "ناصر" زكي، وكذلك فعل من يكرهون السادات أمام "سادات" زكي، وتعاطف الكل مع "حليم"، انتصر زكي لموهبته ومهنته، ورحل تاركا أيقونات سينمائية تستعرضها المناسبات في غياب التاريخ.
****
ومابين دولة قانون فاسدة وعدالة تائهة ومستضعفون حالمون يحارب المجتمع أحلامهم بكل الوسائل الممكنة، وقيادة سياسية وفنية (نخبة) معزولة ومشغولة بنفسها كانت مصر لمدة 60 عاما كما قدمها فنان حقيقي ترك بصمته.
أشار إلى يوم ولدت، وقال هذا رجلاً تحبه النساء....ثم رحل، اصطحبتني أمي صغيراً إلى دجال يدعي الورع، يؤم المصلين في زاوية صغيرة بلا وضوء على الأرجح، فأشار إلى هو الآخر وقال : في حياته 10 نساء، يشكلون يوماً ماضيه وحاضره ومستقبله.. لن يعيش طويلاً ، شهاب يسطع قبل أن يرحل. تكتم أمي شهقتها، لتخفي حلما راودها قبل ميلادي بأيام، عن شهاب يخرج من بطنها، فينير الدنيا، وما يلبث أن ينطفأ. حدثتكم من قبل عن 3 منهن، 3 نساء تركن آثراً لا ينمحي في حياتي، لم يذهبن ولن يذهبن، لأنهن بالمناسبة أخواتي على الرابط التالي: http://monnam.blogspot.com/2012/03/3.html
وحدثتكم عن الرابعة رفيقة الطريق على الرابط التالي: http://monnam.blogspot.com/2013/04/blog-post.html واليوم أحدثكم عن الخامسة والسادسة: ريم وفرح، ابنتاي، تلك القطع الرقيقة الصغيرة من روحي التي صارت أنسات تمشي على الأرض، من الطبيعي أن يعشق الاب بناته، لكنهن تبقيان المعشوقة الخامسة والسادسة:
المعشوقة الخامسة: "لو لم تملك من الحسن سوى وجه أمي لكفاها" رمرومة الجميلة ابنتي الكبرى، أول عتبة من عتبات الابوة المقدسة، تلك الصغيرة التي اخترت اسمها منذ كان عمري 9 سنوات، تلك التي شهدت معي أول محاولاتي في الحب كأب، تلك الطفلة المبهرة الجميلة التي عشقتها أكثر من أي انسان على سطح هذه الأرض لمدة عامين لم يكن لدي فيهما سواها. تلك التي تشبه أمي وعمتها الصغرى إيناس، تشبه أمي خلقا بتلك الملامح الجميلة والأنف المميزة للغاية التي يصعب اكتشافها من النظرة الأولى، وتشبه إيناس خلقا وخلقا بكل عاداتها حتى ذلك التمرد الدائم وحب الحياة، وتلك الإبتسامة الساحرة - في الواقع أحب إيناس كثيرا وغالبا انتقل هذا الحب لابنتي -. تعشق الموسيقى واعشق عشقها للموسيقى وتحب القراءة وأكتب حتى تقرأ يوما ما كتبت، تغضب بسرعة اعصار أمريكي يحمل اسما نسائيا مميزا، ودموعها اقرب إليها من حبل الوريد، ربما لم تدرك الصغيرة بعد أن قلب والدها "ينخلع" من دموعها، وأنني أتمنى أن أملك كل الدينا من أجل فقط أن تظل مبتسمة. أحلم أن تكون ذلك الحضن الذي يشتقبلني عجوزا وهي تملك من الحنان والحب ما يكفي ويفيض، فقط أخاف عليها بكل ما تملكه من براءة وحساسية من تلك الدنيا التي لا تحب الأبرياء. جميلة هي تملك شخصية نسجتها الايام على "نول" بديع، فصنعت منها روحا طفلة ستظل وتبقى - أبوها مازال فخورا بأنه طفل كبير -. ريم لو قدر لي أن اصفها في كلمات، لا أملك إلا أن اقول : من الراء اكتسبت رقتها، ومن الياء ياويل غضبتها، وفي الميم مشوقة أعبدها. *****
المعشوقة السادسة: "ملكت كل سحر الدنيا في ابتسامتها" فاته نصف عمره من لم ير ابتسامة فرح، تلك الابتساكة التي تجبرني على التحليق مهما كنت غاضبا، صاحبة الاسم التي نالت نصيبها كاملا منه، بكل تلك الشاقوة المخبؤة داخل روحها، وزوج "عفريت" من العيون لا يتكرر كثيرا، وملامح جميلة تنتنمي إلى آل شاذلي، ولكنها تشبه أمها ايضا، وكأنها حتى في ملامحها أرادت ألا تغضب أحدا. عصبية للغاية وكأن كهرباء مستها يوم ولادتها، أسميتها على اسم منى زكي في سهرة تليفزيونية بعنوان "زواج على ورق سوليفان"، فعشقت السينما مثلي. فنانة حقيقية تملك موهبة مبهرة في الرسم، وهي الموهبة التي اعتبرها والدها طيلة عمره اعجازا، في الغالب ورثتها من جدها لأبيها وعمتها أماني. لا تعرف أنها عندما ترسم تتسع روحي، وأنني شديد الفخر بما تصنع. لا تحب الدراسة - ومن يحبها - لكنها تعرف كيف تنجح، لهذا لست قلقا عليها من الدنيا، خاصة وهي قادرة على صنع صداقات جديدة في كل محيط قبل أن يرتد إليك طرفك، لكنني أخشى عليها من روح الفنان عاشقة التجريب إلى ما لا نهاية. عندما تغضب فرح، أظن أن البهجة تغادرني إلى عير رجعة، أحلم بصداقتها مستقبلا وأن تكون سر أبيها وصديقته الأقرب، تلك التي ستفهمني حين ينكرني الكل، وكيف لا يفهم البعض الكل. في عشق فرح على استعداد لكتابة أبيات لا تنتهي من الشعر، لكني يكفيني منها الأن أن اقول : من الفاء فن وإحساس، وبالراء رائعة بين الناس، وفي الحاء حب بإخلاص.
أثناء أحد مشاهد مسرحية "انا وهو وهي" ، استلقى فؤاد المهندس علي خشبة المسرح بجوار شويكار، ثم فاجأها أمام الجمهور بطلبه للزواج منها، لم تصدق شويكار نفسها، وفقت وأكملا المسرحية، وبعد سنوات حين تحدث المهندس عن إلتزامه الدائم بالنص ورفضه للخروج عنه، سأله صحفي عن تفسيره لما فعله في هذا العرض المسرحي بطلب يد شويكار للزواج، فابتسم المهندس وقال : "ده روح النص". التقيا قبل هذا بكثير في الخمسينيات، حين كان فؤاد المهندس قد طلق زوجته الأولى "عفت سرور" بعد تجربة زواج "صالونات" لم يكتب لها النجاح، وكان قد بدأ في وضع قدميه على طريق الشهرة والنجاح، بينما كانت شويكار تبدأ طريقها الفني ، كان يحب الحديث غليها دون تفسير لهذا حيث قال :"كنت أحب الحديث معها كلما التقينا ولا اعرف السبب في ذلك وكنت اشعر أنها أيضا معجبة بي ولهذا كانت تحرص على حضور عروض المسرحية الأولى أو عروض فرقة «ساعة لقلبك» التي حققت شهرة ونجاحاً هائلاً". ومع بداية عام 1963 كان المهندس على موعد لم يخطط له مع شويكار ولكن هذه المرة على خشبة المسرح، بعدما رشحها عبدالمنعم مدبولي للقيام بدور البطولة أمامه في مسرحية "السكرتير الفني"، رفض المهندس ترشيحها لأنه لم يكن يتخيل أنها تصلح للأداء الكوميدي فمظهرها وطريقتها وارستقراطيتها، لكن قلبه كان موافقا وسعيدا بالعمل معها، دون أن يدرك السبب أيضاً، وانتصر قلبه وترشيح مدبولي على عقله. كانت شويكار قد خاضت أيضا تجربة زواج سابقة من "حسن نافع الجواهرجي" والذي توفى بعد عامين وتركها مع ابنتها منةالله، وخلال عامين من العامل، لم يتوقف قلبهما عن النبض، وأيقن كلا منهما أنه وجد شريك عمره، وبعد الطلب المفاجيء على خشبة المسرح لم يتم تحديد موعد للزفاف، فقط حين انتهيا من المشهد الأخير من فيلم «هارب من الزواج» الذي تقاسما بطولته وكان المشهد عبارة عن زفاف وكانت شويكار ترتدي بالفعل فستان زفاف، استغل الاثنان مشهد زواجهما في نهاية الفيلم وقررا أن يتزوجا في نفس الليلة وبالفعل ذهب الاثنان وهما بنفس الملابس التي أديا بها مشهد الفيلم إلى المأذون ومعهما الفنانة زهرة العلا وزوجها المخرج حسن الصيفي الذي كان مخرج الفيلم ومعهما أيضا شقيقه طلعت الصيفي وتم توقيع عقد الزواج. وكأن التحقق في الحب يهب صاحبه تحققا كاملا في الحياة، انطق أشهر ثنائي في الوسط الفني ليقدما سويا مجموعة من أروع المسرحيات مثل «أنا وهو وهي» و«سيدتي الجميلة» و«أنا فين وانتي فين» و«حواء الساعة 12» والعديد من الأفلام الكوميدية مثل «أشجع راجل في العالم» «شنبوه في المصيدة» و«أرض النفاق». وكما تزوجا بهدوء وبعد 20 عاما انفصل الثنائي الرائع بهدوء، دون أية مقدمات، تماما كما ارتبطا بالنسبة للناس، لم يدرك أحد لماذا انفصلا، خاصة بعد تصريح فؤاد المهندس قائلا :"هي حبي الأول والأخير ، لكن كل شيء قسمة ونصيب وأن العلاقة لم يكن لها نصيب لتمتد أكثر من ذلك". قالت وقتئذ عن هذا الطلاق هند رستم :"لقد فقد المسرح المصري ثلث قوته"، لكن الثنائي استمرا في أداء بعض الأعمال بنفس الروح، وكان الطلاق كان جسديا وبقيت الارواح متعانقة عاطفيا وفنيا وإنسانيا. وحين رحل فؤاد المهندس عام 2006، لقيت شويكار معه حتى الساعات الأخيرة، ونعته كاستاذ وحبيب تعلمت منه طيلة عمرها على كل المستويات، وقالت " سأظل طوال عمري حزينة على فنان ملأ الدنيا ضحكاً وسعادة في الترفيه عن شعبه من المحيط إلى الخليج، فهو رفيق وحبيب عمري ولم أعشق غيره طيلة عمري، وعلى رغم انفصالنا لكن علاقتنا ظلت قوية ووثيقة".
كان عبدالحليم عاشقا لسعاد حسني، لكن قصة الحب لم تكتمل، عاصر ها صلاح جاهين يوما يوم من خلال صداقته لحليم وابوته الروحية لسعاد، وبعدها بمايزيد عن 15 عاما كان أحمد زكي عاشقا لسعاد حسني وكان صلاح جاهين حاضرا. رجلان يحمل كلا منها حزنا عجيبا في عينيه، وامرأة حملت نصف بهجة الدنيا وحدها، وصديق أدرك من الحكمة ما يصيب البشري بالاكتئاب. بداية اللقاء في فيلم ا"لكرنك"، حين كان أحمد زكي مرشحا للعب دور البطولة أمام سعاد حسني، وجد الفتي الأسمر الدنيا تبتسم له للمرة الأولى، بطلا وأمام سندريلا الشاشة العربية، وما بين ليلة وضحاها، تدير الدنيا ظهرها لزكي ويستبعده المنتج رافضا هيئته، مؤكدا أنه لا يصلح كحبيب للسندريلا، التقطت عينا السندريلا نظرة الحزن في عين بطل فيلمها المستبعد، وربما لمست في قلبها نفس ذلك المكان الذي لمسته يوما نظرة العندليب الأسمر. وتكرر اللقاء مرة اخرى بعد ثلاث سنوات عام 1978 في فيلم "شفيقة ومتولي"، اصرت سعاد على أداء زي للدور، وقبل زكي كل الانكماش في دوره إلي أقصي درجة وأن تصبح "سعاد حسني" هي البطلة الوحيدة فيه، فلم تشاهد "متولي" كما تذكره كل الحكايات الشعبية بطلا للحكاية ، بل مجرد دور مساعد، أيقنت سعاد حسني حينها أصالة نظرة الحزن في عيون الفتى الأسمر. وبعد ثلاث سنوات أخرى كان اللقاء في "موعد على العشاء"، كان زكي يكسر كل "تابوهات" ادوار البطولة في السينما العربية، وكانت سعاد تؤدي مع محمد خان أحد أدوارها الخالدة، خان الذي قال عنه زكي أن علاقته به علاقة أخوية لأن ما يربطه بمحمد خان حبل سري واحد، نجح الفيلم، بقي ما في العيون تحسه فقط القلوب، النجم الأسمر وضعها موضع النجم الساطع البعيد الذي نحبه دون أن نمسه، والسندريلا وضعته موضع "ريحة الحبايب" الذي يبقى الوجود بجانبه راحة. وبعد أربع سنوات كان اللقاء الجديد بين نجمين صارا على قدر المساواة، ليؤديا مسلسل "هو وهي"، يتعرضان من خلاله لكل المتاح من أشكال قصص الحب العاطفية، والزواج والطلاق، يكتشف كلا منهما ذلك الحزن المخبوء في روح الأخر، يدرك زكي أن تلك البهجة التي تحملها طلة سعاد حسني ماهي إلا غطاء لمخزون رهيب من الحزن والألم، وتدرك سعاد أن ذلك الحزن المزوي في اركان عيون أحمد زكي ماهو إلا المحرك الرئيسي لموهبته وحياته، كان زكي قد تزوج هالة فؤاد عام 83، وبدأت المشاكل تدب بينهما وصارا على حافة الطلاق. وعند أقدام صلاح جاهين يدور الحكي والبوح وتتخفف الروح من الأحزان، وتعرف العيون بعض الابتسامات المهاجرة، التي تبقى قليلا ثم ترحل للأبد، انتهى زواج زكي بالطلاق وقال عن أم ولده الوحيد «هو العلاقة الصادقة والجميلة الوحيدة في حياتي»، مرددا رباعية صديقه جاهين: مهبوش بخربوش الألم وضياع قلبي ومنزوع من الضلوع انتزاع يا مرايتي ياللي بترسمي ضحكتي يا هل ترى ده وشي ولا قناع أدرك الفتي الأسمر والسندريلا أن ما بينهما خلق ليبقى، وأن مشاعرهما الدافئة تليق بصداقة تمتد إلى نهاية العمر، لا بانفصال يقضي عليها. وفي عام 1991 كان لقاء السندريلا الأخير بالفتى الأسمر أمام الكاميرات في فيلم "الراعي والنساء"، لم يحققا النجاح ذاته لأسباب عديدة قد يكون من ضمنها أن ما في العيون صار بعيداً عن القلوب، لكن عندما رحلت سعاد حسني قال أحمد زكي :"لم أحتمل نبأ وفاة سعاد حسني، إنه صاعقة أصابت روحه". ومن مفارقات القدر الساخرة أن يؤدي أحمد زكي دور العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ في أخر ايام حياته، ليرحل العاشق الثاني بعد أن أوصل رسالة العاشق الأول أن السندريلا كانت محلها "القلب".
آه م الفراق اللي يتفقوا الحبايب فيه يبقوا صحاب آه م الفراق اللي بنشوف الحبايب ده اصعب عذاب وياعيني علي اللي كان بيحب التاني أكتر بيهرب من المكان وبيبقي عذابه أكبر وياعيني علي اللقا من غير غيرة وعتاب ده مفيش بين الصحاب غيرة وعتاب كلمات أغنية كتبها بهاء الدين محمد وغناها عمرو دياب في البومه "وياه" الذي اصدره عام 2009، تلك الأغنية التي وافق على غنائها بمجرد سماع "الكوبليه" الأول منها دون أن ينتظر نهايتها، دون أن يداعبه لحن ما أو يسمعه من ملحن فيقرر استدعاء شاعر للكتابة عليه كما اعتاد، فقط تلك الأغنية التي لمست قلبه لأنها ذكرته بشيرين رضا حب حياته - على حسب تصريح أحد المقربين-. ***** كانت نهاية خطوبة قصيرة تصاحبها مصاعب بداية الطريق لمطرب شاب في بدايات الثمانينات تعني ألاماً لا تحصى، خاصة عندما كان يسكن في شقة يملكها منتج ألبومه الأول زياد فقوسة في حي العجوزة خلف مسرح «البالون» لا يملك سوى الحلم الذي رفضه والد خطيبته وأنهى العلاقة نتيجة لضعف قدرات ابن بورسعيد المادية. وذات صباح بينما كانت الشابة شيرين رضا التي تسكن في عمارة مجاورة تقوم برحلتها الصباحية ما بين شقتها والمسرح الذي يقدم فيه والدها مسرحية «الشخص» من بطولة الفنانة عفاف راضي، حيث تعمل كمساعدة مخرج تحت التدريب، التقطتها عيون عمرو دياب لتسكن روحه طويلا بعد ذلك. وصارت متابعته لها يوما طقسا ثابتا يساهم في تخفيف ألامه، ويزيد تعلقه بها، وكعادة الدنيا في التآمر لصالح العشاق رشحته إحدى الوكالات الاعلانية ليشارك في تمثيل اعلان من اعلاناتها وكانت الصدفة والمفاجأة المدهشة ان تشارك شيرين التمثيل في هذا الاعلان، تعارفا، لكن الشابة غير المهتمة بالفن كانت تسعد للسفر غلى الولايات المتحدة لدراسة تصميم الأزياء وكانت زوجة عمها الفنان فريدة فهمي تدرس الدكتوراة في ذلك الوقت هناك. وعندما عادت كان عمرو دياب قد وضع خطواته الأولى على سلم النجومية بألبوم "ميال" الذي حقق مبيعات ضخمة وقدمه كأحد نجوم الموجة الشبابية الجديدة، ولأن الدنيا ما زالت مُصرة على بذل مجهود لنجاح تلك العلاقة، دُعي عمرو دياب لإحياء حفل خطوبة احدى صديقات شيرين رضا في فندق الهيلتون، أنهى فقرته وترك كل شيء ليتحدث معها ووليبدى لها اعجابه الشديد بها، وابدت هي اعجابها بأغنياته، ولم يفوت عمرو بذكائه المعهود فرصة التعرف على والدها في تلك الليلة والحصول على دعوة بمرافقتهم في رحلة إلى مزرعة ريفية في اليوم التالي. وفي الصباح اصطحبها في سيارته معاودا هوايته القديمة في تأملها كل صباح، وخلال الطريق روى لها كل شيء عن نفسه حتى مشاعره، التي تقبلتها بخجل وسعادة، وفي المزرعة طلب يدها من والدها الذي لم يندهش وطلب موافقتها التي كانت حاضرة، نجحت الدنيا وأثمر مجهودها عن خطوبة العاشقين. وخلال فترة الخطوبة قامت شيرين ببطولة فوازير رمضان وكان هذا عام 1989، بناء على ترشيح المخرج الراحل فهمي عبدالحميد وهو ما لم يسعد عمرو كثيرا، الذي كان يرى أن زوجته المستقبلية مكانها المنزل - على حسب تعبيره فيما بعد -. ومع سطوع نجم المطرب الشاب، ووصوله لقمة الأغنية الشبابية كانت مصر كلها تتحدث عن الحب والزواج الأسطوري ما بين معبود المراهقات وفاتنة الشباب الشقراء. لكن عمرو دياب الحريص دائما على ابعاد عائلته عن عيون الإعلام نجح في قضاء فترة زواجهما الأولى في حب هائل وسعادة بالغة حتى أنجبا ابنتهما «نور»، لكن سرعان ما بدأت الخلافات نتيجة الاختلاف الشخصي بين الطرفين، ذلك الاختلاف الذي يصبغه الحب بصبغته في البداية والتي ما إن تنقشع حتى تسبب المشاكل. لتنتهي قصة الحب الرائعة القصيرة الخاطفة بالطلاق، الذي لم يستوعبه بعض المقربين حتى قال عمرو دياب في تصريح لمجلة "الكواكب" عام 94 : «كانت المرأة الوحيدة في حياتي هي أمي.. كانت تحترم والدي الى أقصى درجة.. وكانت بالنسبة لي هي النموذج للمرأة بطيبتها وتسامحها وتفانيها في خدمة بيتها وتقديسها للحياة الزوجية.. وربما كان ذلك احد أسباب فشل زواجي من شيرين رضا» . لم تكن شيرين رضا أما لعمرو دياب ولكنها كانت عاشقة، لكن بعض الرجال الشرقيين مازالوا عاجزين عن التفريق بين دور الأم والحبيبة.