09‏/02‏/2014

أرشيفي السينمائي: فيلم «آغسطس: مقاطعة أوسيدج».. النفس البشرية وما أدراك ما النفس البشرية

3 أيام تجتمع فيها عائلة الأديب المغمور "بيفرلي يستون" لحضور جنازته بعد انتحاره تاركا زوجته مدمنة المهدئات "فيلوليت" التي لعبت دورها الفنانة ميريل ستريب مع خادمة من السكان الأصليين للبلاد في ولاية أوكلاهوما وظفها قبل رحيله بيوم واحد.

3 بنات متزوجة ومخطوبة وعازبة، يعانين من مشكلات مجتمعهن التي تواجه كل واحدة منهن على حدة، واجتماع اضطر إليه الجميع وفقا للتقاليد رغم كراهية كلا منهن للانتماء لهذا المنزل، والذي يعودن إليه ويواجهن انحراف مزاج الأم نتيجة الإدمان والقسوة المفرطة بعد تركها وحيدة دون أي اتصال.

تلك هي تفاصيل رواية " آغسطس: مقاطعة أوسيدج " الفائزة بجائزة "بوليتزر" للروائي "تريسي ليتس" والتي حولها المخرج "جون ويلز" إلى فيلم سينمائي ترشحت عنه ميريل ستريب - كما اعتادت كلما وقفت أمام الكاميرا - لجائزة افضل ممثلة في الأوسكار، وكذلك جوليا روبرتس لجائزة أضل ممثلة مساعدة.

وينتمي الفيلم لنوعية الكوميديا السوداء، تبدأ باختفاء الشاعر مدمن الكحول واستدعاء بناته واكتشاف وفاته منتحرا، ويدور صراع بين الأم وابنتها الكبرى قوية الشخصية التعيسة التي تشبه والدتها كثيرا حول إدارة الأزمة التي يمر بها المنزل، في وجود اختها اللاهية المخطوبة لرجل آفاق، واختهما الصغرى التي ظلت بجوار والديها حتى تخطت الأربعين، ومع حرص المخرج على استعراض الولاية المقفرة شديدة الحرارة، التي يذوب فيها كل شيء إلا الخلافات العميقة التي ولدت منذ زمن بعيد.

ينجح المخرج في الحفاظ على روح الرواية التي تحولت من قبل إلى مسرحية ساخرة عبر تشريح الشخصيات واظهار نقائصها البشرية من خلال زوج البنت الكبرى المرتبط بفتاة مراهقة ترك من أجلها زوجته، والم تلك الزوجة التي لعبت دورها جوليا روبرتس وجنوحها للتجاهل من أجل أن تبقى قوية، وانفصال الأخت الوسطة عن واقع عائلتها وتعلقها برجل جديد كل عام يحقق أحلامها، وحرص الأخت الصغيرة على اخفاء اصابتها المسبقة بسرطان الرحم واستئصاله، وتلك الخالة السمينة قوية الشخصية وزوجها العاشق لابنه ضعيف الشخصية الذي تضطهده أمه، والأم التي تعرضت لطفولة قاسية للغاية وحادثة خيانة بعد الزواج أفقدتها سلامها الروحي، في شبكة علاقات إنسانية معقدة للغاية، تكشف مدى ضعف العلاقات الإنسانية لحظات المواجهة وما يعقبها، وقدرة التجاهل والتغاضي عن الابقاء عليها وكأنها شبكة عنكبوت.

وبأداء يشبه أداء آلهة الأوليمب تقدم ميريل ستريب أحدث أدوارها لتلك الشخصية المدمنة القاسية التي تواجه الكل بالحقيقة بلا مبالاة لنتيجتها، الباكية الضاحكة في آن واحد في دور أشك أن قارئه كان يتواني للحظة عن ترشيحها لتقديمه، والتي يتمنى المشاهد إلا تختفي من على الشاشة، وألا ينتهي الفيلم استمتاعا بقدرتها الفائقة على اضحاكه واجباره على البكاء في نفس ذات اللحظة.

واداء مبهر للرائعة الأخرى جوليا روبرتس، التي اعتبرت الوقوف أمام ميريل ستريب رهبة ومجهود، بذلته واستحقت أن تصل إلى القمة من خلال تلك المشاهد التي وقفت فيها ندا لربة التمثيل.

ويكفي مخرج الفيلم الذي اضطر طبقا لطبيعة الرواية أن تكون 90% من مشاهد الفيلم تصوير داخلي، ذلك المشهد البديع للمعركة القصيرة بين الأم "فيلويت" والبنت الكبرى "بربارا" لانتزاع الحبوب المهدئة من يدها على منضدة الغداء، والتكوين الرائع للمشهد الذي جعله منتج الفيلم "افيشا" له، حيث بدأ والأسرة ملتفة حول غداء بعد العزاء وانتهى والأم على الأرض تبكي من الإهانة بينما تحتضنها الخالة ويلتف الأشخاص حولها بمسافات متفاوتة بينما وقفت الكبرى في المنتصف حيث القوة والقدرة صارخة والرجال في الخلفية منزعجين في وضع تأهب، وكأنه قرر أن يختصر الفيلم بأكمله في مشهد.

فيلم august osage county  أحد تلك الأفلام العظيمة التي تكشف النفس البشرية، والتي قد تمر مرور الكرام على الكثيرين، لكنه يترك في النفس ذلك الاثر الذي تتركه لحظة كشف حقيقة ما أمام عيوننا العاجزة بارادتها عن رؤية الحقيقة، تلك اللحظة التي تتلفت فيها حولك لتتأكد أن أحدا لا يراك.

ليست هناك تعليقات: