لم يكن هذا المنزل العريق غريبا على كل سكان المنطقة، الذين يدركون جيدا قيمته وأصالته، حتى لو أصابت حوائطه بعض التشققات وزال لونها بفعل الزمان الذى لا يرحم، ولم يكن الجيران بمعزل عما يجرى داخل البيت من إعادة ترتيب، لدرجة أن بعضهم حاول التدخل فيها، بحجة الجيرة تارة وبلعبة المصالح تارة أخرى.
حتى العائلة الكبرى التى تنتمى إليها تلك العائلة التى تسكن المنزل، انقسمت حول سكانه فرقا وشيعا كثيرة، والعجيب أن كل فرقة عادت الأخرى، ولم تحاول مجرد الاقتراب منها.
وفى الداخل جلس الجد العجوز المتصابى بتلك التجاعيد التى جعلت وجهه أشبه بجذع شجرة عجوز، وأشار صفار أسنانه وتلك النظرة الماكرة فى عيونه الضيقة مع هذا الجاكيت الأخضر والبنطلون الأحمر ومعهما القميص الأصفر الذى تزينه رابطة عنق أرجوانية إلى مهنة الرجل السابقة كـ«قواد» محترف، يتحدث إلى أحفاده التسعة المختلفين دائما وأبدا بوصفه مرجعيتهم وجدهم.
لكنه كان يعرف جيدا أنهم لا يحترمونه، بحكم تلك المهنة التى مارسها منذ ظهوره للحياة عام 60، كان «التليفزيون الرسمى» يعلم أن أحفاده لن يتفقوا على شىء إلا احتقاره، لهذا استمر فى الحديث دون أن يسمعه أحد، فقط الكل متوجس من الآخر.
على الجانب الآخر على تلك الأريكة القديمة بجوار النافذة جلست «ريم» الحفيدة الأكبر سنا والتى يعرفونها باسم «دريم» بعد أن فاتها قطار الزواج، دون أن يشغلها الحوار الدائر بين إخوتها، فقط وأمام مرآة صغيرة أمسكتها بيدها اليسرى أضافت المزيد من مساحيق التجميل، كانت تتمنى من داخلها أن تهبها روحا تفقدها يوما بعد الآخر، وعلى أمل أن تنجح فى مسعاها لم تسمح ظروفها سوى بالمزيد من المساحيق.
بجوارها وعلى نفس الأريكة جلست أختها المطلقة «حورية» الشهيرة بـ«المحور»، تواصل دون توقف إحدى وصلات ندبها المعتادة فى كل اتجاه، تعلم أنها كأنثى لم تملك ما يميزها يوما، تمر فى حياة الآخرين دون أن تترك أثرا، يمرون عليها وكأنها أحيانا غير موجودة، تكتفى بما وصلت إليه، ولأنها لا تملك ما تعطيه، كانت ترى أنه كلما ارتفع صوتها فقد أثبتت وجودها.
وعلى المقعد المجاور جلس الأخ الجاد المشغول دائما «طارق»، المعروف باسم «On Tv»، يتحدث فى هاتفه المحمول، وهو يتابع حوار الآخرين، كان من داخله يطلق عليه حوار الطرشان، وكان يعلم بشبابه أنه مختلف عنهم وإن كان يسبق بعضهم سنا، كان يمقت ترفهم وابتذالهم وضحكاتهم، كان يتمنى أن يضحك يوما مثلهم، لكنه ككل المهمومين لا يجد وقتا إلا للعمل.
تحسس حافظ لحيته الطويلة عقب نهاية صلاته، وقبل أن يغادر سجادة الصلاة وبدلا من بدء التسبيح، اعتدل تجاه إخوته ليسبّ منهم من لا يعجبه، كان يعتبر نفسه المسلم الوحيد فى عائلة كافرة، لا تستحق وجوده، كان يتمنى ككل القنوات الدينية، أن يزول إخوته، لتربح تجارته أكثر فأكثر.
أما «سيد بك» المعروف بالـ«حياة» فلم يُضِع وقته فى هذا الحديث الدائر، أدار بعض صفقاته الاقتصادية عبر حاسبه المحمول، واطمأن لرصيده من البورصة، اشترى كل ما تم عرضه من أسهم بأسعار عجز إخوته عن مجاراتها، كان يدرك أنه الأغنى، الأكثر ثراء، وكان يبحث عن مجد مزعوم لن يصله أبدا، اكتفاؤه الدائم باستعراض ثرائه أفقده الطريق إلى قيادة الأسرة، كما أن أصوله المادية كانت مسارا لجدل طويل من العائلة والجيران. صرخ «تيفا» فانتبه الجميع، وظهر الصمت فى المنزل للحظات، نظروا جميعا خلالها لأخيهم المريض بالتخلف العقلى، صاحب القدرات العقلية المحدودة المعروف باسم «الفراعين»، كان يفعل هذا ليجذب انتباههم، وكانوا يدركون أن العائلة الكبرى تستدعيه كثيرا، إما لتسخر منه، أو يعتبره بسطاؤها «بركة» ككل «عبيط» فى ثقافات بلادنا.
ربت «سامح»، أو «سى بى سى» على ظهر أخيه المريض ليصمت، استجاب الأخ لآخر العنقود، ذلك الشاب الملىء بالحياة، والذى تغدق عليه الأموال من كل جانب، «دلوعة الأسرة» كما يقولون، الذى يرتدى أزهى الثياب، والذى لا يدخن سوى السجائر المستوردة، ويتابع عن كثب كل التطورات الغربية فى مجاله ويعيد طرحها لعائلته، كان يخطط فى داخله لقيادة تلك العائلة يوما، إلا أن صراعه مع أخيه «متولى» المعروف باسم «مصر 25» وكل من يتبعونه من العائلة الكبرى كان شغله الشاغل فى تلك المرحلة، كان يعلم أنه صراع سوف يفوز به أحدهما فى النهاية ليموت الآخر، وكان مستعدا لقتل أخيه.
وكان «متولى» أيضا يتمنى قتل أخيه الأصغر، ولأنه امتهن مهنة جده، وتعلمها منه درسا بعد درس، وأضاف إليها ما عجز جده عنه، حيث نجح فى إقناع من يتبعونه فى العائلة الكبرى أنه يمارس عملا شريفا، بقدراته الخاصة حول «القوادة» لعمل يفخر به، يعايره الآخرون لكنه أيضا يعايرهم، ويستعين بـ«حافظ» أحيانا ليجرسهم، لأن عائلتهم الكبرى كانت تعتبره شيخا لا يخطئ، وكان يؤمُّهم معه أحيانا أخرى، القواد يؤم العائلة فإلى أين تصل؟
تشابكت أصوات الجميع المرتفعة، وبدت صالة المنزل التى اجتمعوا فيها أشبه بميدان مزدحم، ينظم مروره الغضب، وتحدد قوانينه الضجة، يحاول كلا منهم أن يعلو بصوته فوق الآخر، فتتعثر الكلمات ولا تصل إلى مبتغاها، فقط يملأ الضجيج ساعات الإرسال، وقبل أن ينفضّ الجمع دون أن يستفيدوا من لقائهم، يقطع الضجة رنين متواصل لجرس باب المنزل، يتكاسل الكل عن فتح الباب، فيستمر الرنين دون هوادة، وعندما يفتح الجد الباب مستجيبا لكل منادٍ كما اعتاد دائما، يدخل «نواف الغامدى» المعروف باسم «الجزيرة» وعلى وجهه ابتسامة لزجة قائلا: اتمسوا بالخير، كيف حالكم، أنا بلشت تنظيم فى المنزل اليوم، لا تغيروه طال عمركم.
حتى العائلة الكبرى التى تنتمى إليها تلك العائلة التى تسكن المنزل، انقسمت حول سكانه فرقا وشيعا كثيرة، والعجيب أن كل فرقة عادت الأخرى، ولم تحاول مجرد الاقتراب منها.
وفى الداخل جلس الجد العجوز المتصابى بتلك التجاعيد التى جعلت وجهه أشبه بجذع شجرة عجوز، وأشار صفار أسنانه وتلك النظرة الماكرة فى عيونه الضيقة مع هذا الجاكيت الأخضر والبنطلون الأحمر ومعهما القميص الأصفر الذى تزينه رابطة عنق أرجوانية إلى مهنة الرجل السابقة كـ«قواد» محترف، يتحدث إلى أحفاده التسعة المختلفين دائما وأبدا بوصفه مرجعيتهم وجدهم.
لكنه كان يعرف جيدا أنهم لا يحترمونه، بحكم تلك المهنة التى مارسها منذ ظهوره للحياة عام 60، كان «التليفزيون الرسمى» يعلم أن أحفاده لن يتفقوا على شىء إلا احتقاره، لهذا استمر فى الحديث دون أن يسمعه أحد، فقط الكل متوجس من الآخر.
على الجانب الآخر على تلك الأريكة القديمة بجوار النافذة جلست «ريم» الحفيدة الأكبر سنا والتى يعرفونها باسم «دريم» بعد أن فاتها قطار الزواج، دون أن يشغلها الحوار الدائر بين إخوتها، فقط وأمام مرآة صغيرة أمسكتها بيدها اليسرى أضافت المزيد من مساحيق التجميل، كانت تتمنى من داخلها أن تهبها روحا تفقدها يوما بعد الآخر، وعلى أمل أن تنجح فى مسعاها لم تسمح ظروفها سوى بالمزيد من المساحيق.
بجوارها وعلى نفس الأريكة جلست أختها المطلقة «حورية» الشهيرة بـ«المحور»، تواصل دون توقف إحدى وصلات ندبها المعتادة فى كل اتجاه، تعلم أنها كأنثى لم تملك ما يميزها يوما، تمر فى حياة الآخرين دون أن تترك أثرا، يمرون عليها وكأنها أحيانا غير موجودة، تكتفى بما وصلت إليه، ولأنها لا تملك ما تعطيه، كانت ترى أنه كلما ارتفع صوتها فقد أثبتت وجودها.
وعلى المقعد المجاور جلس الأخ الجاد المشغول دائما «طارق»، المعروف باسم «On Tv»، يتحدث فى هاتفه المحمول، وهو يتابع حوار الآخرين، كان من داخله يطلق عليه حوار الطرشان، وكان يعلم بشبابه أنه مختلف عنهم وإن كان يسبق بعضهم سنا، كان يمقت ترفهم وابتذالهم وضحكاتهم، كان يتمنى أن يضحك يوما مثلهم، لكنه ككل المهمومين لا يجد وقتا إلا للعمل.
تحسس حافظ لحيته الطويلة عقب نهاية صلاته، وقبل أن يغادر سجادة الصلاة وبدلا من بدء التسبيح، اعتدل تجاه إخوته ليسبّ منهم من لا يعجبه، كان يعتبر نفسه المسلم الوحيد فى عائلة كافرة، لا تستحق وجوده، كان يتمنى ككل القنوات الدينية، أن يزول إخوته، لتربح تجارته أكثر فأكثر.
أما «سيد بك» المعروف بالـ«حياة» فلم يُضِع وقته فى هذا الحديث الدائر، أدار بعض صفقاته الاقتصادية عبر حاسبه المحمول، واطمأن لرصيده من البورصة، اشترى كل ما تم عرضه من أسهم بأسعار عجز إخوته عن مجاراتها، كان يدرك أنه الأغنى، الأكثر ثراء، وكان يبحث عن مجد مزعوم لن يصله أبدا، اكتفاؤه الدائم باستعراض ثرائه أفقده الطريق إلى قيادة الأسرة، كما أن أصوله المادية كانت مسارا لجدل طويل من العائلة والجيران. صرخ «تيفا» فانتبه الجميع، وظهر الصمت فى المنزل للحظات، نظروا جميعا خلالها لأخيهم المريض بالتخلف العقلى، صاحب القدرات العقلية المحدودة المعروف باسم «الفراعين»، كان يفعل هذا ليجذب انتباههم، وكانوا يدركون أن العائلة الكبرى تستدعيه كثيرا، إما لتسخر منه، أو يعتبره بسطاؤها «بركة» ككل «عبيط» فى ثقافات بلادنا.
ربت «سامح»، أو «سى بى سى» على ظهر أخيه المريض ليصمت، استجاب الأخ لآخر العنقود، ذلك الشاب الملىء بالحياة، والذى تغدق عليه الأموال من كل جانب، «دلوعة الأسرة» كما يقولون، الذى يرتدى أزهى الثياب، والذى لا يدخن سوى السجائر المستوردة، ويتابع عن كثب كل التطورات الغربية فى مجاله ويعيد طرحها لعائلته، كان يخطط فى داخله لقيادة تلك العائلة يوما، إلا أن صراعه مع أخيه «متولى» المعروف باسم «مصر 25» وكل من يتبعونه من العائلة الكبرى كان شغله الشاغل فى تلك المرحلة، كان يعلم أنه صراع سوف يفوز به أحدهما فى النهاية ليموت الآخر، وكان مستعدا لقتل أخيه.
وكان «متولى» أيضا يتمنى قتل أخيه الأصغر، ولأنه امتهن مهنة جده، وتعلمها منه درسا بعد درس، وأضاف إليها ما عجز جده عنه، حيث نجح فى إقناع من يتبعونه فى العائلة الكبرى أنه يمارس عملا شريفا، بقدراته الخاصة حول «القوادة» لعمل يفخر به، يعايره الآخرون لكنه أيضا يعايرهم، ويستعين بـ«حافظ» أحيانا ليجرسهم، لأن عائلتهم الكبرى كانت تعتبره شيخا لا يخطئ، وكان يؤمُّهم معه أحيانا أخرى، القواد يؤم العائلة فإلى أين تصل؟
تشابكت أصوات الجميع المرتفعة، وبدت صالة المنزل التى اجتمعوا فيها أشبه بميدان مزدحم، ينظم مروره الغضب، وتحدد قوانينه الضجة، يحاول كلا منهم أن يعلو بصوته فوق الآخر، فتتعثر الكلمات ولا تصل إلى مبتغاها، فقط يملأ الضجيج ساعات الإرسال، وقبل أن ينفضّ الجمع دون أن يستفيدوا من لقائهم، يقطع الضجة رنين متواصل لجرس باب المنزل، يتكاسل الكل عن فتح الباب، فيستمر الرنين دون هوادة، وعندما يفتح الجد الباب مستجيبا لكل منادٍ كما اعتاد دائما، يدخل «نواف الغامدى» المعروف باسم «الجزيرة» وعلى وجهه ابتسامة لزجة قائلا: اتمسوا بالخير، كيف حالكم، أنا بلشت تنظيم فى المنزل اليوم، لا تغيروه طال عمركم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق