30‏/11‏/2013

أرشيفي الفني .. كندة علوش.. مخلوقة من سحاب



خلق الله كندة علوش من السحاب، تشبه تماما تلك الندف البيضاء التى تمر فى السماء، فتمنع الحر وتهبنا المطر، وتشبه موهبتها تلك القدرة المدهشة على النماء التى يهبها المطر للأرض الخصبة.

ولأن لها نصيبا من اسمها، كانت كندة ذلك الحجر الثمين الذى خرج من رحم جبل الموهبة، وكانت متزنة مقفية مليئة بالمعانى كالشاعر الكندى «امرؤ القيس» حين قال: «إذا نَالَ مِنْها نَظَرَةً رِيعَ قَلْبُهُ كما ذرعت كأس الصبوح المخمر».

خرجت من الشام كما يخرج كل طيب، واستقرت بمصر كما يستقر كل جميل، بملامح وجهها الفينيقية، بتلك الجبهة المرمرية وزوج العيون السومرية، وذلك الأنف المصنوع على عجل للحضارة الكلدانية، والشفاه العربية الأصيلة، وتلك الموهبة التى صنعها «أبوللو» إله الفنون والموسيقى والشعر عند الإغريق.

أشرقت كندة فى سوريا وسطعت فى مصر، وما للشمس بعد الدفء سوى البقاء بالقرب من تلك الأرواح التى عشقت النهار، كما عشقت هى الحق والعدل والثورة.

وربما كانت ابنة سوريا المولودة فى دمشق المدينة العريقة التى استمدت منها روحها والتى درست الأدب الفرنسى ثم النقد فى المعهد العالى للفنون المسرحية فى دمشق لتعمل كمخرجة مساعدة قبل أن تمثل مع رشا شربتجى فى أول أعمالها مسلسل «أشواك ناعمة» لا تعلم أنها تعد نفسها جيدا لتكون فنانة حقيقية فى عالم يزخر بمدَّعى الفن.

ويبدو هذا واضحا للغاية فى إخراجها فيلما وثائقيا عن عمال بلادها فى لبنان تحت عنوان «فى مهب الريح»، لتعطى درسا لا ولم تقصده للفنانين العرب ليتحدوا مع مشكلات بلادهم، يصنعون فنا للترفيه والمتعة ويشاركون أيضا فى ما يصنع الأوطان، خصوصا عندما تمر تلك الأوطان بفترات تهدد وجودها وهويتها.

شاركت أيضا مع زوجها الكاتب فارس الذهبى فى تقديم الدعم للفنانين السوريين الشباب من خلال شركة إنتاج أنشآها معًا، كأنهما يعرفان أن للبريق واجبات قبل المميزات.

كندة علوش مثال حى للفنان الحقيقى الذى صنع فنا ويشارك فى صنع وطن، فى زمن صار الفنان فيه مجرد سلعة يتاجر بها منتج من خلال فن وضيع استهلاكى يضيع الهوية ويهبط بالذوق العام.

فنانة تستحق اللقب الذى لا يستحق الكثيرون حمله، تحمل على عاتقها بصحبة رفيق رحلتها همَّ وطن وهدف حقيقى بتحقيق الذات، يحمل فى طياته كل تلك المعانى التى ننتظرها من فنانينا حين كانوا يشاركون فى صنع الوطن.

ليست هناك تعليقات: