30‏/11‏/2013

أرشيفي الصحفي .. الفن...هبة الله للإنسان

خلق الله الملائكة كائنات نورانية، مُكلفة بالعبادة وتنفيذ ما أمرها الله به، وخلق الحيوانات كائنات غير عاقلة تسعى في الأرض باحثة عن رزقها، وما بين الملاك والحيوان خلق الرب الإنسان ليعبده ويسعى في الأرض، مُكلفًا وحُرًا، ووضع فيه «المبدع الأعظم» لمسته الإبداعية ليميزه عن كل المخلوقات، كما قال تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.

كانت قدرة الإنسان على الإبداع حدًا فاصلًا بينه وبين غيره من المخلوقات، ترك فيه الخالق بضعًا من روحه عبر تلك النفخة التي نفخها في آدم، وما تميز آدم عن الملائكة وأُمروا بالسجود له إلا بتلك الخاصية {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء}.

علّم الله الإنسان بذاته الإلهية، والعلم إبداع ثم أورثه الأرض من بعد ذلك.

*****

ومع تطور الحياة على الأرض، كان الفن ابنًا شرعيًا للإبداع، ذلك النتاج المبهر للإنسانية منذ قرر أحدهم يومًا ما أن يرسم ما رآه على جدران أحد الكهوف.

ربما لا نعلم ما تلى هذا من أحداث، لكننا متأكدون أن حينها خلق الله الدهشة ونظرة الانبهار في عيون البشر، حين رأوا رفيقهم ابن آدم يُخرج بعضًا من روح الله على هيئة فن.

ومع تطور الحياة البشرية عبر آلاف السنين، علّمت الطبيعة الإنسان الموسيقى، فتفوق عليها وأبدع عبر آلاته الخاصة موسيقاه العظيمة، ومن فن إلى آخر، ارتقت روح الإنسان وسمت وتعالت، وكأن الإبداع يقربه من السماء موطنه الأصلي بعيدًا عن الأرض.

الفن يعيد للإنسان إنسانيته ويبعده عن مجرد البشرية التي تنتمي طبقًا للتسلسل الطبيعي للحيوانية.

مواطن الأرض لا يعرف التحليق مثل الملائكة إلا عندما يُبدع.

*****

ومع ظهور الفن السابع في نهاية القرن التاسع عشر، كانت عجلة التطور قد بلغت أقصى سرعة لها، فصنع الإنسان في آخر مائة عام ما لم يصنعه منذ بدء الخليقة، وصنع في آخر عشر سنوات ما لم يصنعه في المائة عام، تخطى الإبداع الحدود.

ولأن البعض في أوروبا قرر هجران كنيسته واللجوء للفن، حمل الفن على أكتافه ما لم يخلق له، تحول الفن لدى البعض إلى دين، ومن ثم تحمل جميع تبعات القبح الذي يحمله المتشددون في كل دين لدينهم، وظهر الفن منهارًا من خلال مجموعات غرائبية في الفنون من الرسم التشكيلي إلى الموسيقى إلى السينما وما إلى ذلك.

بينما دخلت الفنون في منطقتنا العربية نفقًا مظلمًا عبر مجموعة أخرى من المتشددين دينيًا الذين رأوا الإبداع حراماً، خاصة وهم يُحرّمون التفكير.

حرّموا ما أباح الله، خاصموا موسيقى الطبيعة، كرهوا ألوانها، وتبعهم البعض، متغافلين عن عمد فريضة إعمال العقل، تلك الفريضة الغائبة وأن الفن يسمو بالأرواح.

ولأن الفن مرآة لعصره، ولأننا نحيا عصورًا ظلامية جديدة رغم التطور الهائل، كان طبيعيًا أن يشبه الفن مجتمعه ويعبر عنه.

لا شك أن الفن هو لمسة وهبة إلهية لبني الإنسان، يفقد بدونها إنسانيته رويدًا رويدًا، وأنه لا تعريف محدد لقيمته كفن هابط أو راقٍ، فقط تتفاوت نعمة الدهشة من إنسان لآخر، فالله سبحانه وتعالى  يرزق من يشاء بغير حساب، والتذوق الفني رزق قسّم فيه الله الناس درجات.

الفنون ارتقاء للمجتمع والذي يقضي على الكثير من المشكلات التي لا تواجهها المجتمعات الراقية بفعل التحضر.

ليست هناك تعليقات: