14‏/01‏/2013

أرشيفي السينمائي : فيلم Cloud Atlas ... السينما المعلم والأستاذ

الأفلام العظيمة - عبارة تضايق بعض صناع السينما - عبارة عن نوعين، نوع يطرح الأسئلة دون أن يعطي إجابات، والأخر يطرح الأسئلة ويضع اجابات متعددة لها خلال السياق بمستويات تلقي مختلفة.
وينتمي فيلم Cloud Atlas، لهذه النوعية الثانية، ذلك الفيلم المأخوذ عن رواية بريطانية صدرت عام 2004، مكونة من 6 قصص مختلفة في أزمان متعددة يربطها رابط ما، مما يوحي ببذل جهد كبير لتوضيح هذا الرابط وشرحه للمتفرج من خلال إجابات على الأسئلة الوجودية التي يطرحها الفيلم حول استقلالية حياة الإنسان عما سبقه أو تلاه، وارتباطه بها، مما يوحي للمشاهد أننا أمام فيلم معقد، يصعب فهمه، وهو ما أوحت به المشاهد الأولى بتقطيعاتها المونتاجية السريعة قبل تتر الفيلم.
لكن وما أن تبدأ القصص في التشابك خلال العرض، حتى تتسرب الإجابات بسهولة مدهشة، فيختفي ارتباك عدم الفهم، وتتفرغ لمشاهدة قصة تلك السفينة التي تبحر في الأطلنطي وعلى متنها الطبيب الشرير والعبد الطيب خلال القرن الـ19،وكذلك قصة الحب الشاذ بين موسيقار وعالم في بداية القرن العشرين، ثم قصة الصحفية التي تحارب الفساد في سبعينيات القرن الماضي، والناشر العجوز عام 2012، وجيش التحرير قي كوريا خلال القرن القادم، وقصة ما بعد انتهاء الحضارة.
ملحوظة : عفوا عزيزي القاريء إن كنت لا تحب افلام الخيال العلمي، أثق أنك ستحب هذا الفيلم، ثق في، لا بل ثق فيه، في الفيلم ذاته.
*****
قام بإخراج الفيلم كلاً من الأخوين ويتشاوسكي وتوم تايكوير، وأشهر أفلامهم هو سلسلة "ماتريكس" وفيلم "في فور فانديتا"، والحديث عن الإخراج هنا يشدنا إلى نقطة في منتهى العبقرية تميز بها الفيلم ذو القصص الست المتشابكة، وهي حرص المخرجين على اختلال سرعة إيقاع الفيلم حسب المرحلة الزمنية للحدث حيث تميزت قصة القرن التاسع عشر ببطء شديد، تماما كقصة انهيار الحضارة، بينما كانت قصة القرن الثاني والعشرين هي الأسرع إيقاعاً، مما يخلف إحساس هائل بالزمن لدى المشاهد.
كذلك التنوع الأدائي المدهش للممثلين بين القصص المختلفة، يظهر جهد مبذول لأخصائي "الكاستنج" وعمل طويل للمخرجين، حيث عمل أغلب الممثلين في أكثر من قصة بتغير الشكل والشخصية حسب المرحلة الزمنية فأبدع توم هانكس في شخصية زاكري بعد انهيار الحضارة، وتألقت هالي بيري في دورالصحفية في حقبة السبعينات، بينما قدم جيم برودبينت دورًا كوميديًا بديعا في شخصية الناشر العجوز، وكذلك أداء جيم ستورجيس و دونا باي في شخصيتي هاي جو تشانج و سونامي في القرن الثاني والعشرين.
******
المدهش في هذا الفيلم الرائع هو اختلاف نوعية القصص دون أن يحدث هذا خللاً في بنية الفيلم الدرامية ككل، ما بين دراما القرن التاسع عشر، ورومانسية بداية العشرين، وتويق السبعينيات، وكوميدية هذا العام، وحركة وعنف القرن القادم، وملحمية نهاية الحضارة، لكن الأكثر ابهاراً هي تلك الرابطة البسيطة بين كل قصص الفيلم عبر مذكرات شاب وحتى سيمفونية "سحاب أطلس" مروراً بفناء الحضارة.
قدم الفيلم فكرته الفلسفية في إطار شديد التشويق، لتجعل منه أحد أعظم افلام 2012 التي لا يتوقع لها أن تفوز بأي جوائز - كما حدث بالفعل - وتم استبعاد الفيلم من كل الترشيحات، على الرغم من أن أضعف الإيمان يعطي الفيلم جائزة أوسكار أحسن مونتاج، لكن كما اتفقنا من قبل، المجد للسينما والعار لكل مانحي الجوائز.

ليست هناك تعليقات: