انتهز الشاب انشغال والده بسماع خطاب الرئيس المنتخب في مستهل دورته الثانية في التلفاز، وغادر المنزل على أطراف اصابعه حاملاً كل ما وجده من "عنب" في مطبخ المنزل، متجهاً إلى ذلك القصر القديم على حافة البلدة وشمس النهار تودع اليوم في خجل شتوي مبكر.
ومع نهاية الطريق الأسفلتي الذي احتلت جانبيه قصور وفيلات أعيان تلك البلدة الريفية التي أشتهرت بسيطرة الجماعة الحاكمة عليها، انتقل الشاب إلى الممر الترابي المفضي إلى القصر القديم.
تلفت حوله في خجل وقلق، ليتأكد أن أحداً لا يراه، ثم اسرع الخطى سعيداً بانشغال الجميع بمتابعة خطاب ابن الجماعة ذاتها، استعدادا للإحتفال بنصر الصناديق الدائم.
عبر حطام ذلك السور الأسمنتي القبيح الذي حاول كبار البلدة إقامته حول القصر القديم المهجور للقضاء على ما أسموه لعنته، لكنه انهار بعد الانتهاء منه بليلة واحدة، وبعد أن أعادوا بنائه انهار في ذات الليلة، فيأسوا وانصرفوا محذرين أهل البلدة من الاقتراب من هذا القصر الملعون، حتى لا يسخطهم الله قردة وخنازير.
وصل إلى بوابته الحديدة المفتوحة في إهمال إبتسامة كسولة، عبرها وعبر حديقة القصر المهملة في قفزات سريعة بفعل ضجيج دقات قلبه التي ارتفعت بفعل الخوف، ليضع العنب على الدرجة الأولى من سلم المدخل، ويولي الأدبار مسرعا.
وعلى إحدى القطع الأسمنتية المتبقية في السور المتهدم جلس الشاب ليخرج سيجارته الأولى هذا اليوم من داخل تلك العلبة التي أخفاها بعناية في أسفل شرابه داخل الحذاء، أعاد تعديل شكل السيجارة التي ضغطت بفعل السير عليها، ثم أدار وجهه عن بيوت البلدة وأشعل سيجارته متلذذا بذلك النفس الأول الذي يملأ صدره.
يعرف أن الاسطورة بدأت منذ أعوام قليلة، عندما نسى أحد فلاحي القرية بعض البلح على مدخل القصر فتحول إلى عرق من نوع فاخر، وأن الكثيرين من أهل القرية جربوا في البداية ذلك الموضوع، ليكتشفوا تحول ما يضعونه من ثمار إلى أجود أنواع الخمور.ط
تذكر وهو يسحب نفساً جديداً من سيجارته كيف انتشر الخبر واستبد الغضب بشيوخ البلدة، وسادتها، وكيف هاجمت الشرطة القصر لكشف تفاصيل تلك المؤامرة على الدين كما قال الشيخ في أحد خطب الجمعة بالمسجد الجامع، وكيف لم يجدوا بداخل القصر إلا خراباً.
وكيف حرص الجميع على كتم الخبر عن الصحف والإعلام وكذلك البلدات المجاورة، بل وحاولوا إقامة هذا السور الأسمنتي البائس.
أنهى الشاب سيجارته مبتسماً وممتنا لتلك المنحة الخاصة بقريته التي اعتبرها كبار القرية لعنة خاصة بالقصر لا البلدة، وأعتبرها بعض شباب القرية فرصة ومنحة بعد منع صناعة وتجارة الخمور في البلاد، بينما أكتفى البسطاء بتداول اسطورة أن القصر مسكون كما سمعوها من شيوخهم دون محاولة التجربة أو الاقتراب منه.
عاد الشاب إلى المكان الذي وضع فيه العنب ليجد زجاجة من النبيذ الأبيض في نفس المكان، رفع يده بالتحية للمجهول، وحمل الزجاجة وجرى مغادراً القصر، والليل يحاول فرض حصاره الأعمى على البلدة مستعينا بالظلام الحالك.
وداخل منزل صديقه أحتسى الشابان زجاجة النبيذ ودخنا سجائرهما محاولين البحث عبر كل محركات البحث على الإنترنت على الاصل التاريخي لذلك القصر العجيب.
وانتهى البحث بكلمات مبهمة غير موثقة مثل ..جبهة..إئتلاف...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق