14‏/07‏/2010

إلـى علـــى


لكل عائلة ما يميزها , وفى عائلتنا نتوارث جيلا بعد جيل تقديس ابائنا حتى الالوهية , وكشرقيين نخاف الاله كثيرا ونحترمه ونهبه الجلال اللازم لاستكمال الهيئة الالوهية , ثم نهرع لأحضان الامهات فى حالة عشق اسطورية .
لذلك قررت وكأله أن اشاطرك بعضا من نفسى كل عام , لتعرف ان اباك مجرد انسان , الاسود فيه كالابيض ان لم يكن اكثر , انكساراته بعضا من ملامحه , وأخطائه لون بشرته , وبأنه بلا هالة أو قداسه , فقط هو منذ البدء وحتى الأن يحاول فقط يحاول .
لذلك كان البدء فى تلك العائلة المكونة من مدرس الجامعة العائد لتوه من بعثته فى الاتحاد السوفيتى , مليئا بالحنق والغضب تماما ككل العائدين , و زوجته - أمى- ابنة القرية التى زرعها زوجها فى القاهرة فأثمرت ومدت جذرها فى الارض حتى طاول حنانها السماء , تركها مع ثمراتها الأربعة ثم عاد ليجدها اشد قوة وأكثر تحملا لغربتها الخاصة وأوفر ظلا .
استعد الجميع لمغادرة المنزل القديم فى شبرا والانتقال لاخر بجوار الجامعة التى يدرس بها الاب , وبذرتى انا - أباك- تنبت فى هدوء داخل رحم الأم الطيبة , الاب العائد غاضب من تلك البذرة , لا يتمناها ويطالب باجهاضها , والزوجة الام كعادتها تنفذ اوامره دون نقاش , مستغلة ترتيبات الانتقال حتى تساعدها على ذلك , الصغار الاربعة أمل , أحمد , أمانى وايناس لاهون عن كل هذا بأجازة صيف جديد .
- كان أبوك عنيدا حتى الكفر
ستسمع تلك العبارة كثيرا فابتسم عندما تسمعها , لأن عند ابيك جعله يستمر داخل الرحم , رافضا الاجهاض , متمسكا بالحياة , ولولا رحمة ربك ما كان ولا كنت .
وأخيرا فى ذلك الشتاء السعيد , والكل مشغول بمتابعة أخبار حرب اكتوبر فى سيناء , وتتبع أخبار المفاوضات , العائلة مشغولة باستقبال ضيفها الجديد , الاطفال ينتظرون امام شاشة التلفاز بصحبة شادية وشكرى سرحان فى فيلم السهرة مساء الاربعاء , والكل يترقب صرخة تعلن الميلاد .
ضئيلا أتيت الحياة , صامتا - كعادتى دائما فى البدايات- ثم صارخا ومرحبا بتلك الحياة التى عشقتها طيلة عمرى بعد ذلك.
وما بين سعادة واخرى واختلاف على تسمية الصغير , وما بين "ابراهيم" كما يريد الصغار كنت " اسامة" كما اراد الاب , الذى نسى فى لحظات كل ما كان وسكن الصغير الذى يمتص ملابسه فى جوع قلب الاب .
شعور مختلف ان يكون الفارق بينك وبين أخوتك كبيرا , لانى وجدت نفسى محاطا بوالدين واربعة امهات , , خاصة عندما سافر الاب من جديد بحث عن رزقه فى الخليج تاركا الصغير بسنواته الثلاث يتحسس طريقه فى معرفة اساسيات الدنيا التى تتعلمها انت الان
وفى حمى سور الغربة البارد , وبين جدران المنزل , فى صحبة كل هؤلاء الاباء والامهات تكونت شخصية الصغير
,,,, أطلت عليك هذا العام وانت لم تحسن القراءة بعد
اعدك فى العام القادم عندما تحسن الكلام - ان كان فى العمر بقية - أن أكمل لك
حب ابيك وكل كيانه

12 ديسمبر 2009

ليست هناك تعليقات: