14‏/02‏/2013

أرشيفي السينمائي : ''أحلى الأوقات''.... اسم على مسمى

فيلم أحلى الأوقات فيلم مختلف، يبقى في الذاكرة بعد مشاهدته مرتبطاً بابتسامة على الوجه وذكرى تشبه دائماً أحلى الأوقات في حياة أي إنسان.
يعتمد الفيلم على بعدين .. بعد زماني - عبر الحنين لاصدقاء الطفولة وذكرياتهم - وآخر مكاني - عبر الحنين للحي الشعبي القديم -، يمكن تتبع تأثيرهما في سياق الفيلم على الشخصيات الرئيسة فيه، فالفتيات الثلاث سلمى " حنان ترك " و يسرية " هند صبري " و ضحى " منة شلبي " تربطهن علاقة صداقة منذ أيام الدراسة المبكرة، ثم تفرقن كالعادة عند مغادرة المدرسة، غير أن  الصداقة المنتهية بفعل الإنغماس الحياتي سرعان ماتتجدد . فعندما تموت والدة سلمى " مها أبو عوف " ميتة عبثية في حي المعادي الراقي، تكتشف سلمى " حنان ترك " وحدتها القاسية وكذلك تخيفها أحيانا وتقلقها أحيانا أخرى الرسائل المنيرية مجهولة المصدر، بل أنها تشعر بالغربة وهي تعيش إلى جانب زوج أمها"سامي العدل". بالاضافة إلى انها كائن إنطوائي في الاصل وتحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن الآخرين.
حتى يثير صوت محمد منير فيها الحنين للماضي - الزماني - وكذلك احدى الصور المرسلة لها ضمن الرسائل المجهولة والتي تضمها بجوار رفيقتي طفولتها، فينضم البعد المكاني من خلال عودتها إلى شبرا، الحي الشعبي الذي عاشت فيه سنوات طوال، بحيث أصبحت هذه الذكريات هي " أحلى أوقاتها " فعلاً، لذلك فهي تشعر بالـ"ونس"في هذا المكان الشعبي، في صحبة أصدقاء الطفولة.

اعتمد السيناريو كذلك على تلك الرسائل المجهولة لصناعة الحدث الرئيسي داخل سياق الفيلم، فالرسائل غير الموقعة كانت تصل من شخص مجهول،
لكنه يعلم بكل شيء، بدليل أنه يقدّم لسلمى صوراً وألبومات غنائية قريبة من قلبها، وذكريات تثير حنينها لفترة الطفولة في حي شبرا، الأمر الذي ينبهها
إلى وحدتها الشديدة في حي المعادي ، كما تكتشف أنها لا تعرف زوج أمها على الرغم من أنها عاشت معه قرابة 15 سنة في منزل واحد.

تعود سلمى لشبرا لتلتقي بصديقتها ضحى " منة شلبي " التي  إرتبطت بجارها و زميلها في العمل والذي تؤجل الظروف الإجتماعية زواجهما - في عرض عميق للازمة الاقتصادية التي يعيشها الشباب دون الغوص في تفاصيل تفسد "أحلى الأوقات - ، ويسرية الزوجة والأم التي فقدت أنوثتها نتيجة الانشغال بالحياة والاستعداد لاستقبال طفل جديد بحَملها الجديد - حالها حال ألاف الزوجات اللواتي يشعرن بنفس الشعور في اشارة الى الأزمة الاجتماعية -.

الفيلم يناقش قضية انثوية انسانية، وهو أحد الأفلام القليلة الذي يناقش قضية أنثوية بعيدا عن الجنس والعنف وهذا وحده كان كفيلا بتواجده ضمن الـ10
أفلام الأفضل في الألفية الجديدة.
ولا يعيب فيلم "أحلى الأوقات " سوى بطء إيقاع الدقائق الخمس عشرة الأولى بسبب عدم وجود حدث معين. وهذا خطأ مونتاج في الاساس.
بقي أو نشير إلى نقطة شديدة الأهمية مرتبطة ببنية القصة نفسها، وهي أن الفيلم مبني على سوء الفهم، فأغلب الشخصيات تفهم بعضها البعض خطأً،
فسلمى بطلة الفيلم تفهم زوج الأم خطأً. والمدرس يعتقد أن  سلمى  تركت حي المعادي وجاءت إليه من أجل أن تستعيده فيعتذر لها بطريقة غريبة توحي
وكأنها عادت، كما تعتقد سلمى أن هناك علاقة عاطفية ما بين الجار الشاب وبين أمها عندما يخبرها بأن الباروكة والروج يعودان لأمها. هذه البناء الدرامي القائم على المفارقة وسوء الفهم أثرى الفيلم، وأضاف إلى شخصياته وطريقة تفكيرها.

وقد نجحت المخرجة هالة خليل - في أول أفلامها الطويلة - فعلا في إقتناص اللحظات الجميلة من الماضي  مثل مشاركة الأطفال في لعب كرة القدم في أثناء عبور الطريق، أو الرقص على أنغام أغنية لمحمد منير، أو لقاء الصديقات الثلاث لتناول " الكشري "، بالاضافة الى تفجيرها كل الطاقات الفنية لأبطالها ليقدم كلا منهم دورا رائعا يبقى في رصيده الفني، وكذلك ملامح صورتها ومشاهدها التي توصل للمشاهد الإحساس بأحلى الأوقات.
وكذلك أبدعت وسام سليمان كاتبة السيناريو والحوار إذ قدمت حوار متميز للغاية يتناسب مع كل شخصية من شخصيات الفيلم التي كانت تتحدث  بطبيعتها وكأنها ليست على شاشة سينما فأعطت المشاهد بعدا حميميا.

حنان ترك تتألق في أداء الشخصية الانطوائية المترددة، الخائفة أحيانا، وتتألق بشدة متجاوبة مع الأداء الرائع لكل أبطال الفيلم،  المبدعة هند صبري التي
تتحدث اللهجة المصرية بإتقان ملفت للإنتباه وكأنها بنت من حارة شعبية بخفة دم طبيعية غير مصطنعة، و"جدعنة" حقيقية تجعل المشاهد يندمج ويتعاطف
معها منذ اللحظة الأولي - اعتبر استخدامي للفظ الجدعنة في وصف أداء تمثيلي مشيناً ولكنه حقيقة ما شعرت به -  كما أدت منة شلبي دورها ببراعة شديدة تؤكد موهبتها العالية. بالإضافة إلى موهبة خالد صالح التي لا تحتاج إلى مساحة درامية أو دور طويل لتدهش المشاهد. وكذلك موهبة عمرو واكد
التي تطل من خلال المشاهد القليلة التي يظهر فيها.

ليست هناك تعليقات: