ابتسم رغماً عنه عندما رأى صورتها معلقة على الحائط، صورة ورقية قديمة ترك عليها الزمان أثاره، صبغها باللون الاصفر وغابت ألوانها اعتراضاً على طغيانه الكريه، لكن كل هذا عجز عن منع تلك الملامح الجميلة لصاحبتها...أدرك الاسم منذ وقعت عيناه على الصورة.
ردده محتفظاً بنفس الابتسامة :
- سعاد حسني..حب المراهقة وما تلاها
اجتاحته ذكريات عديدة، درك للتو أنها لما تكن مجرد ممثلة فتنته وشغلت مراهقته بجمالها العبقري، بل صديقة خاصة في صداقة نادرة من نوعها، صداقة من طرف واحد أقتصر دور الطرف الثاني على الفتنة والبهجة وتلك الرسائل التي لم تنقطع يوماً عبر شاشة التليفزيون، عبر افلامها.
حفظ أفلامها منذ نبت شاربه، تابعها ومارس عادته السرية للمرة الأولى على مشهد من فيلم "خللي بالك من زوزو"، وظل يعجز عن كتم ضحكته كلما رأى المشهد بعد ذلك، بدت فاتنة في بدلة الرقص، عجز عن كبح جماح رغبته الوليدة، فار كالتنور، فبقيت ذكرى لا تنسى، لم يعتبرها رسالة ولم تكن، فقط كان بداية الارتباط.
أدرك بعدها أن حبه ليس لجسدها الفائر ودلالها العفوي، بل لروحها التي تملأ الشاشة فتفيض على المشاهدين، وعندها بدأت الرسائل التي لم تنقطع ابداً.
حين كان يجري بحثه الأخير لكتابة روايته عن العسكر، وانشغاله بفكرة كتابة التاريخ الشخصي لأحد كبار القوات المسلحة ودوره السري في حرب افغانستان، وقعت بين يديه نسخة لفيلمها النادر "أفغانستان لماذا؟"، كتب بعدها السيرة دون تردد
حتى في مراهقته يوم اختلف مع أحد اصدقائه على حب فتاة ما، ومابين غضب الرجولة المصطنع، واستخسار الفتاة في الآخر حتى لو كان صديقه، شاهد فيلم "الثلاثة يحبونها" على القناة الثانية عقب صلاة الجمعة ظهر أحد الأيام الشتوية في الثمانينيات، قبل أن يراه بعدها بيومين على جهاز فيديو ابن عمه في سهرة عائلية، فترك الفتاة منفذا رغبة سعاد.
وعندما احتار عند التقديم للكلية الحربية، وشاهد "فيلم للرجال فقط" وأدرك أنه في سبيل الشهادة التي يحلم بها عليه أن يتحمل ما لا يطيق من أجل حلمه، وانتهت الحيرة، حتى عندما غضب ولم يطق الحياة العسكرية، كانت تأتيه في فيلم "أميرة حب أنا" لتغني "بمبي" فتهبه الطاقة والبهجة اللازمة لاستكمال الطريق.
تذكر ايضاً تلك المرة التي كاد يقدم فيها على تنازل من أجل ميزة عسكرية، وعلى الغداء في "ميس" الضباط وقبل أن يبلغ قائده بالموافقة كانت حاضرة لفيلم "القاهرة 30".
وحين قرر أن يترك الحياة العسكرية، بحثاً عن نفسه، كانت حاضرة بفيلم "المشبوه" شاهده مصادفة ثلاث مرات في أسبوع واحد، وقرر البدء من جديد.
عشرات الرسائل لم تتوقف سعاد حسني عن إرسالها له واستقبلها كلها ولم يخب ظنه.
علق صورتها تلك منذ بلغ الثامنة عشر، وعجزت غيرة زوجته عن منعه من تعليق أخرى في غرفة نومهما في منزله الجديد الذي لا يعرف مكانه الآن، لكنه يعرف أنه يحوي صورة سعاد حسني.
غادر الغرفة مسرعاً ليفتح التليفزيون، ويدوس أزرار "الريموت كونترول" بحثاً عن فيلم تعرضه إحدى الفضائيات لها، وقبل أن ييأس بعد مرور نصف ساعة كان على موعد مع فيلم "الحب في الزنزانة" في نصفه الثاني..لم تصله الرسالة تلك المرة...لكنه شاهده حتى غلبه النوم :
وخلال نومه لم يشاهد في أحلامه غير سعاد حسني حاملة منديلها الأخضر خلف القضبان تشير إلى حبيبها حتى يتعرفها.
هناك تعليق واحد:
مقطع اكتر من رائع.. وكلام خفيف خفة روح سعاد حسني وهي بتدخل قلبك في هدوووووء من غير ما تحس..كلامك برضو دخل القلب بسلاسة وهدووووء من غير ما احس:)
إرسال تعليق