لا أعرف بالتحديد هل أنا نائم، أم انني استيقظت، ولا يهمني التحقق من حالتي، بالعكس قد يكون النوم أفضل بالنسبة لي، ففيه أرى ، وأحياناً أتذكر.
صوت عقرب الثواني اللعين في ساعة الحائط يطاردني بـ"تكاته" المستفزة، أعد معه دون وعي متأملاً زمن الدقيقة الواحدة، يذهلني طولها الزمني حتى وصلت إلى رقم 60، يوجعني طول عمر الدقيقة الواحدة، خاصة وأنا قد أضعت أعواماً لا أتذكرها ولا أتذكر كم تكون.
أتجاوز ألم ذكرى الزوجة المجهولة، وأنهض من مكان سقطتي على الأرض، وأنا أستشعر ألماً في مقدمة جبهتي، يبدو أن منضدة قد تكفلت به، أتحسس مكانه بيدي، فيلتقيني بروز في يسار الجبهة.
أتجه للحمام، لأضع رأسي أسفل صنبور الماء البارد، متعمداً غمر الكدمة في الماء، حتى تتوقف عن إيلامي، فما لها من مكان، في ظل كل ما يحاصرني.
من المؤسف أن يحاول الجسد أن يشغلك، وأنت تبحث عن روحك.
تتأمر معدتي أيضاً مع تلك الكدمة البارزة في جبهتي، فأشعر بدبيب النمل يسري في بطني، ومعدتي تتلوي في نداء شهواني للطعام، يغيظني للغاية أن شهواتي لم تفقد ذاكرتها هي الأخرى، وحواسي كلها عدا عيناي تعمل بكامل طاقتها وكأن صاحبها شخص سليم، أو حتى يعرف نفسه.
أتحسس طريقي إلى المطبخ، معتمداً على ذاكرة قدماي، وأفتح ثلاجاتي لأتناول منها بعد العلب البلاستيكية لابحث في داخلها عما يسد جوعي.
لا يهمني كثيراً نوعية الطعام داخل العلب، وان أزعجتني رائحته، وكأنني في قرارة عقلي قد قررت إيذاء معدتي بتناول طعام فاسد، إنتقاما من ذاكرتها الحية.
*****
أفشل للمرة الرابعة في ربط حذائي، تحتل وجهي تلك التكشيرة المميزة التي تلتوي فيها الشفة السفلي لتنقلب على الشفة العليا وتغادر مكانها، تقترب والدتي وهي تحمل "صينية" مستديرة عليها كوباً من اللبن و"ورك" فرخة، وكوب زبادي ونصف رغيف من الخبز مع حبة من الطماطم ومثلها من الخيار.
تشير إلى أن أنتظر ريثما تضع الإفطار لأبي وتعود لربط حذائي، أتأمل كوب البرتقال الذي يقبع أمامي في غيظ، تثير ملامسته في القشعريرة، برودته تزيد عن برودة الجو في هذا التوقيت من يناير، تقترب أمي وتنحني لتربط حذائي صارخة بحزم :
- نديم اشرب البرتقان بسرعة
اكتفي بهمهمة مجهولة، أعترض فيها وأبدي تزمري من ذلك الكوب المثلج، عديم الإحساس.
فتكتفي أمي بتوبيخي قائلة :
- يعني مش كفاية وصلنا رابعة ابتدائي وكمان مش بنعرف نربط الجزمة، لا كمان رجعنا نعمل على نفسنا تاني واحنا نايمين.
أصرخ معترضاً وكاذباُ في آن واحد
- مش أنا يا ماما دي أكيد إيمان
تعلو ضحكة أمي وهي تربت على ظهري ويتحول ذلك الضوء الشاحب في صالة البيت إلى ضياء بفعل وجهها الذي أنار وهي تقول
- إيمان أختك يا مفتري أكبر منك بـ 6 سنين، وبعدين دي بتبات في أوضة تانية أصلا، حتعمل على سريرك إزاي؟
*****
تنتابني رجفة ورائحة عصير البرتقال المنبعث من داخل الثلاجة تزكم أنفي، وأردد في هدوء
- إيمان عبد الرحمن جودت، أنا عندي أخت
هناك تعليق واحد:
انتظر بشوق هذه الرواية سيدي الفاضل...
أسرتني من أول فصل .
إرسال تعليق