أخرج صراخ الطفل الشيخ من تأملاته، وأسرع ناحيته متحملاً على الرغم من سنوات عمره الكثيرة اداء دور الاب الذي غاب، والذي لا يطيقه سنه خاصة مع هذا الطفل اليتيم الذي لا يلاعب حتى اقرانه في حارات القرية ويكتفي بالانزواء على "مصطبة" الدار وحيداً مستوحشاً.
*****
وفي صباح أحد تلك الايام الصيفية الرطبة، حين يكسو القرية ضجيج دورانها اليومي، اصطحب الجد حفيده الى "كتاب" القرية، حالماً بأن يزيد هذا التعليم من اندماج الفتى مع اقرانه، إلا أن الايام زادت في انعزال الفتي الذي حفظ القرآن كاملاً في 4 سنوات، لينبهر الجد بحفيده وينسى رغما عنه أنه طفلا لم يمارس طفولته يوما.
وتسحب الأيام بعضها بعضاَ ليقوم امام كتابه بتحفيظه متن أبى شجاع فى الفقة الشافعى و بعض متون العقيدة، ويساهم جده من خلال مكتبة مسجد القرية بتحفيظه كتاب رياض الصالحين.
ويلزم الطفل الذي بلغ 13 عاما منبر المسجد في قريته ليخطب الجمعة كل اسبوع، اعتمد خلالها على قدرته الفائقة في الحفظ مما اثار اعجاب الكبارن الذين ملوا ذلك الشيخ ذو الورقة المكتوبة والذي يعيد الخطبة ذاتها عدة مرات خلال الشهر الواحد، وتواصل الايام مرورها وينتقل الطفل الى مرحلة الشباب ويجتاز سنواته الجامعية في يسر ليتخرج من كلية الاعلام.
وتبقى أمنية جده الذي رحل منذ سنوات في أن يصير الحفيد شيخاً، وتبقى نظرة الانبهار في عيون مستمعي خبته تثير لديه شغفا، خاصة بعد أن أجبرت مكانته الدينية في القرية كبارها على أن يعاملوه بطريقة مختلفة عما كان جده يعامل، حيث يعتبر أعيان القرية وصفوتها رجل العالم على نفس المقدرة بغض النظر عن بساطة حاله، أو وا يملكه من الأرض، فيقرر الحفيد الالتحاق بمعهد الدراسات الاسلامية .
الا أن الظروف لا تمهله لينال شهادة دينية تدعمه في تحقيق حلمه ليصير شيخا جليلا، حيث يتم استدعائه للخدمة العسكرية في منتصف الثمانينيات، فيقوم خلالها باداء نفس الدور الذي اداه من قبل في قريته، لتنتهي الخدمة ويبقى هو في نفس المدينة ، مدينة السويس خطيباً لاحد جوامعها.
******
حتى مساء ذلك اليوم الذي أنهى فيه الشيخ الصغير صلاة العشاء في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وهو يستعد للعودة الى تلك الغرفة الصغيرة التي يسكنها خلف المسجد، معتمدا على ذلك الراتب القليل الذي يتلقاه نظير امامته للمسجد في تصريف شئون حياته البسيطة، ليجد من يطلب منه البقاء في المسجد، وخلال ساعات قليلة كانت هي عمر اللقاء بين الشيخ الشاب، وصديقه الشيخ الكبير الذي تعشقه مدينة السويس بالكامل وذلك الشيخ البدوي ذو اللهجة الخليجية، اقتنع صاحبنا بالسفر إلى المملكة السعودية ليعاود تلقى العلم مع راتب يسيل له اللعاب.
*****
سافر الشيخ إلى الرياض و تولى مسئولية مسجد الراجحى بمنطقة الربوة مواصلا تلقى العلم على يد الشيخ أبو صالح سليمان الراجحى، قبل أن ينتقل للدراسة على يد الشيخ عبد العزيز بن باز امام المذهب الوهابي، وقائد جماعة الامر بالمعروف ، ومفتي المملكة السعودية صاحب الاراء الحادة الشديدة التطرف, فسمع منه كثير من الشروح مثل شرح فتح البارى و النونية و الطحاوية و الواسطية و فى الفقة و أصوله و كثير من الشروح.
وبعد هذا كلفه مكتشفه الشيخ سليمان الراجحى بالإنتقال الى مسجده بالقصيم, و فى إفتتاح أحدى المشروعات و بحضور أكابر العلماء فى المملكة كلف الشيخ سليمان الشيخ محمد بالخطابة أمام كم كبير من أكابر العلماء, و قام بعد الخطبة الشيخ عبد الله بن منيع بتكليف من الشيوخ الإجلاء بمنح الشيخ محمد حسان شهادة الدكتوراه.
ليحصل الشيخ الشاب على شهادة دكتوراه على الرغم من أنه لم ينل حتى الماجستير، وعلى الرغم من أنه لم يدرس الفقه والشريعة في أي كلية معترف بها ليكلف بعدها بالتدريس فى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم كليتى الشريعة و أصول الدين, بتزكية من شيخ شيوخ الوهابية محمد بن صالح العثيمين, بتدريس مادة الحديث و مادة مناهج المحدثين و مادة تخريج و طرق الحديث، ليعود بعدها الشيخ الشاب بعد ان تخطى منتصف الثلاثينيات في نهاية تسعينيات القرن الماضي الى وطنه، بعد أن تغير وضعه المادي، وتغير شكل الحلم الذي حلمه الجد ذات صباح ، لم يتغير مظهره لانه حفيده سيبقى شيخاً، ولكن تغير مضمونه لان هذا الحفيد سيواصل الدعوة للمذهب الوهابي، وليس الي ذلك الدين الحنيف الذي عبر عنه الجد من خلال تحفيظه للصبي كتاب رياض الصالحين.
******
وخلال سنوات قليلة ذاع صيت الشيخ الشاب، ومن خلال من سبقوه من شيوخ نفس المذهب في مصر والذين تستروا تحت اسم براق بديلاً لشيوخ المذهب الوهابي ، ليطلقوا على أنفسهم " السلفيون"، صار احد أئمتهم، الذين يسعون خلفه ويشدون الرحال الى ذلك المسجد الذي يخطب فيه أياً كان مكانه.
ومن خلال تواجده في مسجد "العزيز بالله" أكبر تجمع للشباب الذي وجد في هذا المذهب نفسه، فأطلق ذقنه التي لم تتعلم حتى بعد كيفية الخروج، وارتدى ما قصر من جلاليب بيضاء، ونقل ساعة يده الى الجانب الأيمن، معتبرين الشيخ الشاب مثلهم الاعلى، خاصة مع كبر سن كل الشيوخ الذين سبقوه، والذين بدأوا التبشير الوهابي الخليجي منذ بداية عصر البترودولار في نهاية السبعينيات، ليقود وحده بمعونة نفس السلاح البترودولاري تجديد المذهب والدعوة اليه.
*****
ومع بزوغ شمس الألفية الجديدة، ومع انتقال الاعلام الى عصر الفضائيات، ينتقل شيخنا لمرحلة جديدة، يصير خلالها مقدما لبرنامج في قناة دينية متخصصة، قبل أن ينشأ ذلك الشاب الذي تخطى الاربعين ببضع سنوات قناته الخاصة "بماله" الخاص ليزيد المريدون، ويزيد الأتباع .
يدعو الشيخ دائما من خلال دروسه إلى الحجاب، الى فضيلة الطهارة، المواظبة على الصلاة في المسجد، الزكاة، المظهر، حريصاً كل الحرص طيلة سنين طوال على عدم الخوض في سياسة البلد، حتى أنه عندما ضيق عليه ذات يوم ليقول رأيه دعا للرئيس المخلوع مبارك موافقاً اياه على حصار المسلمين في غزة، محافظا على نفسه وعلى قناته، الى ان صدر قرار باغلاق القنوات الدينية في نهاية عام 2010، فخرج الشيخ مباركا ومهللا على منابر المساجد التي يخطب فيها.
******
ومع اندلاع ثورة الخامس والعشرون من يناير حرص الشيخ على تطبيق مبدأ مذهبه الأعظم، ألا وهو تكفير وتحريم الخروج على الحاكم، لدرجة ان الشيخ وجدي غنيم المطرود خارج مصر اتهمه بعد ذلك بالنفاق وركوب الثورة حيث اتهم غنيم حسان بالتناقض وركوب موجة الثورة ، ومهاجمة الثورة قبل انتصارها بأيام قليلة، وبعد نجاحها أيدها ونزل ميدان التحرير .
وأضاف الشيخ غنيم ان حسان أوقع نفسه في مشكلة كبيرة مع شباب الثورة ، وأكد انه يحب محمد حسان ولكن الحق احق أن يتبع .
واضاف غنيم أنه حتى هذه اللحظة لا نعرف موقف حسان من المظاهرات ، لقد أخرج بيان موجه إلي الثورة وحملهم التخريب الذي حدث ، أليس من باب أولى ان يوجه البيان إلى الداخلية وأعوانها في الأساس .
واضاف ان تناقضات السلفية كبيرة ولا نعرف موقفه من التيار السلفي الذي كان يحرم الخروج على حسني مبارك ، ويعتبر المظاهرات حرام .
وذكر غنيم ان حسان قال عن وزير الأعلام الأسبق أنس الفقي بالنص " الأخ أنس الفقي " وأشاد به في أكثر من موقع ، رغم انه لا يقبل به وبمظهره الملتحي ،وقال غنيم عن حسان " لقد كثرت تناقضاتك يا مولانا"
وتابع غنيم ان من اخطر وأعظم هذه التناقضات من وجهة نظره موقف حسان من معمر القذافي الرئيس الليبي والذي ذهب إليه مرتين في ليبيا وقابله رغم أنه ينكر سنة النبي محمد، ويقتل العلماء هناك ، ويعد بذلك كافرا" علي حد وصف غنيم له " ويجب الخروج عليه .
ووجه غنيم اللوم الى حسان ، في عدم قيادة الاخير للمظاهرات ، وقال غنيم انه لو كان موجودا في مصر ولو لم يكن محكوما عليه بالسجن لنزل الى ميدان التحرير مع المتظاهرين .
الا أن الشيخ الشاب قد أتقن هذه المرة اللعبة، وقرر أن يستفيد بهذا الزخم التى يحيط بالحرية في مصر، وقرر الدفع بكل اعضاء التيار الوهابي المسمى بالسلفي، ليتركوا بيع "الهريسة" التي باعوها لاعوام طوال ليقل احتكاكهم مع المجتمع الكافلا وتجارته وناسه الى الوسط السياسي، وليقرر السلفيون بقيادة مجدد دعوتهم الذى صار على اعتاب الخمسينيات استعراض قوتهم في المجتمع.
يقودهم هذا الشيخ العلامة الذي لم يدرس العلم في كلية ولا جامعة الذي يذكرنا بمقارنة بين العالم الأزهري والعالم السلفي والتي وردت على لسان الشيخ على جمعة حين قال"الشاب من دول حيتعب نفسه ويدخل الازهر يقعد 4 سنين وبعدها ياخدله ست سنين ماجستير ودكتوراه يعني 10 سنين علشان يبقى شيخ، وهو ممكن يقراله كتابين في اسبوعين ويبقى شيخ سلفي" ولا يقعد كام سنة في السعودية يا شيخنا وياخد دكتوراه الشيخ عبد الله بن منيع.
*******
الشيخ الشاب الذي شاب بعد أن تجاوز حتى حلمه، وصار الحلم القديم متواضعا أمام ما حققه من مال وجاه، ينفذ وعن قناعة ذلك المخطط السعودي لوأد الثورة في مصر، ويمنح المجلس العسكري الفرصة ليثير خوف امريكا من سيطرة التيار الاسلامي على مصلا لتدعم بقائه.
الشيخ محمد حسان الذي لم يمارس السياسية طيلة 48 عاما،والذي - على حسب قوله - تستقبله السعودية رسميا وتنتظره السيارة تحت الطائرة؟
قرر فجأة أن يكون زعيما، الشيخ الذي هاجم الثورة يتحدث عن انحراف الثورة عن اهدافها،الشيخ الذي ترك يوما بيته المبني بالطوب اللبن ليدخل الجيش صار شيخاً مليونيرا من خلال الدعوة، أو كما فال المثل الشيخ الوهابي ان تاب .....