20‏/02‏/2014

أرشيفي السينمائي .. فيلم «نبراسكا»: الرحلة العبثية قد تقودك إلى الحقيقة

يعود المخرج ألكسندر باين للطريق مرة أخرى، فبعد فيلم "About Schmidt " عام 2002 الذي يدور حول أرمل مشاكس لعب دوره جاك نيكلسون، يطارد ابنته في أنحاء الولايات المتحدة عبر دروبها وطرقها لتخريب زفافها، وفيلم "Sideways " والذي يتناول فيه مادار بين الروائي بول جياماتي ومتذوق النبيذ في جولة في مزارع العنب في كاليفورنيا في محاولة للاستشفاء من  كسر القلب، وكأن "باين" يجد نفسه داخل تلك السيارات المتنقلة من ولاية لأخرى في رحلة بحث عن شيء ما، يقدم هذه المرة في فيلم "nebraska" القدير بروس ديرن، في دور رجل عجوز مدمن للكحول مصاب  بالزهايمر يخوض رحلة مع ابنه الشاب من ولاية "مونتانا" حتى "نبراسكا" بحثا عن جائزة وهمية، في رحلة يدرك الابن الشاب عبثيتها إلا أنها يخوضها من أجل والده.
يستخدم "باين" الأبيض والاسود ويختار الثمانينات زمنا لأحداث فيلمه حتى تكون مناسبة للحبكة الدرامية بعيدا عن عصر الإنترنت، ويستعرض خلال الرحلة في لقطات واسعة المزارع والحيوانات بداخلها وعلامات الطريق والفنادق الصغيرة (الموتيلات) والكنائس دون مبرر حقيقي لاختفاء الالوان.
ومن خلال مدينة صغيرة شهدت نشأة الأب وبداية مغامرته في الحياة وزواجه في "نبراسكا" قبل رحيله إلى ولاية "مونتانا" تستقر الرحلة قبل نهايتها بالاب ونجله في منزل عمه، حيث يعيد خلال 3 أيام مد الحبال واعادة الحياة لعلاقاته بأهله وأهل مدينته كبار السن الذين يتذكرونه، بعدما ظن الجميع بالفعل أن الميكانيكي المفلس الذي غادر بلدتهم منذ أعوام طويلة كسب مليون دولار في اليانصيب وصار ثريا.
ومن خلال مفارقة تجمع الأسرة الصغيرة مرة أخرى في تلك القرية، ورغبة الأهل والأصدقاء القدامى في استغلال هذا الثراء المفاجيء لـ"وودي" الأب الذي يلعب دوره بروس ديرن يكشف الفيلم مجموعة من الطبائع الإنسانية الوضيعة، والتي يسلط عليها الضوء ويجعلها أكثر بشاعة هو ذلك الخرف الذي يواجهها به الرجل المريض بالخرف الذين يظنونه ثريا.
وفي أحد اروع أدواره يعود بروس ديرن الذي عمل من قبل مع العظيم الراحل هيتشكوك ليقدم دورا يليق بمشواره السينمائي، حيث يتقمص شخصية العجوز المدمن المصاب بالخرف، والذي ذاق الأمرين من زوجة سليطة تشيع عنه ماهو عكس حقيقته، والذي تقتصر أحلامه على اقتناء شاحنة جديدة و"كمبورسور" - ضاغط هواء - لاستخدامه في الطلاء وترك مال لولديه حتى يرثاه لأنه يرى نفسه والدا مقصرا، وتظهر تعبيرات "ديرن" المتفاجئة والمبهمة واللامبالية في كثير من المشاهد المعنى المقصود تماما، ليستحق الترشح عن دوره لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل.
ربما يبدو فيلما مدته 115 دقيقة باللونين الأبيض والاسود وأغلب أبطاله قد تجاوزوا الـ60 عاما مملا للغاية للبعض، ربما لا يصيب المشاهدة بالحماسة مع إيقاعه الهاديء الذي يليق بحلم رجل عجوز مريض، لكنه فيلم أخر يضرب فيه ألكسندر باين من جديد لكشف تلك العلاقات الإنسانية الحقيقة التي تتجاوزها السينما الأمريكية الحالية، وخاصة تلك المشاعر المختلطة بين الاباء والابناء، والتي يغزلها بروعة عبر تفاصيل هذا الفيلم، مثل هذا المشهد الذي يسرق فيه الإبنان مزرعة أحد أصدقاء والدهما القدامى بطريقة طفولية واضحة فقط من أجل الانقتام، واكتشاف هذا الابن الأصغر لحقيقة والده بنهاية تلك الرحلة العبثية التي بلغت 750 ميلا، وقرر أن يحقق له أحلامه البسيطة منكرا ذاته فقط من أجل المشاعر.
فيلم nebraska ليس من تلك الافلام القادرة على ابهار المشاهد، على الرغم من ترشحه لجائزة الأوسكار أفضل فيلم، لكنه يبقى أحد تلك الافلام التي تؤكد عبارة الشاعر الراحل محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"

ليست هناك تعليقات: