09‏/02‏/2014

«أحلام داوود عبدالسيد التي لم يرها بنفسه»..المعلم هدهد والشيخ حسني...لقاء السحاب

اقتاد رجال المعلم  هدهد الرجل الكفيف الذي حضر إليهم من أجل شراء نصيبه من "الكيف"، كما اعتاد منذ القبض على المعلم "هرم".

بمجرد وصوله إلى "الديلر" سلط الكشاف على وجهه واشار لأخر ، فأحاطا بالرجل وسحباه رغما عنه إلى حيث لا يدري، صرخ الشيخ حسني معترضا

- رايحين بيا على فين ياكفرة، أنا عارفكم وحاجيبكم.

وفي مكانه المفضل في بهو بيته شرقي الطراز جلس المعلم هدهد بجلبابه الابيض على مقعده الخشبي المطعم بالصدف والمبطن بريش النعام متأملاً ملامح الكهل الذي ألقى به صبيانه أمامه، بقامته الطويلة وقوة جسده الواضحة في عضلاته والتي لا تتناسب مع عاهته، وذلك الشارب الصغير الذي يجذب وجه الناظر إلى وجهه مع زوج العيون الذي فقد ضياء البصر وأجبر الرأس على الارتفاع والميل تجاه أحد الأذنين استرشادا بالصوت.

استمر الشيخ حسني في شكواه، بعدما تركه الرجلان وحيدا

- أنا فين يكونش الواد سليمان زعلان مني علشان الفسبا بتاعته، ولا الولية ام روايح سلطت عليا حد بعد ما فضحت الحتة كلها، الله يرحمك ياعم مجاهد قولتلي الحشيش حيضيعني وباينه ضيعني

ثم جلس مقرفصا يبكي في صمت، والمعلم هدهد صامت تماما يتأمله قبل أن يقول بصوته الجهوري

- بعت بيتك علشان الحشيش، بتبيع إيه دلوقتي يا شيخ حسني

انتفض الشيخ حسني واقفا بمجرد سماع الصوت، وأقترب في اتجاه صاحبه الذي قال بصوت عال آمر

- اقف مكانك لاحرق روحك، متقربش

أمسك الخوف بقدمي الشيخ حسني، فتوقف مكانه صامتا، فأعاد المعلم هدهد سؤاله

- بتبيع إيه يا شيخ حسني

هز الشيخ حسني رأسه وكأنه يسمع لحنا محببا قبل ان يقول

- الكيف هو الصاحب لما ميبقاش عندك صاحب، الكيف هو البصر لما تبقى لا مؤاخذة زيي ضرير، الكيف ساعة كمان بيبقى الأهل

ابتسم المعلم هدهد للمرة الأولى منذ رأى الشيخ حسني وقال

- أهو أنا بتاجر في الحشيش علشان اللي زيك، ومع إني كنت جايبك هنا علشان أقطع راسك علشان صبيي هرم اللي دخل السجن بسببك، بس حبيت اسمعك، أه في شغلتنا كل حاجة بالميزان، العدل أهم حاجة

نبتت ابتسامة ماكرة على وجه الشيخ حسني الذي وجه اذنه اليسرى تجاه الصوت قبل أن يقول ساخرا

- بس اليومين دول الحشيش صوابع يا مولانا ومن غير ميزان

نهض المعلم هدهد وغادر مقعده في اتجاه الشيخ حسني وهو يقول

- كل صنعة في البلد دي باظت، كل حاجة اتقل خيرها، والصبيان الجداد  بهدلوا الزبون

ثم امسك بيد الشيخ حسني واقتاده لجلسة عربية توسطتها "قصعة" اشتعلت فيها "طربة" حشيش وسط الفحم لتعبأ المكان برائحته العطرية المميزة، استنشق الشيخ حسني الرائحة بمجرد دخوله وقال مبتهجا

- الله الله

ثم مال على دليله قائلا

- اسم الكريم إيه

- انا المعلم هدهد

ساعد المعلم الشيخ في الجلوس، ثم ناوله عودا واستلقى بجواره وقال

- لم تتكيف سمعنا حاجة

ابتسم الشيخ حسني ومع استنشاق الحديد بدا يداعب أوتار العود غائبا بداخلها وكأن روحه معلقة فيها قبل أن يقول

- زمان غير زماننا..مالناش فيه مكان..وخلاص صار أماننا..نستخبى م الفوقان

هز المعلم هدد رأسه مشيرا  لاحد صبيانه الذين وقفوا على الباب للحراسة، اسرع تجاهه ومال بجسده ليسمع اوامره

- الحشيش بتاع الشيخ حسني يوصله البيت كل يوم من غير فلوس، نعتبره زي نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة بتاعة الحكومة

انصرف الرجل مسرعا بينما أغمض المعلم هدهد عيونه والشيخ حسني يواصل الغناء

- حشيشنا ليه مزاج..حشيشنا ليه معلم..ياكيف الابتهاج..نسيتنا ازاي نتألم

ضحك المعلم هدهد بصوت عالي وهو يقول في نفسه

- ربنا يجعله في ميزان حسناتنا

الشخصيات

الشيخ حسني – فيلم «الكيت كات» - محمود عبدالعزيز

المعلم هدهد – فيلم «أرض الخوف» - حمدي غيث


ليست هناك تعليقات: