18‏/01‏/2014

أرشيفي السينمائي : فيلم «ذئب وول ستريت» .. 180 دقيقة من البهجة المأساوية

عادة ما يشعر المشاهد بالقلق قبل مشاهدة فيلم مدته 3 ساعات كاملة، يخشى الملل والإغراق في تفاصيل فرعية تشتت تركيزه وتقلل من استمتاعه بأحداث الفيلم، لكن أمام فيلم للمعلم صاحب الـ71 سنة مارتن سكورسيزي ينتصر تحدي الـ180 دقيقة على كل المخاوف، ويواصل المخرج العجوز صاحب "تاكسي" و"الثور الهائج" وكل أفلام العصابات الشهيرة مثل "Goodfellas "، "Gangs of New York "، و"The Departed " الخروج من عباءته وتقديم الجديد بصورة تثير الدهشة مع سنه، حيث نجح سكورسيزي منذ عامين في اقتحام عالم الـ3D بتقديم فيلم "Hugo " ببراعة حسده عليه حتى جيمس كاميرون المخرج المخترع، وفي فيلمه الجديد The Wolf of Wall Street يقتحم عالم السير الذاتية الذي قدمه من قبل في "The Aviator " ولكن هذه المرة بنكهة كوميدية صارخة، لا تشبه افلامه السابقة وبنجاح يحسده عليه أبرع مخرجي الكوميديا في العالم.
وفي فيلم يشبه قليلا فيلم الأخوين كوين "Big Lebowski" يقدم سكورسيزي السيرة الذاتية لذئب شارع المال والبورصة "جوردان بيلفورت" وبإيقاع صارخ وجنوني، ومشاهد غير متوقعة لهوايات بطل الفيلم الغريبة، وبعرض دقيق للتفاصيل القذرة لسوق المال الأمريكي وكذلك عالم إدمان المخدرات بكافة أنواعها، معطيا صورة نهائية مبهجة للمشاهد على الرغم من غرائبية أحداث الفيلم.
وبطاقم ممثلين تليفزيونيين مثل بطلة الفيلم الأسترالية "مارجوت روبي" وبعض أبطاله الثانويين مثل "بي .جا.بارين" و"جونا لوملي" ومع نجمه المفضل حاليا ليوناردو دي كابريو والنجم المتألث "جونا هيل"يعزف سكورسيزي ملحمة تمثيلية عفوية تليق تماما بقصة الفيلم وطبيعة شخصياتها النهمة الشرهه عاشقة المتعة المغرمة بالمال والمخدرات والنساء.
ويقدم "ليوناردو دي كابريو" أحسن ممثلي جيله على الإطلاق دورا من اروع أدواره - في الحقيقة هو يقدم دورا رائعا فيلما بعد فيلم - يستحق الحصول عليه على جائزة الكرة الذهبية، ويجعل جائزة الأوسكار تقترب للغاية من دولاب جوائزه، ويقدم من خلاله أحد اروع مشاهد الفيلم خاصة، وحياته الفنية  عامة، من خلال شلل دماغي مؤقت يجبره على الزحف من كابينة تليفون إلى سيارته وقيادتها إلى المنزل.
وبأداء ليس غريبا عليه، يتقمص النجم الأمريكي شخصية البطل الاصلي للسيرة الذاتية، يتحدث مثله وبنفس طريقته مستخدما نفس تعبيرات وجهه، وكأن عضلات وجهه يسيرة التحريك مثل يديه - من الضروري أن تشاهد فيديوهات صاحب القصة الحقيقي على "يوتيوب" - في محاكاة لم يسبقه فيها سوى ربة التمثيل "ميريل ستريب" حين قدمت دور الطاهية الشهيرة "جوليا" منذ عدة سنوات.
وخلال 180 دقيقة تلعب الموسيقى التصويرية دور الراوي بعد توظيفها بطريقة شديدة الذكاء لتعطي بعدا أخرا لأحداث الفيلم الصاخبة، لدرجة تكوينها صوتا جديدا لشريط الصوت موضحة المعنى والهدف من المشاهد التي تدق فيها.
فيلم "The Wolf of Wall Street" فيلم مختلف تماما لم يقدمه سكورسيزي من قبل، وكذلك كاشف بطريقة لم يعتدها الجمهور العربي، الذي اصر "بابا" الرقيب على قطع 40 دقيقة من أحداث الفيلم ليقدم لوحة سيريالية لأحداث الفيلم تاهت فيها المعاني بسبب القطع الجائر حرصا على الأخلاقيات العربية - احم احم - يكشف بشاعة رأس المال الأمريكي وامتهانه لكل القيم وتلك القوة الطاغية لرأس المال في مجتمع تأسس على عبادته، بنهاية منطقية وطبيعية بأن يظل البطل صاحب اللا مباديء موجودا على الساحة كأحد اشهر مدربي المبيعات في الولايات المتحدة التي تحترم صانعي المال أيا كاونا.
في الحقيقة صرنا كذلك أيضا لكن رقيبنا مازال خجلانا من عري الأجساد، سعيدا بعري الضمائر والنفوس.
فيلم The Wolf of Wall Street يستحق المشاهدة على شاشة جهاز بعيدا عن مقص الرقيب، قادرا على إصابتك بالبهجة رغم كل أحداثه في خلطة لا يضمنها لك إلا اسم "مارتن سكورسيزي".